سارة اكشريد.. “شهرزاد” الحكاية التي برعت في سردها باللغة الإنجليزية

مغربيات

الصدفة قادتها لاكتشاف سحر الحكاية و لعبة السرد الممتعة. بمقهى ثقافي بالمدينة العتيقة بمراكش ستلتقي سارة اكشريد المعلم أحمد الزرغني أحد الحكواتيين الذي تتلمذت على يديه، و أصبحت تترجم كل حكاية تحفظها عنه إلى اللغة الإنجليزية، لتسردها باللغتين العربية و الإنجليزية، و تلتحق بعد ذلك بمدرسة فن الحكاية التي تحتضنها جمعية مُنْية لإحياء تراث المغرب و صيانتهبمراكش.

مغربيات التقت سارة اكشريد على هامش مهرجان مراكش الدولي لفن الحكاية، الذي تنظمه جمعية اتحاد الحكواتيين للإبداع الثقافي و فن الحكاية بشراكة مع رياض الفراشة، و الذي يستمر إلى غاية 20 فبراير الجاري، وسألتها عن فن الحكاية و عن اقتحامها لهذا العالم المدهش و الساحر..

مغربيات : متى بدأ اهتمامك بالحكاية؟

في الواقع الصدفة هي من قادتني نحو الحكاية. في سنة 2014 تعرفت على المعلم أحمد الزرغني بأحد المقاهي الثقافية بالمدينة عن طريق أحد الأصدقاء بالكلية حيث كنت أتابع دراستي في شعبة االأدب الإنجليزي. سمعت المعلم الزرغني يسرد حكاية بعنوان قلة النية و النية، ذكرتني بجدتي رحمها الله. كانت هذه الجدة تزورنا بمكان إقامة الأسرة بالإمارات (أبو ظبي)، حيث كان والداي يعملان هناك لسنوات قبل أن نعود لأرض الوطن سنة 2012. لطالما شعرت بأن الحكايات التي كنت أستمتع بها على لسان جدتي هي الرابط الوحيد الذي كان يصلني بثقافتي المغربية. ذكرني المعلم الزرغني وهو يجمعنا، أنا و بعض عشاق الحكاية، حوله لسرد حكاياته بالجلسات التي كنا نستمتع بها أنا و شقيقي بصحبة جدتي. قبل فترة خانته الصحة و لم يعد قادرا على تلقيننا فن الحكي، ليأخذ مكانه المعلمعبد الرحيم الأزلية، و الذي تعرفتعن طريقه على جعفر الكنسوسي رئيس جمعية منية لإحياء تراث المغرب و صيانته، وهو واحد من المنشغلين و الغيورين على الشأن الثقافي بالمدينة، و بعد مناقشات مستفيضة حول مآل الحكاية و الحكواتيين الذين ضاقت بهم ساحة جامع الفنا، جاءت فكرة إنشاء مدرسة لتلقين فن الحكاية. و بالفعل تم إنشاء مدرسة فن الحكاية التي احتضنتها جمعية مُنْية لإحياء تراث المغرب و صيانته، ومن هنا تشكلت علاقتي بفن الحكاية، و بدأت أتلقى تدريبات و دروس من حكواتيي ساحة جامع الفنا كالمعلم عبد الرحيم الأزلية و محمد باريز وغيرهم من رواد فن الحكاية.

للعودة إلى البدايات وتحديدا مع المعلم أحمد الزرغني، هلا حدثتنا عن الإطار الذي جمعك به قبل التحاقك بمدرسة فن الحكاية؟

كنت أتردد على أحد المقاهي الثقافية وهو مقهى كلوك أو الساعة، و كان المعلم الزرغني يقدم عروضه بهذا الفضاء، و من هناك توطدت علاقتي به و أصبحت أحفظ عنه القصص و أسردها بدوري كل يوم إثنين و خميس، كما أقوم بترجمتها إلى اللغة الإنجليزية. بعد ذلك كانت لنا فرصة المشاركة في مهرجان الحكاية بمدينة الرباط.

سارة اكشريد أثناء أحد لعروض

كيف جاءتك فكرة ترجمة الحكايات المغربية إلى اللغة الإنجليزية؟

الفكرة ليست جديدة، بل إن طلاب الأدب الإنجليزي الذين كانوا يترددون على المقهى كانوا سباقين لترجمة الحكايات الشعبية. عندما لاحظ صاحب مقهى كلوك أن هذه الحكايات تلقى إعجابا ولها جمهور واسع، ارتأى أن يجعل شريحة أوسع تستمع لهذه الحكايات بحكم أن من بين مرتادي المقهى هناك أجانب أنجلوسكسونيين، و من هنا جاءت فكرة الترجمة إلى اللغة الإنجليزية، وكذلك كان. تم اختيار أشخاص مؤهلين للقيام بهذه العملية و كنت واحدة من المرشحين لها. صحيح أن العملية لم تكن سهلة بالمرة، حيث يصعب أحيانا ترجمة القوافي و بعض العبارات التي لا توجد في اللغة الأجنبية، وهنا توصلنا إلى أن ننطقها كما هي لكن مع إضافة بعض الشروحات للعبارة أو الاسم حتى يفهم غير الناطقين باللغة العربية المقصود منها. إذن من هنا جاءت فكرة تطوير هذا المشروع للحفاظ على تراث شفاهي مهدد بالاندثار، و نحن مسؤولون على صيانته و الحفاظ عليه. هناك حكايات تتحدث عن تاريخ صومعة الكتبية، و حكاية عن الكراب” (أي السقاء)، وهناك حكاية عن الحمام الشعبي.. إلخ أظن أن مجرد الاستماع لهذه الحكايات من قبل السائح الأجنبي يقربه أكثر من ثقافتنا و تراثنا اللذين جاء خصيصا للتعرف عليهما.

ماهي الصعوبات التي واجهتك في ترجمة الحكايات؟

من بين الصعوبات هناك ترجمة القوافي و الاستعارات، لغتنا غنية بقوافيها و بالتالي يصعب أحيانا ترجمتها إلى لغة أجنبية. كذلك هناك بعض المصطلحات التي لا وجود لها في اللغة الأخرى، مثل القايدأو الكلسة بالنسبة للحمام الشعبي وغيرها من المصطلحات، التي نجد أنفسنا مجبرين على نطقها كما هي مع تقديم شروحات (ما يقوم به القايد مثلا من مهام) حتى يفهم الأجنبي المقصود بها، كذلك هناك الاستعارات، كأن يتحدث الراوي عن محاسن القمر و هو في الحقيقة يقصد فتاة جميلة..

بعد كل هذه السنوات التي أمضيتها في حفظ و سرد الحكايات، ماهو رصيدك اليوم منها؟

أظن أنني أحفظ ما يناهز 150 حكاية تقريبا. هناك حكايات سمعتها مرة واحدة فقط، أحتاج فقط لكي يحكيها أحدهم أمامي مرة أخرى، حتى أتذكرها وأسردها من بعده. منذ سبع سنوات و أنا أقص الحكايات وهو ما منحني هذا الرصيد.

هل سبق لك أن شاركت بعروض في مهرجانات أخرى؟

نعم شاركت في المهرجان الدولي للحكاية الذي ينظم سنويا بالرباط، وكذلك مهرجان فاس للحكاية، وهناك مهرجان سنوي ينظم بمدينة الداخلة سأشارك فيه إن شاء الله قريبا.

كيف ترين اليوم مستقبل التراث الشفاهي في ظل هذه العولمة و اكتساح الإنترنت لحياتنا؟ هل تعتقدين أن التكنولوجيا ستخدم الحكاية أم أن هذه الأخيرة ستختفي مع مرور الوقت؟

أظن أن التكنولوجيا الحديثة يمكنها أن تساهم في انتشار الحكاية و التعريف بالثقافة الشفاهية إذا ما توفرت الإرادة لذلك من قبل المشرفين على قطاع الثقافة. الآن أصبح هناك ما يعرف بالجمهور الافتراضي، حيث توجد منصات رقمية تمكن الفنان الحكواتي من تقديم عرضه أمام جمهور افتراضي. هذا الأخير يقوم باقتناء التذاكر و يُمنح رابطا لدخول المنصة و مشاهدة العرض. إذن يمكن للإنترنت أن تخدم الثقافة، أكيد. أما عن مستقبل فن الحكاية و السرد عموما، فنحن في حاجة لأن نجعل منه مادة تُدرس ضمن مناهج التعليم، لأن ممارسة هذا الفن تعلم الشخص كيف يرتب أفكاره و كيف يعبر عنها بطريقة واضحة و مفهومة و مشوقة كذلك. في المواد التعليمية هناك مادة تدرس في الجامعات تسمى فن الخطابة، لِمَ لا تكون مادة كذلك لفن الحكاية. هي مهارة ينبغي أن يتعلمها المتلقي لأنها ستفتح أمامه الكثير من ألآفاق.

ماهي الخصائص التي ينبغي أن تتوفر في الشخص الذي يطمح لأن يصبح حكواتيا؟

كل إنسان يمكنه أن يكون حكواتيا لمجرد أن يحكي قصة، فقط ما يميز الحكواتيين عن بعضهم البعض هو طريقة السرد نفسها التي تختلف من شخص إلى آخر. ليس كل شخص له هذه القدرة على التصوير و البلاغة و الاستعارة و التعبير الجسدي و التحرك فوق منصة العرض و الصوت و تغيير نبرته في كل مرة حسب الوضعيات. كذلك قوة الشخصية التي تمنح الراوي تلك الكاريزما، بعيدا عن الخجل، و القدرة على الإقناع بما يسرده.. كلها خصائص ينبغي أن تتوفر لدى السارد الجيد حتى يشد إليه أنظار الحاضرين لكي لا يملوا مما يسمعون، بل و يضمن أنه كلما سرد عليهم قصته إلا و زادهم شوقا، لسماع المزيد، ثم لا ننسى أهم شيء وهو القدرة على الحفظ وتخزين القصص.

هل بإمكانك أن تقدمي عرضا وسط ساحة جامع الفنا؟

هذا السؤال سأترك الإجابة عنه إلى حين تقديم عرضي وسط ساحة جامع الفنا في إطار مهرجان مراكش للحكاية الذي ينظم هذه الأيام وسيستمر إلى غاية 20 فبراير الجاري.

About Post Author