عائشة الحيان ل”مغربيات” : نأمل أن تنخرط كل القوى الحية في الحملة الوطنية للتغيير الشامل و الجذري لمدونة الأسرة

مغربيات

أطلق اتحاد العمل النسائي حملة وطنية للتغيير الشامل و الجذري لمدونة الأسرة منذ 2018، وقد تقدم بمذكرة في 10 فبراير الجاري تحت شعار من أجل قانون أسري يضمن الملاءمة و المساواة“.

هذا المطلب نادت به، منذ سنوات، الحركة النسائية بكل مكوناتها منذ وقوفها على مجموعة من النواقص و الاختلالات التي شابت تطبيق مدونة الأسرة، و نُظِمت فيها ندوات كثيرة حضرها باحثون و ممثلون عن النيابة العامة و قضاة و محامون و أطباء و فقهاء، و علت أصواتهم بمراجعة المدونة خاصة في بعض الفصول التي طرحت إشكالات عديدة، غير أن هناك مطلب بالتغيير الشامل و الجذري لقانون الأسرة، سواء في مرجعيته أو لغته أو فلسفته أو بنائه..

للحديث عن هذه الحملة و أسبابها و أهدافها مغربيات اتصلت بعائشة الحيان المحامية و رئيسة اتحاد العمل النسائي ..

قالت عائشة الحيان رئيسة اتحاد العمل النسائي، إن المنطمة سبق و أن أطلقت الحملة الوطنية الثانية لتعديل مدونة الأسرة سنة 2018، حيث نظمت ندوة وطنية حضرها متخصصون من مشارب علمية و فقهية.

وبشأن المذكرة التي تقدم بها الاتحاد في 10 فبراير، أكدت الحيان أن الاتحاد طالب فيها بالتغيير الشامل و الجذري لقانون الأسرة وذلك تحت شعار من أجل قانون أسري يضمن الملاءمة و المساواة.

و أشارت المتحدثة إلى أنه عند صدور مدونة الأسرة قبل 18 سنة، اعتبرت الحركة النسائية التغيير الذي شمل مدونة الأسرة بمثابة الثورة الهادئة، حيث اعتبرت من أهم الأوراش الإصلاحية التي عرفها المغرب خلال السنوات الأخيرة، إلا أنه، تضيف الحيان، بعد تطبيق المدونة طيلة ال18 سنة الأخيرة تبين أن قانون الأسرة لم يعد يتماشى و المتغيرات التي طرأت على المغرب، سواء على المستوى السياسي أو المؤسساتي أو القانوني، خاصة بعد أهم إصلاح عرفته البلاد و يتعلق الأمر بدستور 2011، وهو ما كان يفرض على أن تكون كل القوانين تتلاءم و ما جاء في الدستور، بما فيها قانون الأسرة، لكن و للأسف كل الحكومات السابقة لم تفتح هذا الورش، كما لم تعمل لا على مراجعة المدونة و لا على تعديلها أو سد الثغرات التي تعرفها، خاصة و أن العديد من الدراسات، سواء تلك التي أنجزتها وزارة العدل بعد 10 سنوات من تطبيق المدونة، و التي وقفت على مجموعة من النواقص و الاختلالات، سواء على المستوى المؤسساتي أو النصوص أو الموارد البشرية، أو تلك التي أنجزتها رئاسة النيابة العامة حول زواج القاصر.

و أوضحت أن هناك دراسات رسمية كلها تشير إلى أن المدونة تتضمن مجموعة من مظاهر التمييز و نصوص لا تتلاءم و مقتضيات الدستور المغربي الذي ينص على المساواة، و بالتالي أصبح لزاما مراجعة شاملة لهذه المدونة التي أضحت متجاوزة بحكم الواقع، خاصة مع تحول المجتمع من الأسرة الممتدة إلى الأسرة النووية، وخروج المرأة إلى العمل، وهو ما يفسر بالضرورة أن يتماشى القانون الأسري مع هذه التحولات.

عن خصوصية هذه الحملة التي أطلقها اتحاد العمل النسائي، علما أن الحركة النسائية بجميع مكوناتها سبق و أن طالبت منذ أن وقفت على العديد من الاختلالات التي طالت تطبيق المدونة بتغييرها، أكدت ألحيان إن جميع أطياف الحركة النسائية، بما فيها اتحاد العمل النسائي تتبعت تطبيق المدونة منذ صدورها ووقفت جميعها على الاختلالات التي شابتها، خاصة بالنسبة لبعض المقتضيات المتعلقة بزواج القاصر، اقتسام الممتلكات، إرجاع المطرودة إلى بيت الزوجية و تعدد الزوجات و إثبات النسب وغيرها، غير أننا كنا نأمل أن القضاء يمكن أن يتجاوز هذه الاختلالات عن طريق إعمال مبادئ حقوق الإنسان و احترام المواثيق الدولية التي صادق عليها المغرب، لكن وبعد طول انتظار ارتاينا ألا نكتفي بتنظيم ندوات و إصدار بيانات، بل حان الوقت لإطلاق حملة وطنية، و التي نأمل ألا تقتصر على جمعيتنا فقط، و إنما تنخرط فيها كل القوى الحية و الجمعيات الحقوقية و النسائية التي تشترك في حمل نفس الهم

و شددت المتحدثة على ضرورة انخراط كافة المواطنات و المواطنين في هذه الحملة، لأن مبدأ المساواة هو شأن عام و يخص حتى الأحزاب السياسية، و أنه لا يمكن إنجاح المخطط التنموي الجديد بدون إقرار المساواة، كما لا يمكن للمرأة أن تقوم بالدور المنوط بها وهي لا زالت تواجه قوانين مجحفة في حقها و تحد من إرادتها و إمكاناتها وقدراتها نحو تحقيق الأفضل.

وتحدثت الحيان بتفصيل عن كل الاختلالات التي شابت تطبيق المدونة، بدءا بقانون تزويج القاصر الذي وضعه المشرع كاستثناء ليصبح قاعدة، حيث أن أزيد من 95٪ من هذه الزيجات تتعلق بالفتيات القاصرات و ليس الفتيان الذكور، و كذلك الشأن بالنسبة لتعدد الزوجات الذي يمس بكرامة المرأة، علما أن 0،24 ٪ من الأشخاص يلجؤون لهذه المسطرة، و بالتالي لم يعد من المقبول تشريع قانون لفئة معينة نسبتها ضئيلة، فقط من أجل تلبية الأهواء و النزوات، وهو أمر أصبح متجاوزا، و من غير المنطقي أن ينص أسمى قانون في البلاد وهو الدستور على المساواة و مناهضة التمييز، في حين أن قانونا آخر أقل مرتبة منه يكرس هذه المظاهر.

و أشارت إلى مسألة الولاية التي تعاني منها العديد من المطلقات خلال بداية كل موسم دراسي، حيث تبين من خلال الحالات الوافدة على مراكز الاستماع النجدة التابعة للجمعية، أن المشتكيات يتعذر عليهن الحصول على شواهد لنقل أطفالهن بالقرب من الإقامة الجديدة لهن و غالبا مع الأهل، مما ينتج عنه حرمان الأطفال من الدراسة، و لا يمكن للأم الحصول على هذه الشهادة إلا بعد اللجوء للقضاء الاستعجالي أو طلب للنيابة العامة، و هناك العديد من الزوجات المطرودات أو المعنفات اللواتي يكن مضطرات للرجوع إلى بيت الزوجية رغم ما يتهددهن من عنف فقط من أجل مصلحة الأطفال و خوفا من انقطاعهم عن الدراسة، إذ رغم أن المدونة نصت على الرعاية المشتركة بين الزوجين في المادة 4″، إلا أنها تشمل فقط الوضع الذي يكون فيه الشريكان متزوجين، لكن و بمجرد وقوع الطلاق، تقع مشاكل كثيرة، يكون ضحاياها الأطفال.

بشأن رعاية الأطفال انتقدت المتحدثة إسقاط الحضانة عن الأم التي تتزوج حين يتجاوز الطفل سبع سنوات، في حين أن الأب من حقه الزواج و أخذ الأبناء للعيش مع زوجة الأب دون مانع، كما أن المدونة أعطت الأب حق عدم الاحتفاظ بابن في وضعية إعاقة حتى و إن تزوجت أمه على أعتبار أن هذه الأخيرة هي الأولى برعاية هذا الطفل، وهو ما يفسر بأن الأب دائما يكون في وضعية الاختيار المريح، عن طريق استبعاد الوضعيات المعقدة و تركها للأم، وهذا يحيل على تمييز واضح بين الزوجين مبني على النوع.

هناك كذلك مسألة النفقة التي اعتبرتها المتحدثة معضلة كبيرة، حين يمتنع الأب عن أداء النفقة، وهو ما يعرض الأبناء للتشرد، خاصة إذا لم تكن الزوجة عاملة، مشيرة إلى أن صندوق التكافل العائلي الذي وضعته الدولة لم يعط حلولا كافية، خاصة و أن أغلب النساء لا علم لهن بوجود هذا الصندوق، وحتى اللواتي يعلمن بوجوده يجدن صعوبة في الاستفادة منه، لما يتطلبه من إجراءات كثيرة تتم عن طريق المحكمة، تفضل معها الكثيرات عدم طرق هذا الباب لأنهن يجدن صعوبة في الولوج إلى العدالة علما أنه حق دستوري لكل مواطن و مواطنة.

و طالبت الحيان في هذا الصدد بتحديد المعايير فيما يتعلق بالنفقة و مستحقات الطلاق دون تركها للسلطة التقديرية للقاضي، لأن الملاحظ أنه أمام نفس الوضعيات نجد أحكاما قضائية مختلفة (فمثلا زوجان يتقاضيان نفس الأجرة لا يخضعان لنفس الأحكام في النفقة).

كما انتقدت المادة 94 و ما يليها و التي تعطي الحق للزوجة بأن تطلب التطليق للشقاق، وهو ما اعتبرته المتحدثة خطوة مهمة مقارنة بقانون الأحوال الشخصية، لكن أمام حرمان الزوجة في هذه الحالة من المتعة و من كافة مستحقاتها، تم الرجوع إلى نقطة الصفر، حيث أن أغلب الزوجات أصبحن يتراجعن عن قرار الطلاق رغم ثبوت الضرر، بمجرد ما يعلمن بمسألة الحرمان من المستحقات.

ودعت الحيان إلى التفكير في مؤسسات للصلح بديلة عن تلك التي يشرف عليها القضاة، و التي يمكنها التخفيف من هذا العبء بسبب تراكم الملفات أمامهم و ضعف الموارد البشرية، موضحة أن هذه المؤسسات يمكن أن تعمل بها مساعدات اجتماعيات يقمن ببحوث اجتماعية في أوساط المشتكيات، يشرف عليها القضاة أنفسهم، من أجل ضمان العيش الكريم للأطفال، من خلال الحفاظ على نفس المستوى المعيشي الذي كان داخل الأسرة قبل وقوع الطلاق بين الأبوين.

و أوضحت المتحدثة أن مسألة النسب كذلك تطرح إشكالات متعددة، حيث لم يعد من المقبول إثبات النسب بالفراش أو الشبهة إلخ، بل يجب اللجواء إلى الخبرة الجينية سيما مع التقدم العلمي من أجل ضمان حق أساسي للطفل و هو النسب، و بالرجوع إلى الدستور كذلك الذي ينص على حماية الأطفال في كل الوضعيات.

و اختتمت الحيان قولها إن المدونة تشوبها ثغرات كثيرة، دون التركيز على قوانين بعينها، بل إننا نطالب بتغيير شمولي، سواء تعلق الأمر بمرجعيتها أو لغتها أو بنائها، مع إقرار مبدأ المساواة في الحقوق و الواجبات و رعاية الأسرة، أثناء الحياة الزوجية أو بعد الانفصال.

About Post Author