زهور معناني : استرددت روحي و أنا أعانق الفرشاة
لم تخلف موعدها مع الفرشاة. كان لا بد أن يمر زمن و هي تئن تحت سياط الحرمان من الصباغة، لتدرك أن قدرها لن يكون إلا وسط الألوان و اللوحات، و تصبح بذلك واحدة من الأسماء المغربية اللامعة في عالم التشكيل. هي زهور معناني، ابنة دكالة، التي أضحت لوحاتها تنطق جمالا و إبداعا. “مغربيات” تقربت من هذه الفنانة للحديث عن محنتها و تجربتها في عالم التشكيل و الصباغة..
بطموح جارف لا تعرف زهور معناني أين يقدوها، أسلمت أناملها لجنون الفرشاة لتخط أجمل اللوحات و أبدعها. بِتيمات مختلفة تنهل من المعاني السامية للإنسانية، لا تنبع إلا عن فنانة موهبتها نهر وارف لا ينضب و بلا حدود، تشكل زهور عالمها الإبداعي . تقول : طموحي لا حدود له وجنوني الفني لا أعرف بالضبط أين يقودني، يجبرني على الإستسلام له و أترك له حرية أن يخط ما يشاء دون رقابة.
بدايتها لم تكن سهلة أبدا، فقد عانت لسنوات طوال مما تسميه بالاغتراب الفني. تقول : حاولت أن أجد لنفسي مكانا ما في شتى المجالات، جربت التدريس ومكثت فيه يوما واحدا ثم قررت ألا أعود إليه مهما حصل. ثم عشت ربة بيت لسنوات و ربيت طفلين، ورغم استقراري الأسري، كنت أشعر بفراغ في داخلي. لم أعرف طعم السعادة إلا بعد أن أمسكت بالفرشاة بين يدي و أطلقت العنان لخيالي يخط ما يشاء.
بعيدا عن الألوان
منذ البداية كانت زهور تعرف أنها ليست ولن تكون إلا فنانة، لكن و لظروف عائلية اضطرت للتخلي عن حلمها بأن تصبح رسامة، و تركب القطار الخطأ الذي أوصلها للمحطة الخطأ، لتخلف موعدها مع جنتها المفقودة. تقول لم أفكر يوما بأن أدرِس الأدب العربي بالجامعة، فعلت إرضاءا لوالدي اللذين أرادا إبعادي عن الرسم، لكني ادركت بعد ذلك أن من يتخلى عن حلمه لابد أن يدفع الثمن غاليا. حاولت أن أجد لنفسي مكانا ما، لكن العالم ما لبث يضيق من حولي حتى كدت أختنق، إلى أن جاء اليوم الذي استرددت فيه روحي التي ضاعت مني لسنوات، بينما أحاول أن أجد لنفسي موطئ قدم، كنت أزداد ضياعا و تيها كأنني في صحراء بدون بوصلة.
عشت تناقضا صارخا، فمن جهة بت أحقد على عالم الصباغة التي لم أعد أطيق رائحتها، و من جهة أخرى تنتابني حالات من الحنين لها. كانت مشاعري متضاربة، وكنت كلما تعرضت لتلك الرائحة أشعر بخفقان و ارتعاشة في مفاصلي، لم يكن بمقدوري إيجاد تفسير لحالتي، وكأن ذلك يزيدني ضياعا، وقلت مرات لنفسي “لن يكون بمقدوري استرداد ما ضاع مني..”
موعد مع الفرشاة
في بيت أحد الأصدقاء الذي اعتادت زهور أن تزوره رفقة زوجها، و قد كان بدوره رساما، ببيته توجد ورشة للرسم، حرص صاحبها على أن يتركها مغلقة حتى لا يثير مواجع زهور وقد كان يدرك جرحها الذي لازال ينزف. لكن بالصدفة ستجد زهور نفسها داخل الورشة وسط الألوان لتصاب بحالة انهيار تام، وتضع حدا بعد ذلك لمعاناة استمرت لسنوات طويلة.
عرفت زهور فيما بعد أن صديق العائلة تعمد ترك الورشة مفتوحة ليخلق نوعا من الصدمة النفسية لديها و يرتب لها موعدا مع فردوسها المفقود، أو مع الذي تسبب في مرضها العضال، هذا المرض الذي ستشفى منه زهور منذ تلك اللحظة و إلى الأبد.
نجاحات و تكريمات
منذ تلك الليلة، ستعانق زهور عالما آخر تسترد فيه ما ضاع منها لسنوات. تقول : لم أنم تلك الليلة، و بعد عودتي من بيت صديقنا الذي أعطاني عددا من الفرش و صباغة، قضيت الليلة كلها و أنا أرسم، و أحاول أن أسترد روحي التي ضاعت في غفلة مني. سنوات و أنا تائهة عن نفسي ونفسي تائهة عني، حتى تعانقنا تلك الليلة و تواعدنا على أن يجمعنا حلم قديم و أن يربط بيننا بشكل دائم.
وجدت زهور كل الدعم و التشجيع من زوجها و عائلتها التي خبرت جيدا معاناتها مع ضياع حلمها بأن تصبح رسامة. ومنذ ذلك الحين قررت أن تعوض ما فاتها، و أن تتدارك حرمانها من الصباغة و الفرشاة لتعانقهما وتعض عليهما بالنواجد حتى لا يضيعا منها مرة أخرى.
هي اليوم واحدة من ألمع الأسماء في عالم التشكيل و سيرتها الذاتية مليئة بالنجاحات و التكريمات التي لم تأت اعتباطيا، بل هي نتيجة تحدي وصمود و طموح لا يتوقف.
مهما قلنا عن هذه الفنانة فإننا لا نستيطع أن نوفيها حقها و سنترك لوحاتها هي من يتحدث عنها وعن موهبتها المتفردة في عالم التشكيل. قالت زهور يوما وهي تتحدث عن الفنانة المميزة ابنة دكالة كذلك الشعبية طلال ” ما يميز هذه الفنانة هو أنها استطاعت أن ترسم العالم بروح طفلة، وهو شيء نادرا ما يقدر أن يصل له فنان”.
في روح زهور أيضا تلك الطفلة المشاكسة التي لا تلبث أن تتحدى نفسها وتهزم الإخفاقات وترى العالم بعينين لا يدركان إلا الجمال.
زهور معناني :
حاصلة على دكتوراه فخرية من أكاديمية الفنون و العلوم بالقاهرة.
حازت على ميدالية البرونز من أكاديمية الفنون و العلوم و الآداب بباريس.
منسقة معرض بيكاسو الدولي بمالقا بأسبانيا.
منسقة مهرجان سيوة الدولي بمصر (الذي سينظم ما بين 11 و 15 نونبر المقبل).
مديرة مهرجان ألوان دكالة الدولي بالمغرب.
رئيسة جمعية الزهور للفن و التراث.
مثلت المغرب في كل من فرنسا، إيطاليا، بلجيكا، هولندا، اسبانيا، تركيا، أمريكا، تونس ومصر.
أستاذة الفن التشكيلي.
نظمت عدة تظاهرات بالمغرب بمشاركة 30 دولة من كل بقاع العالم، فنالت عدة تكريمات من عدة جهات.