سعاد ازعيتراوي : أحب كل كلاب الشارع وكل قططه ، وأكلهم لا يفارق سيارتي..
مغربيات
مدهش أن تربط تلك العلاقة الغريبة مع صوت دافئ وهو ينفلت من بين دفات لغة أنيقة قبل أن يكشف لك صاحب أو صاحبة الصوت عن ملامحه و وجهه. هذا ما وقع بالفعل مع سعاد ازعيتراوي الصحافية بالقناة الثانية، التي اقتحمت قلوب المشاهدين بربورتاجاتها المتميزة التي كانت تبث في نشرات الأخبار، تلتها بعد ذلك بورتريهات جميلة بفقرة “ضيف الأحد” التي أبانت عن وفاء كبير لوجوه بصمت حياتنا الثقافية و الفنية و طواها النسيان قبل أن تحررها ازعيتراوي من قبضته بتمكن و احترافية عالية..
“مغربيات” تواصلت مع سعاد ازعيتراوي للحديث عن تجربتها الصحفية بالقناة الثانية و عن علاقتها بمهنة المتاعب و صداقتها للكلاب و القطط..
مغربيات : أنت واحدة من الصحافيين بالقناة الثانية التي كان اسمها يتردد كثيرا في نشرات الأخبار من خلال إنجاز تقارير و ربورتاجات جميلة بصوت دافئ ولغة أنيقة، دون أن تظهري. لماذا تأخرت بالظهور على الشاشة؟
تأخرت بحكم اشتغالي في المكتبين الجهويين للقناة في فاس والرباط. والتجربتان أخذتا مني 13 سنة ! وطبيعة المواضيع التي كنت أنجزها لم تكن تتطلب مني الظهور، لكن كانت لي تجربة تقديم الفقرة الثقافية الأسبوعية في النشرة المسائية قبل سنوات عندما كنت أشتغل بمكتب فاس، وكنت أظهر في بعض التغطيات المباشرة. اليوم لدي فقرة أسبوعية هي “نبض المجتمع” أقوم بإعدادها وتقديمها كل ثلاثاء، وأظهر في البورتريهات التي أعدها لفقرة ضيف الأحد، فقد اخترت أن يصل للمشاهد ذاك القرب مع الضيف خلال التصوير.
سمعتك تقولين في أحد اللقاءات الصحفية إنك جئت للصحافة من باب الصدفة. حدثينا عن هذه التجربة..
نعم جئت لمهنة المتاعب صدفة !! دراستي للصحافة كانت عن طريق المراسلة لأني كنت أشتغل في التعليم، أُدرّس مادة اللغة العربية في السلك الثانوي الإعدادي، وكنت أكتب بعض المقالات والقصائد الشعرية بحكم اهتمامي بالأدب العربي فأنا خريجة كلية الٱداب بمكناس، والاهتمام بدأ مبكرا في بيت العائلة حيث المكتبة مليئة بالكتب الأدبية. كنت أكتب بعض المقالات، و قد عمل صديق للعائلة على نشرها في بعض الجرائد اليومية والأسبوعية، وهو من اقترح علي دراسة الاعلام حتى أغير البوصلة نهائيا، لبيت النداء طوعا، وهكذا بدأت الحكاية.. بعد سنتين من الدراسة، أذكر جيدا فترة التدريب التي قضيتها بالقناة الثانية حتى أدق تفاصيلها، سحرني الاشتغال بالأخبار. كان التدريب إما صباحا في نشرة الظهيرة أو زوالا في نشرة المسائية، لكني كثيرا ما كنت أظل طيلة اليوم مرابطة في قسم الأخبار لتحرير موضوع في الصباح وٱخر بالمساء. كنت أشتغل بحماس وحب كبيرين، خلال فترة التدريب كان لدي إصرار كبير للاشتغال في الصحافة، والحمد لله اجتهادي خلال تلك الفترة هو الذي أهلني بأن أكون ضمن الفريق الصحفي للقناة الثانية منذ عام 2005. اشتغلت لمدة سنة بقسم البرامج كمعدة لروبورطاجات برنامج يومي، وعندما فتحت القناة مكاتبها الجهوية، تقدمت بطلب الالتحاق بمكتب فاس، وهو ما رحبت به إدارة قسم الأخبار . مرحلة مكتب فاس كانت تجربة حقيقية أغنت مساري المهني والإنساني.
هل يمكن أن تحقق الصدفة كل هذا النجاح؟
الصدفة تمنحك الفرصة.. أما النجاح تصنعه أنت..أحب عملي، و أخلص له كثيرا، والحب يصنع أكثر وأكبر من النجاج.
المتتبع لبرامجك على القناة الثانية يلاحظ أن هناك وفاء كبير لوجوه مرت في مجالات متعددة من حياتنا، تحتفين بها و تخرجينها من غياهب النسيان. ما سبب هذا الاختبار/الوفاء؟
الوفاء جميل جدا و يسعد كثيرا، يسعدني جدا أن أكون سببا في سعادة الٱخرين.. هناك أسماء كبيرة في المجالين الفني والأدبي بالمغرب لم تأخذ حقها، الذي يناسب قيمتها الإبداعية والفكرية، في الإعلام. وأسماء أخرى كان نجمها ساطعا قبل عقود، لكن مع مرور السنين ورغم كبير الأثر الذي تركته، طالها النسيان؛ على سبيل المثال، أذكر جيدا عندما ذهبت إلى مراكش للقاء الشاعر الكبير كاتب الروائع المغربية عبد الرفيع جواهري لإنجاز بورتريه عن تجربته كيف كان سعيدا أثناء اللقاء وبعد بث البورتريه، وهذا يسعدني كثيرا. أيضا هناك اسم كبير جدا في مجال السيميائيات بالعالم العربي هو الدكتور سعيد بنكراد العالم المشغول بالدرس والكتابة والترجمة، الكثير منا لا يعرفه رغم أن تجربتة استثنائية وتستحق كل الاهتمام،كنت سعيدة باستضافته في فقرة ضيف الأحد، وإعداد بورتريه عنه. أسعد بالوفاء للأسماء الكبيرة التي طالها النسيان، وللأسماء التي تشتغل في صمت.
سعاد ازعيتراوي رفقة “عمي ادريس”
يقال إن العمل الصحفي جاحد، لأن الصحافي ما إن ينتهي من عمل حتى ينتقل لآخر دون الالتفات لما أنجزه سابقا، رغم المجهود الذي بذله في إنجازه، لكنه ينسى مباشرة به نشره أو عرضه، هل تتفقين مع هذا الرأي؟
ربما ما قلته يتناسب أكثر مع العمل الصحفي في قسم الأخبار تحديدا؛ تقارير يومية و ضغط يومي، لإعداد مادة إخبارية في دقيقتين، وقد تكون أقل أو أكثر بقليل، نفس الخبر عندما يصبح برنامجا وتعطى له مساحة زمنية كبيرة يبقى عالقا بالأذهان أكثر. لكن لن نغفل هنا دور روبورتاج إخباري وصداه الذي يكون في بعض الحالات مدويا ونتائجه تكون كبيرة جدا. أستحضر هنا أمثلة كثيرة عشتها شخصيا.
رغم اشتغالك في قضايا المجتمع إلا أن الملاحظ ميلك الكبير لما هو ثقافي؟ ما سبب هذا الحب للصحافة الفنية و الثقافية؟
اشتغلت في قضايا المجتمع طيلة تسع سنوات بالمكتب الجهوي للقناة بفاس، وتغطية فريق المكتب كانت تشمل جهة فاس بولمان وجهة مكناس تافيلالت. جهتان كبيرتان جغرافيا وغنيتان طبيعيا، وخصبتان من حيث الاشتغال الصحفي. كان يسكنني همّ كل مظلوم وكل من سلب منه حق، و أستطيع أن أقول لك أني فخورة بكوني كنت صوت من لا صوت لهم.. مجهودات استثنائية كان يقوم بها فريق مكتب القناة بفاس (عزيز أشيبان رحمة الله عليه، ونجيب الطاهري ورشيد الحمداني) وصدى صحافة القرب يصل إلى أبعد مدى. أذكر عندما انتقلت إلى مكتب الرباط جاءت سيدة من فاس تسأل عني من أجل إعداد موضوع اجتماعي يخصها هناك في فاس، جاءتني تقول الناس من أرشدوني إليك!! صدقيني، غالية جدا هي ثقة المواطن !!
اشتغالي على الصحافة الفنية والثقافية ظهر أكثر في مسيرتي بعد الالتحاق بمقر القناة، و الاشتغال بشكل أسبوعي على جنس البورتريه، ربما هي طريقة اشتغالي ونوعية الضيوف. هناك من يرى السر في طبيعة الأسلوب الذي أكتب به، أو لربما هي هذه الأشياء مجتمعة، أحب التقارير الفنية الثقافية لأنها تمنحني مجالا شاسعا للكتابة بأسلوب أدبي .
ماذا تعني لك مدينة الحاجب؟
مدينة الحاجب هي مسقط الرأس، هي الطفولة، هي الحي العسكري والجيران الطيبون بالحي الذين أصبحوا أسرة واحدة، هي مدرسة الحسن اليوسي وإعدادية ابن خلدون وثانوية ابن الخطيب ، هي الوديان والعيون المتدفقة فيها، هي الثلوج أواخر كل سنة، هي الهدوء والحنين وبيت العائلة، و أصدقاء الطفولة الذين مازال الاتصال قائما بهم إلى اليوم. هي التربة حيث يرقد جثمان الوالد رحمه الله. و“لا شيء يعلو على الحاجب!”.
ماهي الضريبة التي أديتها لكي تحققي هذه النجاحات؟
فاتورة الضرائب كانت رحيمة بي لم تكلفني غاليا، كنت أشتغل بصدق وبجد وبإيثار و هي قيم ربّانا عليها الوالدان ، ولكن تبقى طبعا وتيرة العمل بشكل يومي والغياب عن العائلة والضغط المرتبط بطبيعة العمل الصحفي عموما، ضرائب لابد من دفعها في مهنة المتاعب.
أكيد أن هناك العديد من الفقرات التي أحبها الجمهور مثل “ضيف الأحد”، لكن أكثر الفقرات التي ادخلتك قلوب المغاربة بصوتك الدافئ كانت فقرة “المدن” التي تحدثت بلسانها وقت الحجر الصحي ولاقت نجاحا مبهرا، حتى أن بعض الشباب حاكوا ما قمت به وتحدثوا بلسان مدنهم. حدثينا عن هذه التجربة..
وقت الحجر الصحي عاشت المدن كما عشنا جميعا حالة استثنائية ، فرغت المدينة من أهلها وزوارها وسياحها فرغت من روحها ، بقيت للصمت وللهجران ( هجران قسري طبعا فرضته حالة الطوارئ ) هذه الصورة التي أخذتها كاميرا “الدرون” من أعلى ومن كل الزوايا وفي كل الشوارع كانت تحمل رهبة. الحديث بلسان المدينة كانت فكرة مدير الأخبار الأستاذ حميد ساعدني، هي فكرة جميلة جدا وغير متداولة، البداية كانت مع الدار البيضاء ، تحدثت بلسانها وكأنها أم فُرغ بيتها من أبنائها، هجروها خوفا عليها من الأذى ، وقد اشتاقت لشغبهم وكلها أمل بأنهم سيعودون إليها بعدما تستعيد ملامحها . هاته النجوى وهذا الحب الذي عبرت عنه المدينة لأبنائها وصل صداه إلى قلب كل مغربي وكل بيضاوي تحديدا .. لقي الفيديو الذي كانت مدته ثلاث دقائق إقبالا كبيرا ، أذكر أنني تلقيت العشرات من المكالمات الهاتفية هناك من قال لي أنه بكى من شدة التأثر بنجوى البيضاء. بعد هذا النجاح كانت رغبة الإدارة أن نعطي الكلمة لمدن أخرى ، تحدثت بلسان مراكش والرباط وتطوان والعيون وفاس ، في كل مرة أريد فيها الحديث بلسان مدينة كنت أخشى من أن أقع في التكرار ، والحمد لله لم يحدث ذلك ، كل مدينة كانت لها بصمتها الخاصة ووقعها الخاص ، القاسم المشترك بين كل المدن كان هو الأمل في القادم وهو جرعة التفاؤل التي منحتها كل مدينة لأبنائها ، الحديث بلسان المدن كان فرصة لي بأن أكتب بالطريقة التي أحب ، الأسلوب الأدبي الشعري المثقل بالحنين والحب والأمل ، سعيدة بهذه التجربة.
معلوم أن لك علاقة مميزة بالحيوانات خاصة الكلاب و القطط ما سر حبك لها و ارتباطك بها؟
صحيح، لي حب جارف للكلاب وللقطط ، ليس هناك أي سبب فقط هي مخلوقات لطيفة جدا وتستحق كل الاهتمام واللطف، أحب كل كلاب الشارع وكل قططه ، وأكلهم لا يفارق سيارتي ، حتى إذا صادفت أي كلب أو قط يكون معي ما أسد به رمقه .
أيام الحجر الصحي عندما كانت الشوارع فارغة تماما ، وأنا في طريقي إلى العمل كنت أبحث عن كلاب الشوارع لأطعمهم ، صدقيني أرى في عينهم فرح و شكر وامتنان ، وفي الأمر غاية المتعة. لي علاقة خاصة مع كلبين التقيت بهما في الشاطئ قبل سنتين أواضب على زيارتهما وإطعامهما واللعب معهما ، بهذه المناسبة أحيي كل الجمعيات التي ترفق بالحيوانات وتعنى بهم ، وكل من يرأف بكلب أو قط ، و بجميع الحيوانات بصفة عامة.