زواج “الكونترا” ظاهرة مقلقة و اتجار بالبشر
مغربيات
تنتشر ظاهرة زواج “الكونترا” بكثرة بمنطقة قلعة السراغنة و الرحامنة، و قد أضحت ظاهرة مقلقة لعدد من النشيطات و الفاعلات الحقوقيات اللواتي يعتبرنها اتجارا بالبشر و ليست زواجا.
تعتبِر العديد من الفعاليات النسائية التي تنشط بمناطق الرحامنة و قلعة السراغنة و ضواحيها، أن ظاهرة “زواج الكونترا” تنتشر في أوساط العديد من الأسر الذين يبرمون عقود سلف تتم بين الزوج المفترض و والد الفتاة القاصر التي يراد تزويجها، و هي زيجات تتم بدون إبرام عقود زواج أو الحصول على إذن قاضي الأسرة، بحكم أن الفتاة التي يراد تزويجها قاصر دون السن القانوني للزواج المحدد في 18 سنة.
تقول رئيسة جمعية “شروق” لإدماج النساء في وضعية صعبة بمنطقة الرحامنة و المحامية بهيئة مراكش خديجة الإدريسي، إن هذا النوع من الزيجات و الذي يصطلح عليه بزواج “الكونترا” يدخل في خانة الزواج بالفاتحة لأنه يكون غير موثق.
و أضافت أن “الكونترا” تعني إبرام عقد سلف يتم من خلاله تحديد مبلغ مالي يكون دينا على الزوج المفترض لضمان إتمام إجراءات الزواج عندما تبلغ الفتاة السن القانوني لذلك و المحدد في 18 سنة، أما في حالة عدم إتمام الإجراءات فإن والد الفتاة يكون مضطرا للمطالبة بمبلغ العقد المتفق عليه سلفا، و إذا امتنع الزوج عن الأداء فإن الأب يسلك المساطر القانونية للمطالبة بالمستحقات المدونة في العقد، وقد تفضي إلى المتابعة القانونية بحقه أو بحق الطرفين معا.
واعتبرت الناشطة الحقوقية أن هذا الزواج هو عبارة عن اتجار بالبشر، لافتة إلى أنه لا الزوج و لا الأب ينبغي متابعتهما بالفصل 103ـ13 الخاص بمناهضة العنف ضد النساء، و كذلك بتهمة الاتجار بالبشر، لكونه يعتبر تحايلا على القانون، حيث يتعذر على المعنيين الحصول على إذن قاضي الأسرة بتزويج الفتاة القاصر، فيلجأ الأهل لهذه الوسيلة.
و ذكرت أن خطورة هذا الزواج تكمن في أنه حتى في حال سدد الزوج المبلغ الذي في ذمته لأب الفتاة، فإن هذه الأخيرة تجد نفسها في وضعية صعبة، لأنها تكون لا هي متزوجة و لا هي مطلقة، و أحيانا يكون هناك أبناء يصبحون بدون نسب.
و أكدت أن زواج “الكونترا” الذي ينتشر في هذه المنطقة يستهدف الفئة التي تعاني من الهشاشة، حيث يتوجه الراغبون في الزواج إلى أسر معوزة مستغلين حاجتهم للمال من أجل الزواج من فتيات في عمر بناتهم أحيانا و بدون إبرام عقود زواج.
و عن الحالات التي تفد على مركز الإيواء التابع للجمعية، استحضرت بعض الحالات التي كانت ضحاياها فتيات قاصرات تم تزويجهن ب”الكونترا”، و التي استدعت توجيه دعوة للأزواج من أجل إبرام عقود الزواج، أو إبلاغ النيابة العامة المختصة، و هو ما تم بالفعل، لافتة إلى أن أحد الأزواج أبرم العقد خوفا من تبعات الملف، قبل أن يطلق الفتاة الضحية في غضون ثلاثةأايام فقط من توثيق الزواج، فيما حالة أخرى تم فيها إثبات نسب الطفل لأبيه دون إبرام عقد الزواج.
وعن الفئة التي تلجأ لهذا النوع من الزواج أكدت أنه يوجد في أوساط المهاجرين بمنطقة قلعة السراغنة، بحكم أنهم يحلون لفترة محددة بمنطقتهم، و نظرا لضيق الوقت وعدم تمكنهم من استكمال مراحل طلبات الحصول على الإذن بالزواج من القاضي، يضطرون إلى اللجوء لهذا النوع من الزيجات، و بعد رجوعهم إلى بلد الهجرة يتركون الزوجات معلقات في كنف عائلاتهم، دون أن يتمكنوا من إبرام العقود.
وذكرت أن هناك صعوبة في متابعة الآباء و الأزواج على حد سواء، لأن حتى العقد إن وجد بين الطرفين (عقد السلف) فإنه من الصعب إثبات أنه تم في إطار زواج الإبنة، حيث غالبا ما يدعي الأب أن هذا العقد، إن وجد، فهو يدخل في إطار تعاملات مالية تمت بين الطرفين و لا علاقة لها بالزواج الذي تم بين ابنته و الطرف الآخر.
وحذرت من خطورة هذه الظاهرة التي تنخر المنطقة و تتسبب في تزايد عدد الفتيات ضحايا هذه الزيجات التي تحرمهن من حقوقهن الأساسية، حيث يصبحن أمهات عازبات، لا هن متزوجات و لا هن مطلقات.
و شددت على أهمية التحسيس و التوعية في أوساط الأسر و حثت على ضرورة إجبارية التعليم لكونه الوسيلة الوحيدة التي تضمن حياة كريمة لهؤلاء الفتيات و تحميهن من أن يصبحن أمهات وهن لم يبلغن بعد سن 18 سنة، حيث أغلبهن يرفضن متابعة من تسببوا في مآسيهن، خاصة عندما يعلمن أن الأب كذلك يمكن أن يسجن بسبب إبرام ما يسمى بعقد “زواج الكونترا”، فيفضلن التناول عن كافة الحقوق بدل سلك مسطرة المتابعة.
بدورها أكدت المساعدة الاجتماعية بالمركز متعدد الاختصاصات بجمعية الترابط الثقافي و الاجتماعي بمنطقة قلعة السراغنة عزيزة أن الظاهرة تنتشر بكثرة في العالم القروي (أولاد سعيد، الوناسة، سيدي الحطاب، أولاد يعقوب..)، بحكم وجود فئات اجتماعية عريضة تعاني من الهشاشة و الفقر، حيث الخاطب يبرم عقد سلف مع أب الفتاة القاصر بمبالغ تتراوح ما بين 40 و 100 ألف درهم، و يلتزم بإبرام عقد الزواج عندما تكمل الفتاة 18 سنة، و في حال امتنع عن إبرام العقد يطون مطالبا بتسديد المبلغ لوالد الفتاة، ضاربا بعرض الحائط ما يترتب عن هذه الوضعية من نتائج وخيمة على الفتاة و الأبناء إن وجدوا.
و عن أسباب الظاهرة أشارت إلى أن الفتيات اللواتي انقطعن عن الدراسة في مرحلة مبكرة يصبحن عرضة لهذا النوع من الزيجات، حيث يقرر الأب تزويج ابنته رغم عدم بلوغها السن القانوني، و أمام تعذر إبرام عقد الزواج و الحصول على إذن القاضي بتزويدها، يتم اللجوء لزواج “الكونترا” كنوع من الضمانة لحق ابنته في توثيق زواجها فيما بعد.
و لفتت إلى أنه في أحيان كثيرة يمل الزوج من الفتاة أو يغير رأيه بالاستمرار في هذه العلاقة، فيكون مضطرا لتسديد المبلغ الذي في ذمته للأب الذي يمزق العقد المبرم بينهما، و يستقبل ابنته التي تأتي لاهي متزوجة و لا مطلقة، مكتفيا بالحصول على مبلغ مالي بسيط دون الاكتراث بمصير ابنته التي تهدر حقوقها.
و أكدت أنه نادرا ما يلتزم الأزواج باستكمال ملف الزواج، لأن أغلب الحالات التي تفد على الجمعية تكون فيها الفتيات ضحايا لزواج لم يوثق، و أحيانا مصحوبات بأبناء بدون نسب، وهو ما يجعل الأب يطالب بالمبلغ الموثق في حق السلف “الكونترا”، حيث يتم اللجوء للقضاء و المطالبة به.
واستحضرت بعض الحالات التي صدرت بشأنها أحكام قضائية وصلت إلى خمس سنوات سجنا بحق كل من الأب و الزوج، بمحكمة قلعة السراغنة بعد أن كشف أمر العقد بينهما و ما يضمره من مشروع تزويج فاشل.
و دعت إلى تشديد العقوبات الزجرية بحق كل من يلجأ لهذا النوع من الزواج، للحد من هذه الظاهرة، لافتة إلى أن المقاربة القانونية لا تكفي في غياب التوعية و التحسيس في أوساط الأسر.
كما طالبت بإجراء البحوث الاجتماعية المطلوبة و إجراء الخبرات الطبية قبل منح الإذن بالزواج، لأن ذلك من شأنه أن يمنح فرصة التأكد من أن الفتاة قادرة جسمانيا و نفسيا على تحمل أعباء الزواج.