حفيظة رقيق.. امرأة نذرت نفسها لدعم نساء و أطفال “واد الرمان” بضواحي مكناس

مغربيات

بإمكانات محدودة لكن بعزيمة قوية و شجاعة قل نظيرها، نذرت حفيظة رقيق رئيسة جميعة العهد الجديد لدعم و قدرات المرأة القروية” بمنطقة واد الرمان بضواحي مكناس نفسها لدعم نساء و أطفال قريتها. حكايتها بدأت حين لفت انتباهها ثلاثة أطفال يلهون طيلة النهار بالقمامة. اعتنت بهم و أطعمتهم و علمتهم، لتكون هذه المحطة الأولى في رحلة مليئة بالتضحيات و نكران الذات و مساعدة نساء و رجال الدوار، و التصدي لكل الظواهر الاجتماعية التي تحول دون انخراط المرأة في تنمية المنطقة، وعلى رأسها ظاهرتا الهدر المدرسي و تزويج القاصرات التي تؤرق حفيظة لتجعل منها أشرس معاركها على الإطلاق..

مغربيات اقتربت من حفيظة رقيق المرأة التي أشهرت سلاحها ضد الجهل و التخلف و الأمية في واد الرمان للتعرف عليها وعلى إنجازاتها..

بمنطقة واد الرمان التابعة لجماعة عين الكرمة ( تبعد عن مدينة مكناس ب38 كيلومترا)، كان ميلاد جمعية العهد الجديد لدعم قدرات المرأة القروية. جمعية فتية لا يتعدى عمرها ست سنوات لكنها استطاعت بفضل رئيستها حفيظة رقيق أن تجعل نساء القرية يقبلن بشكل كبير على دروس محو الأمية و تعلم العديد من المهارات (الطرز، الخياطة، العربية..)، لتشكل نافذة تطل منها هؤلاء النساء على مستقبل واعد لهن و لأبنائهن الذين يستفيدون بدورهم من دروس الدعم.

العمل الجمعوي اختارني..

تقول حفيظة رقيق لمغربيات : لم أختر العمل الجمعوي، بل هو من تطاول علي و دق على بابي فاستجبت له. في البداية كنت أقوم بأعمال خيرية لمساعدة أهل الدوار و أبنائهم، قبل أن ينتهي بي المطاف إلى إنشاء جمعية العهد الجديد لدعم قدرات المرأة القروية حتى هذا الاسم لم أختره ولم أفكر فيه. بل تم اختياره بناءا على ما أقوم به دون وعي مني. كنت أساعد على قدر ما أستطيع لكل من يحتاج للمساعدة و الدعم، إلى أن أخبروني بأنني أقوم بالعمل الجمعوي بالفطرة دون توجيه أو إملاء من أحد..”

كانت حفيظة، بسبب ظروف صحية، لا تبرح عتبة بيتها. وبينما هي جالسة ذات يوم أمام باب بيتها، لفت انتباهها ثلاثة أطفال يلهون في القمامة. كانت جدتهم تصحبهم كل صباح وتتركهم بالقرب من القمامة لتمتهن التسول بعد أن انفصل والداهم وتركوهم في عهدة الجدة. قالت حفيظة قلت في نفسي لِمَ لا أهتم بهؤلاء الأطفال، فتوجهت إليهم و جئت بهم للبيت و اعتنيت بهم من مأكل ومشرب ونظافة، ثم انكببت على تدريسهم..في المساء عندما تعود جدتهم تأتي عندي لأخيهم حتى يناموا بعد أن تكون شقيقتي قد أطعمتهم و اعتنت بهم، بينما أتكفل أنا بتعليمهم“.

هكذا بدأت حكاية حفيظة مع العمل الجمعوي. بقلب كبير يحضن كل من وجدت فيه الحاجة للمساعدة، بدأت أولى خطواتها نحو حث نساء الدوار على الدفاع عن حقهن في التعلم، رغم المعارضة الشديدة التي لاقين من الأزواج. كانت حفيظة تقول لهن هذه معركتكن، وعليكن كسبها. لا أقول لكن تشاجرن مع أزواجكن أو أحرضكن على إثارة المشاكل، لكني أريد منكن أن تقنعنهم بضرورة التعلم، لأن ذلك من شأنه أن يفتح لكن آفاقا واسعة، كما سيساعدكن على مواكبة أبنائكن في الدراسة.

في البداية كانت حفيظة تستقبل النساء و الأطفال في بيتها، لكن وبعد أن تزايد عددهن أصبح لابد من إيجاد مكان يستوعب هذا العدد الذي فاق أربعين امرأة، كما كان لابد من خلق إطار قانوني لكي تتمكن من مواصلة مشروعها دون مشاكل. و بمساعدة بعض الفاعلين من أبناء المنطقة تمكنت حفيظة من إنشاء جمعية أطلقت عليها اسم العهد الجديد لدعم قدرات المرأة القروية.

و لأن التغيير و الفعل يبدأ من المحيط، فقد استطاعت حفيظة أن تحسس أقاربها بضرورة الانخراط في العمل الذي تقوم به، حيث يحظى مشروعها برعاية شقيقتها و ابنتها شيماء التي تتابع دراستها بشعبة الماستر بجامعة محمد الخامس في شعبة السياسات العمومية بالرباط.

أثناء توزيع مساعدات عينية على أبناء الدوار

معركة و تحديات..

و لأن الطريق إلى القسم الذي تقصده نساء الدوار للتعلم كان يمر عبر مقهى يرتادها رجال القرية، فإن رحلة النساء لم تكن تخلو من سخرية الجالسين على جنبات الطريق من مرتادي المقهى، مما أثار الكثير من المشاكل التي اضطرت معها رئيسة الجمعية إلى مواجهة أحد العابثين بمشروعها التنموي، حيث انفجرت في وجهه أمام كل الحاضرين، و بدأت تسرد على مسامعه أهمية أن تتعلم النساء القراءة و الكتابة، معززة كلامها بما جاء على لسان الملك محمد السادس الذي حث في أكثر من خطاب على ضرورة تعلم النساء القرويات وتعزيز أدوارهن في التنمية.. طبعا كانت هذه المحطة كافية لكي تخرس الكثير من الألسن التي تطاولت على نساء القرية، لكن كان للأزواج كلمة أخرى حيث عمد أغلبهن إلى منع زوجاتهم من مواصلة التعلم.

تعرف حفيظة أن المعركة ليست سهلة بالمرة، و أنها ستشعر في أكثر من مرة من أنها ستحارب طواحين الهواء، لكنها مع ذلك لم تيأس ولم تستسلم لعقلية ذكورية لازالت تشكل عثرة في وجه تقدم النساء و سعيهن نحو التعلم و الارتقاء.

بعد أن فشلت كل مساعيها في إقناع النساء بمواصلة عملية التعلم، استطاعت أخيرا أن تدفعهم لتعلم بعض الحرف و المهارات، عبر خلق تعاونية خاصة بصناعة الكسكس و تعلم الطرز و الخياطة و الزربية، كما واصلت رحلتها في دعم الأطفال و التصدي لكل الظواهر التي تنخر المنطقة، مثل الهدر المدرسي و تزويج القاصرات. ولعل أبرز محطة، حين اصطدمت حفيظة بواقعة، قبل أسبوع، حين سمعت بتزويج طفلة في الثانية عشرة من عمرها من رجل في الأربعين. توجهت إلى أبويها و حاولت إقناعهم بشتى الطرق بأن يتخلوا عن فكرة تزويج الطفلة و إعادتها للمدرسة، لكن كل مساعيها انتهت إلى الفشل.

لوازم مدرسية لدعم التلاميذ

تقول حفيظة بهذا الصدد

: لا أجد ما أقوله، يعتصر قلبي ألما لهذا الواقع المؤلم. مشهد لن أنساه و الأكيد أنه يتكرر في العديد من مناطق المغرب. كانت الطفلة ذات 13 سنة تمسك بدفاترها. تقبلها وهي تذرف الدموع. تتوسل لأمها أن تتركها في المدرسة، ولما يئست من استجابة الأم لطلبها، قالت لا مانع لدي من الزواج بذلك الرجل لكن اتركي لي دفاتري و كتبي.

ظاهرة تزويج القاصرات منتشرة بكثرة بالمنطقة بسبب الفقر و الهشاشة، لكن حفيظة مع ذلك تحاول بكل الجهد و الإيمان بتغيير هذا الواقع عبر التدخل لدى الأهالي و تهديدهم إن اقتضى الحال بإخطار السلطات المعنية

يوما بعد يوم يضيق الأفق من حولها، لكن بإصرار و عزيمة تقاوم حفيظة رقيق و تحاول أن تفتح حولها منافذ لدعم الأطفال و النساء، عبر التحسيس بمعاناتهن و دمع التبرعات للأسر المعوزة، و تشجيع الأطفال على متابعة الدراسة عن طريق توفير الحاجيات الضرورية من كتب ولوازم مدرسية و ملابس شتوية.

هي امرأة نذرت فسها للعمل الاجتماعي الذي دخلته من باب الإنسانية الكبير، فقربها من معاناة سكان قريتها الصغيرة واد الرمان، لتقطع عهدا على نفسها بالا تتخلى عن كل من احتاجها و أن تتصدى لكل الظواهر الاجتماعية و العادات المتجاوزة التي تعيق تطور و تقدم المرأة القروية.

حضور متواصل في المدرسة لتقديم الدعم

تتويج للمتفوقين و تشجيعهم على مواصلة الدراسة

About Post Author