خدوج السلاسي : نعيش تحولا مجتمعيا يسير في اتجاه التمكين السياسي للنساء و تواجدهن في مراكز صنع القرار
مغربيات
ترى النائبة البرلمانية و الناشطة الحقوقية خروج السلاسي أن المرأة المغربية برهنت على أنها قادرة على ولوج غمار السياسة، و أنها تتوفر على الكفاءة لإثبات ذاتها في جميع المجالات بما فيها الوصول إلى مراكز صنع القرار.
“مغربيات” سألت البرلمانية خدوج السلاسي عن المشاركة السياسية للنساء و عن أسباب عدم تمكن النساء من بلوغ المناصفة التي نص عليها دستور 2011، وكذلك عن العنف الذي يمارس ضد النساء داخل المجالس المنتخبة و إقصائها من المجال السياسي و بلوغ مراكز القرار في الحوار التالي..
رغم ما تحقق خلال الآونة الأخيرة من تقدم في المشاركة السياسية للنساء داخل المجالس المنتخبة، إلا أنها لازالت لا ترقى لتطلعات و نضالات الحركات النسائية ببلادنا.. بم تفسرين هذا الأمر؟
في الواقع فإن المتتبع للحركية النسائية بالمغرب، سيقف على مسألة أساسية وهي أن هذه الحركية نشيطة جدا في اتجاه الدفاع عن حقوق النساء عامة و الحقوق السياسية بشكل خاص، سواء على مستوى الأحزاب أو المجتمع المدني. منذ سنوات كثيرة أحدثت الأحزاب السياسية بالمغرب ما يسمى بالقطاعات النسائية، و ذلك معالجة للضعف الذي لاحظته على مستوى انتساب النساء للأحزاب السياسية من جهة، ثم لأن هناك وعيا تبلور بضرورة مشاركة النساء في الحياة الحزبية، باعتبار الحاجة المجتمعية لذلك، كما يعتبر المجتمع المدني منذ سنة 1985 مجتمعا جد نشيط فيما يتعلق بالجمعيات النسائية الجادة التي ظهرت بالمغرب، و التي تدافع من أجل الارتقاء بحقوق النساء عامة و توسيع تمثيليتهن السياسية بصفة خاصة، و هذا النضال يعتبر مؤطر بمجموعة من النصوص القانونية، على رأس هذه النصوص يأتي دستور 2011، و هنا أشير تحديدا إلى الفصل 19 الذي نص بشكل واضح على المساواة بين الجنسين على المستويات الثقافية و السياسية و الاجتماعية و البيئية، مع الإشارة أيضا إلى أن مسألة المساواة تكاد تكون موجودة في الدستور المغربي لسنة 2011 بشكل عرضاني، أي في فصول كثيرة أخرى نفهم و نستنبط منها الدعوة إلى إعمال مقاربة النوع و المساواة و تكافؤ الفرص بين النساء و الرجال. بالإضافة إلى المتن الدستوري، هناك مجموعة من القوانين الوطنية سواء تلك المتعلقة بقانون الشغل أو تلك المتعلقة بمدونة الأسرة أو بقانون الجنسية أو مجموعة من المقتضيات التنظيمية التي صدرت عن وزارة الداخلية و التي ترمي للارتقاء بالرفع من تمثيلية النساء على المستويين الترابي و الوطني و سأعود إلى هذه لنقطة. ثم هنالك الإتفاقيات الدولية التي وقعها المغرب و أصبح بذلك ملزما باحترامها و تحديد اتفاقية “سيداو” الخاصة بمواجهة كل أنواع التمييز ضد النساء. بمعنى هذا أن هناك حركة تطورية و هناك اعتراف دستوري و هناك قوانين وطنية، كلها تسير في اتجاه دعم تمثيلية النساء السياسية، لكن نلاحظ اليوم أن كل هذه العناصر لم تمكن المرأة المغربية من أن تحتل المكانة اللائقة بهذه الاعترافات القانونية من جهة، و من جهة أخرى الحركية النسائية في شقيها المدني و السياسي كحركة نشيطة، و أيضا لائقة بالتطور الذي حصل في المجتمع و مكانة المرأة المغربية على المستوى الاقتصادي لأن كثيرا من النساء يعلن أسرهن بشكل حصري (تقريبا 30٪ من الأسر المغربية تعيلها النساء) بمعنى أن هناك تحول سوسيولوجي قوي يجب أن يسير في اتجاه التمكين السياسي للنساء و تواجدهن في مراكز القرار.
كيف تقيمين المشاركة السياسية للنساء داخل المجالس المنتخبة؟
أريد هنا أن أذكر بشيء أساسي وهو أنه على الرغم من أن الأرقام الحالية لا ترقى إلى طموحات النساء، لكنها أيضا أرقام ناطقة بدرجة التطور الذي عرفته وضعية النساء في المجال السياسي، عندما نقارن اليوم بالأمس، فإلى حدود 1993، كنا مع سيدتين فقط في البرلمان، كلتاهما يومئذ كانتا تنتميان إلى أحزاب معارضة، و كانت نسبة النساء على المستوى الترابي لا تتجاوز 0،6٪، أما اليوم و بعد انتخابات 2021، النساء داخل البرلمان يمثلن تقريبا 24،6٪ (95 برلمانية)، لكن مع ذلك يجب ألا ننسى شيئا أساسيا، هو أن 90 امرأة نجحن في انتخابات 2021 من خلال اللوائح الجهوية كشكل من أشكال التمييز الإيجابي (أي الكوطا) بمعنى أنه لولا اعتماد هذه الآلية، لما تمكن هذا العدد من النساء من التواجد في قبة البرلمان اليوم. 5 نساء فقط نجحن على مستوى الدوائر المحلية، أي تنافسن بنفس الشروط تقريبا التي تنافس بها الرجال، وهنا يمكن ان نطرح سؤالا أساسيا : لولا هذه الكوطا لما كان هذا العدد وصل إلى هذه الدرجة، وهو سؤال سوف أعود إليه لاحقا. على المستوى الترابي فإن المقتضيات التنظيمية التي ظهرت مباشرة قبل الانتخابات و بترافع نسائي قوي على المستوىين الحزبي و المدني كانت تسير في اتجاه الثلث على الأقل، سواء في الجماعات أو المجالس الإقليمية أو المجالس الجهوية، و لكن كثيرا ما تم الإخلال بهذه الشرط بدعوى أنه ليس هناك نساء، و يتم تعويضهن بالرجال.
الملاحظ أن نتائج الانتخابات الأخيرة (8 شتنبر 2021) لم تتوافق و المقتضيات الدستورية المتعلقة بالمناصفة، كما أنها لم تعكس مستوى النضال الذي تخوضه الحركة النسائية لتحقيق هذا الهدف؟ كيف تعلقين على تلك النتائج؟
سؤال المناصفة أو لماذا لم يتم بعد تفعيل المناصفة ؟ يحتاج إلى تأمل. صحيح أنها وردت في الدستور مقرونة ب”السعي للمناصفة” و لكن من 2011 إلى 2023 يجب أن يكون هذا السعي قد تم في الواقع و يجب أن تكون النسبة قد ارتفعت إن لم يكن إلى المناصفة فعلى الأقل تكون قريبة منها. هنا يمكن أن أشير إلى ضعف الإرادة السياسية للدولة عموما في تبوئ النساء المكانة اللائقة بمؤشرهن الإحصائي في المجتمع من جهة باعتبارهن يشكلن أكثر من نصف المجتمع، و بقدرتهن على العطاء و البناء وعلى المساهمة في العملية التنموية، حيث تعد العملية المطلوبة على كل المراجع، خاصة فيما يسمى اليوم بالنموذج التنموي الجديد.
من جهة أخرى الأساسي في تقديري فذلك يرجع إلى الأحزاب السياسية نفسها، حيث يجب أن نعترف و بكل وضوح بأن المسؤول الأول و الأهم من تواجد النساء في الحقل السياسي هي الأحزاب السياسية. فإذا كانت هذه الأحزاب لا ترشح نساءها أو تدعي بأنه ليس لديها نساء أو تحرمهن من التواجد في مناطق أو دوائر يكون النجاح فيها ممكنا، فهذا يعود إلى اختلالات كثيرة لازالت اليوم في الأحزاب السياسية المغربية و تتعلق بالصراع حول تقاسم السلطة السياسية، فالرجل قد يتقاسم مع المرأة كل شيء، لكن يصعب عليه تقاسم السلطة السياسية لاعتبارات قد أعود إليها في النهاية.
الاعتبار الثالث هو ضعف تواجد النساء في الأحزاب السياسية، حيث نسبة الرجال أنفسهم تبقى ضعيفة. حتى عندما تشارك النساء في الحياة السياسية فغالبا ما يكون لديهن نفس قصير، بمعنى ليست لهن القدرة على الاستمرار و المواظبة لأسباب كثيرة، منها أن العمل السياسي هو عمل تنافسي و مضن و عمل شاق في الحقيقة لم تألف النساء الاشتغال فيه. كما أن المواقيت المعتمدة في الأشغال السياسية (اجتماعات) تتواصل حتى ساعات متأخرة مما لا يتوافق و مسؤوليات و أشغال النساء وواجباتهن داخل بيوتهن، الشيء الذي يجعل إمكانية الحضور و المواظبة المستمرة أمرا في غاية التعقيد.
لازالت بعض النساء المنتخبات تعانين من الإقصاء و التمييز داخل المجالس المنتخبة، مما يجعل أصواتهن غير مسموعة داخل تلك المجالس بسبب الهيمنة الذكورية.. كيف يمكن تجاوز هذا الوضع؟
النقطة التي أود التركيز عليها و أنا أتحدث أسباب ضعف تواجد النساء في القرار السياسي أو على الأقل المشاركة في الأحزاب السياسية، هي تلك القضايا المرتبطة بالمسألة الثقافية ببلادنا, لا أتحدث هنا عن العقلية الذكورية و لكن أتحدث عن الإشكالية الثقافية العامة التي تضع المرأة عادة داخل أدوارها الطبيعية “التقليدية” المرتبطة بالحياة الزوجية و بتربية الأبناء، و التي تعتبر أن السياسة هي مسألة خاصة بالرجال و ليس بالنساء، وهنا يمكن أن أقوم بشكل تقييمي في هذا الاتجاه، أن النساء اللواتي يشتغلن اليوم في الأحزاب السياسية يظهرن الكثير من الجدية و الالتزام و كثيرا ما يضحين بوقتهن ليتمكن من المشاركة في الحزب السياسي و تحقيق الطموح المشروع لتبوئهن المكانة التي تليق بهن على مستوى المنافسة الانتخابية، و الأحزاب أصبحت اليوم واعية بذلك، على المستوى التنظيمي، بمعنى أنها تمنح للنساء فرصة التواجد داخل التنظيمات الحزبية، لأنها اكتشفت جديتهن و كفاءتهن و قدوة التزامهن و وفاءهن من خلال ما يقمن به، لكن حين تأتي اللحظة الإنتخابية و تقاسم الخريطة الانتخابية ، فعندئذ تظهر الإشكالية الثقافية من جهة، و تظهر الاختلالات المرتبطة بالعجز عن تقاسم السلطة بين النساء و الرجال، فتكون النتيجة عدم الوصول إلى الثلث في أفق المناصفة التي ما أبعدنا عنها على أية حال اليوم.
لتجاوز ذلك، هناك ما أسميه بالثورة الثقافية الهادئة، بمعنى يجب أن تنخرط مجموعة من المنابر في خلخلة الوعي العام المجتمعي لصالح الاعتراف بقدرات النساء في كل المجالات و بقدراتهن في مجال الريادة السياسية أيضا. ثورة ثقافية يجب أن تخوضها المؤسسات التعليمية و وسائل الإعلام و تنخرط فيها الأحزاب السياسية و جمعيات المجتمع المدني لتغيير العقليات و الاعتراف بكفاءات النساء ويكفي اليوم النظر إلى نتائج الطلاب في البكالوريا للوقوف على أن أعلى النسب في النجاح و في المعدلات حصلتها الفتيات، وهن نساء الغد و التفوق حليفهن، و لابد أن يجد هذا التفوق صداه و في مختلف المجالات وعلى رأسها المجال السياسي.
ويجب كذلك القيام بمجموعة من الإجراءات الجزائية ضد كل الأحزاب السياسية التي لا تحترم تمثيلية النساء و لاترتقي بها في اتجاه تحقيق المناصفة، حيق هذه الأحزاب تتقاضى المال من المال العام كدعم من الدولة، و بالتالي يجب أن يستثمر جزءان هذا المال لاستقطاب النساء و تكوينهن، كما يجب أن تعاقب الأحزاب بالانتقاص من هذا الدعم بالنسبة للأحزاب التي لا تلتزم بتمثيلية في اللوائح الانتخابية و التي لاتحترم لا الثلث و لا المناصفة.
ماذا عن هيئة المناصفة؟
على المستوى الدستوري لابد من تنزيل هيئة المناصفة و مكافحة كل أشكال التمييز، باعتبارها الهيئة التي سيوكل إليها مبدأ مراقبة المناصفة العرضانية في جميع المجالات، ليست هناك فقط المناصب السياسية، هنالك أيضا الوظائف الانتخابية ثم التوظيف في المراكز العليا و الإدارات المركزية. لابد أن نسير في اتجاه المناصفة إعمالا لهذا المبدأ الوارد في الدستور، و لاشك أن هذه المسألة تحتاج للنساء المغربيات سواء كن منضويات في الأحزاب السياسية أو كن في منظمات نسائية جادة على المستوى المدني، فلازالت هناك معارك تنتظرنا من أجل إحقاق المناصفة و من أجل وصول النساء إلى مراكز القرار. و المساواة اليوم بين النساء و الرجال لم تعد مسألة ترف، ولكنها مسألة مرتبطة بهدفين أساسيين : الهدف الأول هو الديمقراطية، حيث لا يمكن مطلقا أن نتحدث عن مجتمع ديمقراطي ينبني بشكل مؤسساتي على قاعدة المساواة و تكافئ الفرص إذا لم تكن النساء ممثلات على قاعدة المساواة في جميع الأجهزة، و الهدف الثاني هو أن النساء اليوم هن جزء من الحل و مفتاح من المفاتيح الممكنة في إطار المسألة التنموية، إذ لا يمكن أن يشتغل المجتمع بنصف ذكائه في عالم يتطلب اليوم طاقات النساء و الرجال معا.
اعتبرت بعض الجمعيات النسائية (الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب) أن هذه الاعتداءات ليس حوادث عرضية تخص حالات منفردة بل هي ظاهرة تدخل في إطار العنف السياسي المبني على النوع الاجتماعي، يهدف إلى إلى إرهاب النساء و عزلهن عن الفضاء السياسي.. كيف تفسرين هذه الظاهرة؟
صحيح هناك العديد من المستشارات و البرلمانيات تعرضن للعنف سواء على المستوى الترابي أو الوطني، و ذلك لا يقتصر على المغرب فقط، و لكن في العالم كله. عندما أحضر اجتماعات البرلمان الدولي، هناك لجنة خاصة لمواجهة العنف الممارس ضد النساء داخل البرلمانات عبر العالم كله، حيث تتعرض النساء للتشهير، لحشر الأنف في حياتهن الخاصة و تعتبر الأخلاق في نظر الكثيرين هي نقطة ضعف النساء، حيث المرأة التي تمارس العمل السياسي هي امرأة تشبه رجلا، في نظرهم هي امرأة فقدت أنوثتها و أهملت أدوارها الطبيعية و التاريخية و التقليدية كالإكتفاء بالزواج و تربية الأبناء. ثم هناك العنف الرقمي الذي يستهدف النساء. لاننسى أن الرجال أيضا يتعرضون للعنف، و لكن ردود أفعالهم مختلفة عن ردود أفعال النساء لسببين : أولا لأنهم متمرسون ولديهم تجربة طويلة، ثم لأنهم لا يهتمون و يستمرون في عملهم السياسي. هناك برلمانيون اليوم يشار لهم بالفساد و هناك رؤساء جماعات يحالون على المحاكم أو على الأقل تتبعهم شبهة الفساد، ومع ذلك نجدهم غير مكترثين و مستمرين في حياتهم اليومية، لكن النساء حريصات جدا على سمعتهن، حيث أنهن لا يتقبلن المساس بأخلاقهن و سمعتهن. من خلال تجربتي السياسية أرى أنه ينبغي أن تتصف النساء بنوع من العناد و بنوع من الروح القتالية و الاستمرار و الاشتغال على أنفسهن، وعدم الاكتراث على ما يقال عنهن، لأن معركة الحصول على الحقوق لم تكن يوما سهلة و من غير أشواك. هي دائما كانت معركة شرسة تتطلب الإرادة القوية و العزم و العناد و الروح القتالية. أعتقد أن النساء المغربيات كثيرات منهن برهن على هذه القدرة و لازال الطريق طويلا و شاقا أمامهن.