رجاء غبال.. فنانة تشكيلية قررت أن تتبرع بأعضائها بعد الموت

مغربيات : حنان لعريبي

تعد عملية التبرع بالأعضاء عملا إنسانيا، يساهم من خلاله الشخص في إنقاذ حياة الملايين من الناس، الذين يعانون من أمراض مستعصية لا توجد لهم أدوية فعالة من أجل الشفاء.

وتساهم المرأة المغربية في هذه البادرة، حيث نجد عددا من النساء، يعلن عن رغبتهن في التبرع بأعضائهن بعد الممات، وبهذا فعطاء المرأة في هذه الحالة لا يرتبط فقط بوجودها على قيد الحياة، بل هي تقدم المساعدة وتمد يد العون حتى بعد وفاتها لا قدر الله.

رجاء غبال، سيدة مغربية، وهي واحدة من ضمن العشرات من النساء اللواتي قمن بالتسجيل في سجل التبرع بأعضائها الحيوية بعد الممات، مبادرة تعتبرها صدقة جارية، وترى أن مسألة التبرع ليست فقدانا للأعضاء، بل هي استمرار وديمومة لها من خلال أجساد آخرين.

كورونا عجلت بالقرار

برغبة كبيرة وفرحة كانت تظهر على محياها، بدأت رجاء غبال، وهي فنانة تشكيلية، تحكي لمغربياتعن القرار الذي اتخذته بخصوص تبرعها بأعضائها بعد الممات تقول: جعلتني أزمة كورونا أسائل نفسي، فرغم أن قرار التبرع بالأعضاء جاء بعد تفكير طويل، إلا أن جائحة كورونا عجلت باتخاذي القرار وسلك مسطرة التبرع.

تضيف: خلال هذه الفترة كان تفكيري بالموت وحول الأسئلة الوجودية يزداد يوما بعد يوم، كما أن تشبعي بالحياة وحبي لها أملى علي بتنفيذ الفكرة خاصة وأن الله سبحانه وتعالى يؤكد في القرآن الكريم على أن من أحيا نفسا كأنما أحيا الناس جميعا، ولهذا كبرت الفكرة لدي وعند زوجي بأن نتبرع بأعضائنا بعد وفاتنا، لربما نتمكن من إنقاد روح ونفس تكون في حاجة لعضو من الأعضاء، ونحن نعتبر هذه الخطوة صدقة جارية وتقربا لله سبحانه وتعالى.

حبي للحياة دافعي نحو التبرع

تستمر رجاء غبال في سرد هواجسها: “في محيطنا عدد من الناس من أنقدوا من الموت أو تصفية الكلي بزرع الكلية ونحن نعرف العذاب والمعاناة التي يعانيها هؤلاء المرضى من خلال أحد أقاربنا، هي إذن دوافع من ضمن أخرى كثيرة تتجلى في كون حبنا للحياة جعلنا نسعى إلى إدامة هذه الحياة من خلال أشخاص آخرين .

وعن الدوافع الحقيقة التي كانت وراء اتخاذها قرار التبرع بأعضائها بعد الممات رفقة زوجها تقول: “هي متعددة ومن بينها أن الانسان بعد موته تتحلل أعضاؤه وتصير جزءا من التراب، ولهذا فبدل أن تهضر هذه الأعضاء، رأيت أنه من الأفيد أن أنقذ بها أرواحا أخرى خاصة وأن أقدس شيء عند الله سبحانه وتعالى هي الروح، وإذا كانت الروح من أمر ربي، فإننا لسنا سوى سبب من الأسباب التي يسخرها الله تعالى“.

وعن كيف تقبل أفراد العائلة قرارها وزوجها توضح: العائلة تفاجأت بالفكرة والقرار، لكنها تفهمت الخطوة، بل الأكثر من ذلك أن ابننا جهاد وهو طالب في سن 19سنة قرر بدوره أن يتبرع بالأعضاء بعد وفاته.

ديمومة في أجساد آخرين

بعد أن قررت رجاء وزوجها التبرع بأعضائهما، قاما بزيارة لمكتب رئيس المحكمة الابتدائية، وعبرا عن رغبتها في التبرع بالأعضاء، تقول رجاء عن هذه الخطوة: ومن خلال بطاقة التعريف الوطنية يقوم أحد كتاب مكتب الرئيس بكتابة محضر التبرع وهو محضر يوقعه هذا الكاتب والمتبرع والسيد رئيس المحكمة ويتم بعدها التوقيع في سجل خاص والمحكمة تقوم بإرسال المحضر للمستشفى الجامعي الأقرب لمدينة الإقامة الذي بدورها تدخل بيانات المتبرع في قاعدة بياناتها.

وعن الرسالة التي توجهها رجاء غبال من خلال الخطوة تقول: رسالتي في الحقيقة بسيطة جدا وهي إذا كنا نحب الحياة فعلينا أن نحب الناس وإذا كنا نحب الناس فعلينا أن نقدم لهم أي شيء يمكننا من مساعدتهم من خلاله في الحياة وفي الممات وإذا كنا بعد موت تلتحق روحنا بالعالي سبحانه وتعالى ويبقى الجسد في الأرض وتستوي أعضاؤنا جزء من التراب فمن الأفضل أن نتبرع بها كي ننقد أناس آخرين مرضى يعانون، لا ينبغي أن نفكر بأن مسألة التبرع هي فقدانا للأعضاء، بل علينا أن نقتنع أن الأمر هو استمرار وديمومة لنا من خلال أجساد آخرين.

النساء أكثر تبرعا

تكشف الأرقام أن عدد المرشحين المحتملين للتبرع بعد الوفاة قليل جدا، فإلى حدود السنة الماضية، جرى تسجيل 1100 مغربي فقط منذ سنة 1989، منهم 700 في مدينة الدار البيضاء، في سجلات التبرع بالأعضاء على مستوى المحاكم الابتدائية في المملكة.

وترى البروفيسور أمال بورقية، رئيسة الجمعية المغربية لمحاربة أمراض الكلي، أن النساء أكثر استعدادا للتبرع بأعضائهن بعد الممات، وأكثر تعرضا للجراحة من أجل التبرع وهن على قيد الحياة، موضحة أنه في إطار الحملات التي تقوم بها الجمعية فيما يتعلق بالتسجيلات الجماعية في مسألة التبرع يكون عدد النساء أكثر من الرجال.

وعن الدوافع التي تجعل النساء أكثر إقبالا على التبرع بأعضائهن الحيوية تقول: تلعب التربية دورا مهما في هذا الأمر، فالمرأة منذ الطفولة تتربى على العطاء في المجتمع، وأنها المسؤولة عن أفراد الأسرة ؛ الأخ، والأب، والزوج، وبهذا يتولد لديها إحساس بالمسؤولية والاستعداد إلى العطاء وتقديم المساعدة، علاوة على ذلك فالله تعالى خصها بهبة إعطاء الحياة لشخص آخر، فهي تحمل في أحشائها كائن وتلده للحياة، وبهذا فالأمومة في حد ذاتها عطاء كبير.

البروفيسور أمال بورقية

تبادل الأعضاء بين الجنسين

وأشارت بورقية إلى أن عملية زراعة الأعضاء هي محايدة من حيث الجنس ويمكن تبادلها بين الجنسين؛ يعني أنه لا مانع في نقل الأعضاء من إمرأة لرجل، لأن ذلك لا يشكل أي مشكل، باستثناء الأعضاء التناسلية التي يمنع نقلها، مشيرة إلى أن أهم شيء في نقل الأعضاء هو فصيلة الدم، وتطابق الأنسجة.

وأوضحت البروفيسور بورقية الأخصائية في أمراض الكلي وتصفية الدم، أنه رغم حالات التبرع التي يتم الإعلان عنها في المغرب، إلا أن المملكة لا زالت متأخرة في هذا المجال، مشيرة إلى أنه ينبغي فتح نقاش وطني يهدف إلى جعل هذه الوسائل العلاجية معروفة لعموم الناس، مبرزة أنه يجب التحسيس والتوعية بأهمية التبرع بالأعضاء بعد الممات، من أجل إنقاد آلاف المرضى الذين يعانون.

ومنذ سنة 1986، تاريخ إجراء أول عملية زرع، شهد المغرب 630 عملية زرع كلى فقط، من بينها 60 عملية تمت من أشخاص في حالة وفاة دماغية، أي 17 عملية زرع لكل مليون نسمة، وهو رقم ضعيف مقارنة بالحاجة والطلب الموجودين.

ومن أجل التحسيس بأهمية التبرع بالأعضاء البشرية، أصدرت بورقية، أخيرا كتابها ، “Don et transplantation d’organes – Espoir” الذي يهدف توسيع دائرة التحسيس والوعي بأهمية التبرع بالأعضاء، وتدعوا فيه إلى التفكير في حلول ناجعة تساعد على تعزيز وزيادة الوعي بأهمية التبرع بالأعضاء وزرعها، لأنه الطريق الأمثل لإنقاذ الألاف من المرضى من خطر الموت.

About Post Author