صانعات المحتوى في المغرب.. آفاق جديدة في سوق الشغل

تقرير : حنان العريبي

في ظل الثورة المعلوماتية التي يعيشها العالم بما فيها المغرب، طفت على مواقع التواصل الاجتماعي ظاهرة جديدة نسبيا هي ظاهرة المؤثرات أو صانعات المحتوى، اللواتي بتن اليوم يتمتعن بشهرة ويحظين بمتابعة كبيرة.

مغربياتارتأت من خلال التقرير التالي التطرق لظاهرة صانعات المحتوى في المغرب، ومحاولة طرح مجموعة من الأسئلة حول طبيعة تأثير هذه الفئة على المتتبعين، ودوافع مشاركتهن لتفاصيل حياتهن. هل بدافع جني المال؟ ماذا عن الحضور النسائي المغربي في مواقع التواصل الاجتماعي. متى بدأ في الظهور؟ وأين يمكن تصنيف المحتويات التي تقدم على المنصات الاجتماعية.

مرجع في التخسيس

تمكنت فرحة كرام في وقت وجيز من كسب شهرة واسعة، وأن تصبح مرجعا وذات تأثير على النساء المغربيات اللواتي يرغبن في التخسيس والحصول على جسم رشيق في المنزل.

استغلت فرحة وهي أم لطفلتين، مواقع التواصل الإجتماعي الفيسبوك والأنستغرام، واليوتيوب، حين بدأت تشارك قصة نجاحها وتمكنها من خسارة 23 كيلو جرام من وزنها بعد اتباعها لنظام غذائي متوازن، تفصح لمغربيات : ” بعدما أنجبت ابنتي الأولى بدأت أكتسب وزنا زائدا، وزاد وزني أكثر بعد إنجابي لابنتي الثانية وبقيت على هذا الوضع 10 سنوات أحاول الخوض في ريجيمللتخسيس لكني لم أكن أعرف من أين أبدأ، إلى أن جاء ذلك اليوم وأخذت قراري وبدأت أبحث وأحاول تطبيق ذلك على نفسي ثم بعدها بدأت أبتكر طرقا للتخسيس واتباع نظام غذائي حسب حالتي، ما ساعدني في إنزال 23 كيلوجراما والحصول على وزن يتماشى مع طولي، وبعدها جاءتني فكرة مشاركة تجربتي مع النساء، وهكذا كونت مجموعة على الفيسبوك وبدأت أقدم نصائح انطلاقا من تجربتي الخاصة، واكتشفت في نفسي قدرة الإقناع خاصة بعدما كنت أتلقى رسائل من المتتبعات على الخاص يشدن بما أقدمه، وهو ما دفعني إلى البحث أكثر وقراءة كتب التنمية البشرية من أجل تطوير شخصيتي وأيضا قراءة مراجع وكتب حول التخسيس والأنظمة الغذائية. تضيف فرحة : صحيح أنني لست طبيبة ولا مختصة ولم أدرس هذا التخصص، ولكن تجربتي الشخصية مع التخسيس وكيف فقدت 23 كيلوغراما، تستحق أن أشاركها مع الآخرين.

تقول :”العديد من النساء ليس من المغرب فقط بل من مختلف البلدان تتابعني الآن لمعرفة كيفية الوصول إلى الجسم المثالي، وعندما تتحدث معي أي متابعة تود التخسيس أنصحها أولا بأن تكون ذات إرادة قوية وعزيمة لأن قرار إنقاص الوزن يحتاج إلى صبر كبير والإبتعاد عن كل ما هو غير صحي، ومراقبة كمية وجبات الطعام بعناية، وكذلك البحث عن بدائل لبعض الأطعمة“.

وإن كانت فرحة تعتبر نفسها مؤثرة وأين يمكن تصنيف المحتوى الذي تقدمه تقول لمغربيات: “ربما أكون مؤثرة لدى فئة من النساء وهن اللواتي أستهدفهن والراغبات في الحصول على جسم مثالي في المنزل، وأظن أن المحتوى الذي أقدمه هادف ولو لم يكن كذلك لما وجدت متتبعات، ولما وصلتني رسائل شكر على الخاص، أخصص وقتا للتفاعل مع أسئلة النساء، وأكون سعيدة وأنا أقدم النصائح وأستمع لمشاكل النساء مع السمنة وأحاول أن أكون مثل دليلهن لمساعدتهن في الوصول إلى الوزن المثالي.. إنها تجربة ممتعة وأجد فيها ذاتي.”

فرحة كرام

محتوى هادف

وفاء مريحي42 سنة وأم لثلاثة أبناء، قبل ثلاث سنوات، بدأت تراودها فكرة تقديم محتوى على اليوتيوب، لكنها كانت دائما تتردد لأنها كانت تبحث عن محتوى هادف، تقول ل »مغربيات »:” اهتديت إلى أن أشارك النساء المغربيات وصفات الطبخ المغربي، وهكذا بدأت العمل على الفكرة وإنشاء القناة بعد تشجيع من إحدى جاراتي التي كانت لها أيضا قناة على اليوتيوب، وحرصت دائما استهداف فئة من النساء والفتيات المبتدئات في المطبخ فبدأت بتقديم وصفات بسيطة واقتصادية، وصناعة فلوغاتوبثها على اليوتيوب التي كانت تلقى تفاعلا كبيرا.

تضيف: وبحكم أنه في بداية زواجي كنت أقطن مع أسرة زوجي، شاركت هذا الأمر مع المتتبعات لأعطيهن نصائح حول الصبر وكفاح المرأة المغربية والتعامل الجيد مع الحماة وأسرة الزوج، وكيف ينبغي للزوجة أن تكون سندا لزوجها دون إثارة المشاكل من لاشيء، وقد لاقى ذلك نجاحا كبيرا وحصدت متابعات كثيرات ما مكنني من الحصول على 100 ألف مشاهدة في ظرف قياسي وحصلت على الذرع الفضي من لدن إدارة اليوتيوب، لكن خلال فترة الحجر الصحي تراجعت قناتي، لكني رغم ذلك أنا أواصل تقديم محتويات هادفة بناء على طلب المتتبعات.

وإن كان دافع وفاء مريحي ماديا بالدرجة الأولى تقول: “في البدء لم أكن أهتم للجانب المادي، بل دخلت إلى هذا المجال بدافع الفضول، لكن بعد أن حصلت على الذرع الفضي وحصلت على راتب من إدارة اليوتيوب بدأت أفكر في الأمر مليا، رغم أن زوجي يوفر كل الاحتياجات المادية ولا يجعلني أحتاج شيئا، لكن بعد أول مدخول لي أعجبني الأمر، وعرفت طعم الإستقلال المادي، وأنا عازمة على السير قدما للحصول على الذرع الذهبي، ثم الماسي.

وفاء مريحي

ماما الكل

ماما الكلهو اللقب الذي اختارته المزالي عائشة 60 سنة، أن تطل به على مشاهديها على اليوتيوب، رغم سنها إلا أن طموحها كبير في أن تصبح مؤثرة ذات شهرة واسعة، إذ استطاعت أن تفتح قناة قبل أربع سنوات، لتقدم من خلالها تجربتها حول طريقة تعاملها مع زوجة ابنها وحياة التفاهم التي تطبع علاقتهما، حاولت تقديم نصائح لكل الحموات لخلق علاقة جيدة مع زوجة الإبن والإبتعاد عن صورة العداوة التي يحاول البعض تقديمها عن الحماة وزوجة الابن، تركز في فيديوهاتها على طريقة التواصل معها، ومحاولة خلق حالة من الصداقة، وإن كانت أية تحفظات على طريقة الحديث، توصي الحموات بالحديث برفق وبهدوء للتعرف على سبب التصرفات التي تزعجهن، مع المبادرة بأخذ رأي زوجة الإبن ونصيحتها في بعض الأمور لبناء جسور الثقة والتفاهم.

ولم تقتصر ماما الكلعلى تقديم النصائح التي تتعلق بالحماة وزوجة الابن فقط، بل تقدم أيضا وصفات للطبخ من المطبخ المغربي.

وتمكنت المزالي عائشة من الحصول على الذرع الفضي من إدارة اليوتيوب، كما تشتغل الآن للحصول على الذرع الذهبي تقول لمغربيات:”أقدم ما يعكس شخصيتي ، فعندما بدأت لم أكن أتوقع الوصول إلى ما أنا عليه، بعدما تعديت 300 ألف متابع لم يعد هاجسي الرقم الذي أصل إليه، ومع أنه مهم ولكنه ليس دليلا على نجاح الشخص؛ فثمة كثيرون ممن لديهم الملايين ولا يقدمون محتوى هادف، فأنا أعتبر أن المحتوى وطريقة تقديمه وشخصية الإنسان هي التي تحدد النجاح“.

“ماما الكل”

أهمية المؤثرة لا تقاس بعدد المتتبعين:

ولأن ظاهرة صانعات المحتوى ظاهرة جديدة وعرفت انتشارا واسعا بين عدد من النساء في العالم بما فيها المغرب، يحاول الباحثون في علم الإجتماع دراستها.

يرى الدكتور عبد الجبار شكري الباحث في علم النفس الاجتماعي أن أهمية وشهرة الشخصية المؤثرة لا تقاس بعدد متابعيها، فارتفاع العدد لا يعني بالضرورة أن ما يقدم من محتوى له أهمية أو فائدة، لأن أغلب المتابعات لا ترغبن في الاستفادة مما تتقاسمه المؤثرة، ولكن غالبيتهن تتملكهن مشاعر الفضول حول طريقة عيشهن والأماكن التي يزرنها ووجهاتهن السياحية ونمط حياتهن بشكل عام.

وأوضح شكري أن ثورة المعلوماتية التي شملت العالم والفضول دفع بالمرأة المغربية إلى أن تكون حاضرة بقوة على وسائل التواصل الاجتماعي خلال السنوات الأخيرة، مشيرا إلى أن الحضور النسائي على الشبكات الاجتماعية برز بشكل كبير خلال الخمس سنوات الأخيرة، وهذا راجع إلى المعرفة الواسعة بشبكة الأنترنت التي أصبح لا يخلو منها أي بيت مغربي .

الدكتور عبد الجبار شكري

المحتويات بين التافهة والهادفة

وحول رأيه في المحتويات التي يتم نشرها عبر مواقع التواصل الاجتماعي من طرف النساء، يجيب الدكتور:” لا يمكن أن ننكر أن هناك فئة من صانعات المحتوى يقدمن محتويات تافهة، بدافع المال، وبالتالي لا يتورعن عن تقديم محتويات فيها نوع من الإغراء الجسدي والكلمات الخادشة للحياء، ولهن مشاهدات عالية، إلا أن ذلك ليس مقياسا للنجاح، ويضيف في المقابل هناك الكثير من النساء المغربيات اللاتي ينشرن محتويات هادفة ويسعين إلى تقديم النموذج المثالي للمرأة المغربية، ويكتسبن احتراما كبيرا لدى المتتبعين، وهؤلاء يتم استدعاؤهن للمشاركة في عدة محافل، كما أن بعضهن صرن واجهة للترويج والتسويق للعلامات التجارية للشركات المشهورة والصغيرة.

حضور نسائي لافت

وأوضح شكري أن عددا من صانعات المحتوى بصمن على حضور لافت ويتمتعن بقدر كبير من الاحترام والتقدير لدى المغاربة، كل واحدة في مجال اهتمامها واختصاصها، فهناك من تحث النساء على تطوير قدراتهن وخلق مشاريع تمكنهن من تحسين وضعيتهن المادية، وكذا تعبئتهن لدعم مختلف القضايا التي تهم الوطن وإشاعة ثقافة التضامن وتشجيع الناس على تبني سلوكيات مواطنة، ومنهم من صارت مرجعا للنساء في الطبخ المغربي ومنهم من صار لها تأثير على النساء في مجال الأزياء و الموضة والجمال ووصفات الشعر وغيرها، كل حسب اختصاصها.

ومن جهتها ترى هاجر لمفضلي الباحثة في علم الإجتماع، أن حضور النساء في مختلف الوسائل الرقمية بات لافتا في السنوات الأخيرة، مما خلق تحديات جديدة أمام الدراسات الجندرية.

وتضيف قائلة لمغربيات:” إن الوسائل الرقمية وإن كانت تشكل جزءا من الحياة اليومية التفاعلية، فهناك كذلك سياقات خارجة عنها تتدخل في صناعة واقعها؛ حيث يولد الترابط بين النساء وبين العوالم الرقمية، العديد من الأسئلة غير المتجانسة، والتي تكشف عن أبيسية جديدة تستثمر في الجسد، تتجلى في العديد من فيديوهات اليوتيوب مثل روتيني اليومي، أو من خلال مجموعة من البرامج الرقمية التي تقدم فيها النساء نصائح للتعامل مع الرجال أو غيرها.

ذة. هاجر المفضلي

تحقيق البوز“:

وعن كيف ترى المحتويات التي تقدم على مواقع التواصل الاجتماعي، وهل حضور النساء هو نوع من التحرر ، وكيف ترى مشاركة الحياة الخاصة لبعض المؤثرات مع المتتبعين؟ وما رأيها في بعض صانعات المحتوى اللواتي يستعملن طرق الإغراء لحصد أكبر نسبة من المشاهدة؟ تجيب الباحثة في علم الإجتماع: إن الجسد الأنثوي يرتبط بثقافة الاستهلاك عبر تحقيق البوز، والسعي إلى تعزيز ثقافة الإغراء، والاستعراض؛ ليس ذلك فحسب، بل إن مجموعة من الأدوار التي كانت حبيسة المجال الخاص أو أنها تتميز بنوع من اللامرئية، قد صارت مع العوالم الرقمية تتميز بالعمومية وبالإفصاح عن الحميمية التشاركية، وبالموازاة مع ذلك، فمساحات التشارك هذه تلبي حاجيات مختلفة قد تكون عاطفية أو قد تكون ربحية، تنتج آفاقا جديدة في سوق الشغل.

تغيرات في العلاقة الجندرية:

تقول هاجر لمفضلي: لا يمكن ربط حضور النساء في العوالم الرقمية بالتفاهةأو التحرر، بل بمجموعة من التغيرات الجديدة في العلاقات الجندرية. وبالموازاة مع ذلك، تتولد مجموعة من الأسئلة المرتبطة بواقع التفاعل اليومي عبر الدردشة أو التعاليق أو أوجه التعبير الأخرى، وبواقع التمييز الجندري والعنف الجنسي، عبر انتشار مجموعة من الصور النمطية أو التنمر الإلكتروني أو التحرش الجنسي..

About Post Author