سامية أحمد ل “مغربيات ” : أنا فنانة لا أشبه أحدا و التلحين حالة وجدانية فرضتها الجائحة

هي فنانة لا تشبه أحدا و لا يشبهها أحد. منذ البداية قررت أن تكون صوتا نشازا داخل المبتذل و السائد، لكنها صوت حساس و دافئ استطاع أن يشق طريقه بإصرار و تأن دونما حاجة للتسابق المحموم نحو الشهرة الزائفة. صوت منسجم مع قناعاته و اختياراته التي لا محيد عنها. لا ترضى سامية أحمد إلا بالكلمة الهادفة و اللحن الجيد، وهو ما جعلها تسير بخطى حثيثة نحو التربع على قلب عشاق الفن الراقي الجميل..
مغربيات التقت بالفنانة سامية أحمد للحديث عن اختياراتها الفنية و تجربتها في التلحين و جديدها الفني..

مغربيات : خُضتِ مؤخرا تجربة التلحين، حيث لحنت قصيدة للشيخ محيي الدين بن عربي وغيره، هل هذا يعني أنك لم تعودي تثقين في الملحنين، أم أن الأمر يتعلق برغبة دفينة في خوض مغامرة التلحين؟

أبدا مسألة عدم الثقة في الملحنين غير واردة بتاتا، بالعكس أعرف جيدا أن هناك ملحنين أكفاء و أكاديميين لهم خبرة كبيرة في مجال التلحين، غير أنني دخلت في هذه التجربة للتعبير عن مجموعة من المشاعر التي خبرتها طيلة فترة الحجر الصحي، و أردت اقتسامها مع الجمهور. هي مشاعر من الحنين و الغضب و الفرح و الانتصار و الألم، خاصة مع وفاة شقيقي الذي خلف حزنا عميقا في نفسي، فكان لا بد أن أعبر عن كل تلك المشاعر بطريقة ما، لم أخترها لأجد نفسي، مع كل الرصيد الذي راكمته طيلة سنوات من سماع المقامات الموسيقية، أعبر عنه عن طريق التلحين، الذي جاء نتيجة كل ما كان يعتمل في داخلي من مشاعر مختلطة و متناقضة أحيانا، وجدت أن الصيغة الأكثر صدقا للتعبير عنها هي تجربة التلحين، لكن ذلك لا يمنع من أنني أحترم الملحنين و أعرف أنهم أكثر تجربة و أوسع خبرة مني في هذا المجال، كما أن ذلك قد تم عن طريق التشاور مع بعضهم و الأخذ بآرائهم في أوقات كثيرة.

هل تركزين على الموضوع أكثر من اللحن أم أن كلاهما مهم بالنسبة لك؟

أظن أنه لا الموضوع و لا اللحن كلاهما مهم بالنسبة لي، ويمكن إضافة التوزيع الموسيقي أيضا، كلها أمور أحاول جاهدة أن أعطي لكل منها حقه، حتى أخلق منها تلك التوليفة المنسجمة بين النغمة و الكلمة. و الحقيقة أنني أولي الكلمة اهتماما كبيرا لأنني اعتبرها العمود الفقري للأغنية، لأنها إذا لم تلامس وجداني و أشعر أنها منسجمة مع قناعاتي لا يمكنني أن أرددها، بالإضافة إلى التوزيع الموسيقي، الذي يعد بالغ الأهمية لأن بدونه لا يمكن أن تنجح الأغنية.

ماذا يعني الانتشار بالنسبة لك. هل يمكن أن يضحي الفنان باختياراته ارضاءا للجمهور او كما يقول اخواننا المصريون “الجمهور عاوز كده”؟

بالنسبة لي أرى أن ذلك مرتبط بما ينتظره الفنان من امتهانه للفن، هناك فنانون همهم الوحيد هو جمع المال ، و هناك آخرون طموحهم لا يتعدى تسليط الضوء عليهم و تحقيق الشهرة فقط، ثم هناك نوع يسعى دائما لكسب فئات عريضة من الجمهور بأغاني رديئة، وهناك فئة أخرى و أنا أعتبر نفسي انتمي لهذه الأخيرة، وهو التأني في الاختيارات الغنائية مهما كانت التكلفة. أفضل أن يكون لي جمهور محدود و نوعي على أن يكون لي جمهور عريض باختيارات فنية لست راضية عنها، و ما أعتبره أساسيا بالنسبة لي هو أن كل من سمعني سواء عبر المحطات الإذاعية أو المنصات الرقمية إلا ويتعرف على صوتي و هويتي الموسيقية. لا أحب أن أشبه أحدا و لا أرغب في أن يشبهني أحد. لا يمكن أن نظلم الجمهور، بالعكس أدرك تماما أن هناك جمهور راق يتوق للكلمة الهادفة و اللحن الجميل، فقط كما قلت سابقا الإعلام من شدة تركيزه على الأغاني الرديئة، اعتقد الجمهور أن هذا النوع السائد الذائع الإنتشار هو الفن.

هل حقا يحتاج الفنان الى فريق قوي من ملحنين وكتاب كلمات و موزعين حتى ينجح، أم أنه يستطيع أن يتدبر أمره لوحده؟

بدون شك طبعا. لكي ينجح الفنان يحتاج لفريق عمل قوي من ملحنين وكتاب كلمات. قد يتغير الموزعون حسب كل عمل، لكن ما هو أساسي
هو وجود فريق عمل قوي قادر على الترويج للعمل بشكل فعال يضمن انتشار الفنان و وصوله للجمهور. طبعا الفنان لا يمكنه أن يشتغل لوحده، كما أنه، أتحدث هنا عن المغني، مطالب بإيصال رسالة الشاعر و كاتب الكلمات و الملحن، باعتباره هو حامل لمشروع فني يتطلب مجهودا متكاملا لفريق عمل قوي و منسجم، دون إغفال طبعا عملية الترويج للعمل التي تحتاج هي كذلك لأشخاص محترفين من ذوي الخبرة في هذا المجال

الملاحظ أن العديد من الفنانين الشباب المغاربة اليوم يحققون نجاحات و انتشارا بكلمات أغاني ضعيفة الجودة (من الناحية الشعرية). كيف تفسرين هذا الأمر؟

في الحقيقة فقد قلتها في أكثر من مناسبة ، أظن أن السبب الرئيسي في تحقيق هذا الانتشار في صفوف هؤلاء الشباب هو الإعلام الذي يركز على هذا النوع من الأغاني التي فيها ابتذال و إسفاف وكلمات ساقطة . مع الأسف فإن الإعلام بالترويج لهم بالشكل الموجود يزيدهم انتشارا و مصداقية، مما يجعل الجمهور يعتقد أن هذا النوع من الفن هو الموجود و لا وجود لغيره للأسف.

خلال الآونة الأخيرة أصبحت بعض اغانيك تحمل نفحة صوفية. ما سبب هذا الاختيار؟

صحيح أنني في الآونة الأخيرة أصبحت أستحضر بعض الأغاني الصوفية التي يمكن تفسيرها على أنها حالة وجدانية تنتابني من حين لآخر وقد تحققت عن طريق الغناء لأنه مجالي, لكني أؤكد أنني منذ صغري و أنا صوفية النزعة، رغم كوني لم أكن أدرك تماما المعاني و القيم الجميلة التي تحملها هذه الفلسفة الروحانية التي تجعلك تكتشف العالم من خلال ذاتك و تنصهر مع هذا الكون لتشكل معه وحدة منسجمة و متكاملة. الآن فقط أدركت أن هذه النزعة متأصلة و متجدرة في وجداني منذ زمن بعيد، ما كان ينقصني فقط هو تصنيفها وتسميتها. كنت دائما أغيب ذاتي و أطرح هذه الأسئلة الوجودية باستمرار. هو سفر إلى الذات و الغوص فيها و التأمل في هذا الكون الشاسع من حولنا.

هل يمكن المراهنة على هذا النوع من الأغاني؟ الا تعتبرين ذلك مجازفة برصيد تحقق مع البومك الأول مع الراحل سعيد الشرايبي؟

لا أرى هنا أن الأمر يتعلق بالمراهنة، بقدر ما أرى أنه اختيار فقط. هي اختيارات الفنان التي تنسجم غالبا مع قناعته و ذوقه وما تشبع به طيلة مسيرته الفنية لكي يتشكل وجدانه الفني. إضافة إلى ذلك أنا أومن بأن الفنان ينبغي أن يؤدي كل الألوان و القوالب الفنية، و ألا ينحصر في نمط و قالب غنائي واحد ، وهذا هو الرهان الحقيقي، لأن الفنان غير القادر على الابتكار و التجدد الدائم سينتهي به المطاف إلى التلاشي و النسيان. أحب دائما أن أكون منفتحة على كل الأنماط الغنائية ليس الصوفية فقط، أحب أن أترنح لقوالب غنائية عالمية و إنسانية تلامس كل الثقافات .

نعيش إفلاسا، إن جاز القول، على جميع الأصعدة بما فيها المجال الفني. لم ترجعين ذلك؟

أكيد عندما نتحدث عن الإفلاس الثقافي بشكل عام، فطبيعي أن المجال الفني هو الذي يعكس ما نراه اليوم في الواقع من تردي و تراجع، لأن الفن هو مرآة المجتمع ، و بالتالي شيء طبيعي أن يكون الفنان من يدفع الثمن ، لأن ذلك ينعكس بشكل جلي على الفن. فإذا نظرنا مثلا لما نسميه اليوم بالزمن الجميل ، علما أنني لا أحب هذا التوصيف، فالملاحظ أن الناس بالرغم من كونهم كانوا أميين إلا أنهم كانوا يتغنون بأشعار عمر الخيام مثلا وغيره من شعراء آخرين، رغم صعوبة اللغة إلا أن ذلك لم يثنهم عن تذوق الشعر و الاستمتاع بالغناء الجيد. أرى أن تبرير الرداءة بإرجاعها لفكرة “الجمهور عاوز كده” غير صحيحة لأن الجمهور يستقبل بالترحاب الأغاني الجيدة، ويظل يتغنى بها على مر السنوات، و الدليل أن هناك أغاني مات أصحابها منذ زمن بعيد لكنها لا زالت راسخة في وجدان الجماهير.

ما هو جديد الفنانة سامية أحمد الفني؟

هناك عدة مشاريع فنية من بينها أغنية أشتغل عليها رفقة زوجي، بالإضافة إلى أنه بعد التجربة الأخيرة لي في أغنية “مانادماش عليك”، مع الشاعر الكبير محمد الباتولي و  الأستاذ و الملحن الكبير محمد الزيات و الموزع الفنان فؤاد خودري، أخوض تجربة ثانية مع نفس الشاعر و نفس الملحن سترى النور خلال الأيام القادمة إن شاء الله. ثم هناك مشاريع أخرى مؤجلة إلى حين إيجاد إنتاج جيد.

About Post Author