زهراء الزهراوي : معجم “شهيرات المغرب” جاء استجابة لقلة الترجمة و التعريف بالنساء
مغربيات
مدفوعة بفضول البحث عن مسيرة المرأة المغربية الثقافية و الاجتماعية و السياسية وغيرها وجدت الأستاذة الباحثة و عضو المجلس العلمي بجهة مراكش زهراء ناجية الزهراوي نفسها تخوض تجربة تأليف كتاب قيم يحمل عنوان “معجم شهيرات المغرب” رغم شح المراجع و المصادر.
“مغربيات” حاورت زهراء ناجية الزهراوي حول مؤلفها وعن أسباب ضعف المصادر التي تتحدث عن سير نساء طبعن تاريخ المغرب..
مغربيات : بداية نود لو تخبرينا كيف جاءتك فكرة تأليف معجم عن شهيرات المغرب؟
من اطلع على “معجم شهيرات المغرب” يجد الجواب على هذا السؤال في السطور الأولى للمقدمة. إذ أنه جاء جوابا على أسئلة كانت تراودني حول حظ المرأة من الترجمة و التعريف. لماذا لم تحظ المرأة بالترجمة و لم يعرف بمجهوداتها الفكرية و الاجتماعية و السياسية وغيرها إلا نادرا؟ ثم ما هي عوامل الاقتضاب في تراجم النساء و التعريف لها بعبارات تلغرافية كما عبر عنها العلامة المختار السوسي؟ إذن فالإجابة على هذه الأسئلة دفعتني لسبر أغوار التاريخ و التراجم المغربية خصوصا، فوجدت أن عمق المسار الثقافي للمرأة المغربية راكم خلال ما يزيد على 13 قرنا من الزمن صفحات ساهمت في إغناء التاريخ المغربي، فالمعجم ناطق بمسيرة المرأة المغربية، وهي مسيرة يجب أن تهتدي بها المرأة العصرية لتواصل السير. فأنا من الجيل الذي يعتز بحاضره و لايتنكر لماضيه، فالتطور لم يأت من فراغ و إنما هي لبنات في سلم الارتقاء لبناء حضارة الأمم.
لاشك أن العديد من النساء اللواتي برزن في كثير من المجالات على مر التاريخ الإسلامي لم يحظين بالشهرة اللازمة كما هو الشأن بالنسبة للرجال المشاهير. لماذا في نظرك؟
إن أدب التراجم في مفهومه العام هو الكتابة التي تترجم للرجال و كلمة الرجال إذا أطلقت عند المحدثين يدخل، ضمنها النساء. و تُعرِف هذه التراجم بهؤلاء الرجال و بمآثرهم العلمية و مكانتهم الاجتماعية مما يمكن من استخلاص كثير من القيم الفكرية و الثقافية و الاجتماعية عن العصر الذي عاشوا فيه. من هذا المنطلق حرصت قدر الإمكان أن تعكس نساء المعجم ما طبعت به مجتمعاتهن وما اختصت به بيآتهن في كل المجالات الاجتماعية و الثقافية و السياسية و الاقتصادية وغيرها و تعكس قيمها و عاداتها و تقاليدها. و كل جهة من جهات المغرب تطبع هؤلاء النسوة بطابعها الخاص كما يطبعها تنوع الشرائح الاجتماعية من أسر نخبوية فكريا و صوفيا و اجتماعيا طبقات متوسطة و أخرى كادحة مما يشكل ثقافة متنوعة جمعت بين الثقافي و الاجتماعي و السياسي و التاريخي، لذلك جاءت الأحداث التاريخية و المظاهر الاجتماعية عرضا في التراجم كما هي العادة التي دأب عليها سائر المؤلفين. أما التفاصيل التاريخية فتبقى في كتب التاريخ.
معروف أنه كلما تم الاشتغال على موضوع النساء يواجه المؤلفون صعوبات قد تكمن في ضعف المصادر و المراجع شح المعلومات. هل وقع معك الشيء نفسه؟
يشهد التاريخ الإسلامي على حضور المرأة الثقافي و ذلك من خلال نماذج مسجلة في كتب الطبقات ك”طبقات
ابن سعد” و كتب السير ك”سير أعلام النبلاء” و المعاجم و النوازل الفقهية و إن كان ذكر المرأة خجولا في هذه المراجع جميعها و يأتي غالبا في آخر الكتاب لأسباب عدة، من أهمها هناك النظر في “حريمية المرأة” التي كان من نتائجها ضرب الحصار عليها سدا للضرائع ، ثم تعفف المترجمين في ذكر أسماء النساء، فمن النساء من ترجم لهن بنسبتها للزوج و ليس باسمها أو لقب أبيها، و مثالنا على ذلك المقرئة المغربية الغسالية نسبة لزوجها عتيق الغسالي، ثم هناك سبب ثالث وهو السرد التاريخي للإقصاء الذي كان له دور في طمس معالم مشاركة المرأة، و رابعا هناك النظرة الاجتماعية للمرأة و التي لعبت دورا في تحديد السقف الذي يجب أن تتحرك فيه، ثم خامسا هناك العقلية المتخلفة التي أفرزها عصر الانحطاط و التي حكمت بتعطيل نصف المجتمع إن لم نقل كل المجتمع بمن فيه الرجال. أما في المغرب فهناك تقصير في كتابة التراجم شهد به كبار العلماء أمثال العلامة المختار السوسي و العلامة محمد الفاسي و غيرهما، و يكفينا ما توصلت إليه الباحثة رقية بلمقدم سنة ١٩٩٧ في عرضها الإحصائي للأعلام الذين ضمتهم سلسلة “معلمة المغرب” التي أسس المرحوم الأستاذ محمد حجي، حيث أحصت 50 ترجمة فقط لنساء ضمن ستة آلاف و أربعمئة عَلَم، فالحضور النسوي لا يمثل إلا ٪0،62 .
يضم معجمك تقريبا 380 امرأة من شهيرات المغرب؟ هل هذا هو العدد الإجمالي لنساء يمكن الاحتفاء بهن أم أن العدد يفوق ذلك؟
إن جمع التراجم من الصعوبة بمكان، إذ لا يكفي تقصي المصادر و المراجع، بل الأمر أوسع من ذلك و أشمل، فإذا كان المترجمون و أصحاب كتب السير و الطبقات قد سجلوا صعوبات عن شح المعلومات ، فإن هذه الظاهرة، استمرت مع الكتاب المعاصرين فما بالنا بالترجمة للمرأة حيث تفرق المعلومات و ندرتها و اختصارها لدرجة لا تفي بالغرض. لقد آثرت ألا أترجم إلا لفضليات النساء اللواتي تركن بصماتهن في تاريخ المغرب، فوسع البحث خريطة المغرب و عم كل الوطن بمدنه و قراه و مداشره متجاوزا أحيانا الحدود، كما رصدت وظائف حيوية لكل النخبة النسائية المتميزة و اخترت من المصادر و المراجع ما يمثل أهم فترات النبوغ النسائي المغربي مصادر رصينة مختصة تتميز بالتوثيق و التقصي و النفاذ إلى المجال المعيش, و لاحظت عبر الزيارات الميدانية للأضرحة و استفسرت الإخباريين التقاة عن المغمورات من النساء و تتبع حسب الإمكان نبذة عن حياتهن و أعمالهن و
مجالات شهرتهن.
الملاحظ أنك جمعت في مؤلفك “معجم شهيرات المغرب” بين مجالات شتى، لكنك اقتصرت فقط على التعريفات دون الخوض في تفاصيل أكثر عن حياة هؤلاء النساء.. هل يعود ذلك لضعف المصادر؟ هلا فسرت لنا الأمر؟
لم يكن هدفي الحديث عن مجال معين عملت فيه النساء و إنما هو الحديث عن كل المجالات التي أشتركت فيها المرأة و أعطت فيها الكثير. عنوان الكتاب هو “معجم شهيرات المغرب” هؤلاء الشهيرات في مختلف الميادين الثقافية و الاجتماعية و السياسية و الإنسانية و الفنية و الطبية و غيرها، مع التصوف الذي ذكرت فلي عن تصوف المرأة عدة محاضرات سأحاول طبعها إن شاء الله. وكل ما نلاحظه عن المرأة هو أنها تعمل في كل المجالات في الظل مع نكران للذات، وقد وقفت من خلال البحث على أن المرأة في عملها لا تسعى لشهرة و لا لكسب مادي حسبها نفعها للناس بما لديها من علم أو صناعة أو تربية أو إحسان وغيره.
حتى المرأة التي بلغت أعلى درجات التصوف وهي الولاية لم تحظ بالمكانة التي تستحقها و كل إنجازاتها ظلت في الظل، هل كان ذلك عن قصد أم هو بغية السترة التي ميزت النساء عموما؟
لقد بلغت النساء فعلا مكانة سامية ليس في التصوف فحسب بل حتى في العلوم و العلوم الدقيقة ولم تسعين إلى شهرة و تكفينا السيدة العالية بنكيران المختصة و المدرسة لعلم المنطق في جامعة القرويين التي عرف بها الرحالة الفرنسي أوغست مولييراس متعجبا من تدريسها علم المنطق و الذي حدده هاملتون و كانت بمعيار الفكر حين قال عنه البعض إنه علم الرجال.