حياة أمنجوج .. نائبة بإملشيل مسكونة بقضايا النساء و هموم الساكنة
هي ابنة إملشيل المسكونة بهموم نساء المنطقة. بدايتها كانت من داخل التعليم لتنتقل بعد ذلك لخوض غمار السياسة التي دخلتها سنة 2009 كمستشارة جماعية لولايتين متتاليتين. لم تكلل تجربتها الأولى كمستشارة بالنجاح، لكن خلال الولاية الثانية استطاعت حياة أن تنجز مشاريع مهمة و تسمع صوتها داخل المجلس الجماعي، قبل أن تصبح نائبة برلمانية بذات المنطقة عن حزب التجمع الوطني للأحرار في شتنبر 2021، وتعمل على إعادة مركز القاضي المقيم بإملشيل.
“مغربيات“ تواصلت مع حياة أمنجوج للحديث عن تجربتها الجماعية و عن مشاكل نساء و سكان المنطقة ..
بسبب ولادة متعسرة عاشتها حياة و كادت تعصف بحياتها لولا الألطاف الإلهية، أصبح لها هم واحد هو توفير دار للأمومة بالمنطقة لمساعدة النساء الحوامل اللواتي تفقد الكثيرات منهن حياتهن، نظرا لصعوبة الوصول إلى المستشفى، حيث لا تجد النساء الحوامل أمامهن إلا التوجه نحو المستشفى الجهوي للريش بإقليم الرشيدية، وهو ما يشكل خطرا على حياتهن بحكم المسافة البعيدة التي يقطعنها للوصول.
هذه التجربة المريرة التي عاشتها حياة أمنجوج بعد أن نجت من ولادة متعسرة، لكنها فقدت على إثرها وليدها، جعلتها تسعى، إلى جانب فاعلين و نشطاء حقوقيين آخرين داخل المنطقة، إلى دق ناقوس الخطر حول مشاكل النساء الحوامل اللواتي لا يتمكن من الوصول إلى المستشفى للوضع.
من التعليم إلى السياسة
درست حياة أمنجوج بالثانوية التقنية بإقليم الرشيدية الذي يبعد عن إملشيل ب 270 كيلومتر، إذ بسبب الظروف الأسرية الصعبة، ولجت سلك التعليم، وبعد التخرج التحقت بمدرسة بفرعية دوار “تيلمي”. عملها بهذه الفرعية جعلها تحتك بواقع النساء هناك، و تتعرف عن قرب على معاناتهن المتفاقمة بحكم البعد عن المركز. تزوجت كغيرها من بنات إملشل اللواتي يتزوجن في مرحلة مبكرة لتعود لمنطقتها بإملشيل بعد سنة من تعيينها . في تلك الفترة و تحديدا سنة 2002، سيتم إنشاء الثانوية الإعدادية، حيث التحقت بها كرئيسة للمصلحة الاقتصادية بالإعدادية، بحكم أنها حاصلة على بكالوريا في التسيير و المحاسبة، لكنها سرعان ما ستطلب إعفاءها و تعود للفصل سنة 2005. هذه التجربة منحتها فرصة التقرب من مشاكل التلاميذ و الآباء، وكغيرها ممن ينتقدون الأوضاع وهم بعيدون عن التسيير، أدركت من خلال تجربتها أن المشاكل كثيرة و تحتاج لتظافر جهود من مختلف الفاعلين بالمنطقة، و ربما كانت هذه القناعة التي ترسخت لديها هي التي فتحت أمامها الباب نحو المشاركة في التسيير و عدم الاكتفاء بالتفرج و الانتقاد عملا بمقولة “لي قال العصيدة باردة يدير يدو فيها“.
ولاية ثانية
في سنة 2009، ستخوض حياة لأول مرة تجربة الانتخابات كمستشارة جماعية عن حزب الاتحاد الاشتراكي. لم تجد الطريق مفروشا بالورود، سيما و أنها كانت المرأة الأولى بالمنطقة التي تخوض غمار الانتخابات، حيث اصطدمت بتلك العقلية المعتادة التي تحارب تواجد النساء في الحياة السياسية و ترى أن مكانهن في البيت و دورهن يقتصر على تربية الأطفال.
تقول حياة ل“مغربيات“ : كنا مستشارتان داخل المجلس الجماعي، صَوْتُنا لم يكن مسموعا للأسف داخل مجلس لم يكن يعترف حتى بوجودنا، كنا كمن يغرد خارج السرب.. كانت الأولويات تنصب على الكهرباء و الطرق و البنية التحتية بشكل عام، أما طرح قضايا تتعلق بالنساء فكان بعيدا عن انشغالات المجلس، حيث لم نتمكن من تحقيق أشياء تذكر كمستشارتين داخل المجلس الجماعي..“.
تشير أمنجوج على أن تجربتها الاولى بالنجاح (2009/2015)، لم تكلل بالنجاح، لكن خلال التجربة الموالية ( 2015/ 2021) سيتمانتخابها كنائبة أولى للرئيس وهو ما منحها صلاحيات أكبر و سلطة أقوى للدفاع عن قضايا النساء و إسماع صوتها أخيرا داخل المجلس الجماعي.
خلال التجربة الجماعية الأولى استطاعت حياة أمنجوج أن تتمرس في دواليب السياسة، حيث استفادت من عدة دورات تكوينية كانت تنظمها جمعيات لفائدة المستشارات الجماعيات، وهو ما جعلها تخوض التجربة الثانية بمنسوب أعلى في الثقة بالنفس و فرض وجهة نظرها.
إنشاء دار الأمومة
خلال الفترة ما بين 2014 و 2015، سيظهر مشكل النساء الحوامل اللواتي يفقدن حياتهن أو حياة مواليدهن بحدة ، و ستعرف الأرقام ارتفاعا ملحوظا، وهو ما أثار الكثير من التذمر في أوساط سكان المنطقة.
تؤكد أمنجوج : “ كنا أمام ظاهرة تتسع و تنتشر، رغم كوننا لم نكن نتوفر على أرقام للجزم بأن الأمر يتعلق بالفعل بظاهرة، لكن الحالات التي كنا نسمع عنها كل حين بمعدل أربع حالات سنويا، أي أربع نساء يفارقن الحياة إما في طريقهن للمستشفى أو بعد وصولهن في وقت متأخر، خاصة في موسم الشتاء، مما جعلنا نضع أيدينا على قلوبنا و ننتظر الفرج..“ .
وتشير إلى أن العامل الثقافي و الاجتماعي كذلك ساهم في هذه الظاهرة، حيث النساء يرفضن الذهاب إلى المستشفى و يفضلن الوضع بالبيت، وهو ما يعرض حياتهن للخطر، وهي عادات أخذت حياة على عاتقها محاربتها، وحث النساء على التوجه للمستشفى من أجل ضمان وضع في ظروف جيدة.
أمام احتجاجات نشطاء حقوقيين على مواقع التواصل الاجتماعي تم تنظيم مسيرة احتجاجية سنة 2016، وهي المسيرة التي أعطت أكلها، حيث انبثقت عنها لجنة استشارية كانت حياة ضمنها، شكلت نقطة ضوء حين اقترحت إنشاء دار للأمومة، بدل انتظار توفر الموارد البشرية من أطر طبية وشبه طبية، خاصة و أن أغلب الأطباء يرفضون التوجه للمناطق النائية و البعيدة و يفضلون العمل في مدن المركز.
تم إنشاء دار للأمومة بتسيير من جمعية “دار الأمومة“ التي ترأستها حياة أمنجوج سنة 2018، و بعد سنة أي في 2019، كانت الدار جاهزة لاستقبال النساء الحوامل بمنطقة إملشيل و المناطق المجاورة، حيث هناك دور أمومة في “اغبالة“ و “القصيبة“، و في الإقليم كذلك هناك دور أمومة في كل من “كُرٌَامة” و “تونفيت“.
تؤكد أمنجوج أن هذا الحل لا يعدو أن يكون شمعة وسط الظلام، في انتظار توفر مستشفى إقليمي تتوفر فيه التجهيزات الضرورية لاستقبال النساء الحوامل.
إعادة مركز القاضي المقيم
خلال الانتخابات التشريعية الأخيرة، ستخوض حياة أمنجوج التجربة البرلمانية لأول مرة كنائبة عن إقليم إملشيل من خلال اللائحة الجهوية عن حزب التجمع الوطني للأحرار.
على الرغم من أن الوقت لازال مبكرا لتقييم تجربتها كنائبة برلمانية عن المنطقة، إلا أنها تؤكد أن التجربة الجماعية جعلتها تتمرس في السياسة و تتعرف على مشاكل القرب للمواطنين، من خلال البحث عن فرص لتنمية المنطقة التي تمثلها، في حين أن التجربة التشريعية جعلتها تتحرك في رقعة أكبر، حيث اهتماماتها تنصب على مشاكل المغاربة بشكل عام، و إن كانت لاتزال مسكونة بمشاكل ساكنة دائرتها، وقد تمكنت من طرح مشكل القاضي المقيم الذي لم يعد موجودا بإملشيل، وهو السؤال الذي طرحته النائبة على وزير العدل المغربي، كمطلب ملح للساكنة التي أثقل كاهلها التوجه إلى المحكمة بالريش من أجل توثيق عقود الزواج، خاصة في ظل لظروف الصعبة التي تواجه العديد من الأسر المعوزة بالمنطقة حيث يتوجب البحث عن مكان للمبيت بسبب البعد و ضيق ذات اليد، وهو ما لقي استجابة، حيث تم إصلاح المركز القديم لإعادة القاضي المقيم بإملشيل، في حين، تؤكد النائبة أمنجوج، لاتزال المنطقة تعاني الكثير من المشاكل على رأسها الصحة و التشغيل.