حرية الإبداع و الرقابة في قلب حوارات مهرجان فيلم المرأة

ذكر الناقد السينمائي و رئيس جمعية النقاد السينمائيين بالمغرب عمر الخمار أن هناك ثلاث أنواع من الرقابة السينمائية، أولها تلك التي تمارسها الدولة وهي موجودة منذ بداية السينما ببلادنا، ثم رقابة المجتمع، بالإضافة إلى الرقابة الذاتية..

و أضاف الخمار، خلال الندوة الصحفية التي نظمت على هامش المهرجان الدولي لفيلم المرأة بسلا حول حرية الإبداع في مواجهة الرقابة و الرقابة الذاتية، صباح أمس الخميس، أن هذا النوع من الرقابة موجود تقريبا في كل الدول، حيث أن الصين لا تعتبر أن الرقابة أداة منع و إنما هي وجدت لبناء الوطن.

و أعطى المتحدث أمثلة كثيرة عن الرقابة التي تفرضها الدولة، سواء داخل المغرب أو خارجه، مشيرا إلى مسألة حجب صورة لامرأة بنصف حجاب كان المجلس الأوروبي باعتباره الضامن للحقوق الاجتماعية و الحريات قد وضعها على الانترنيت، قبل أن يستجيب للضغط الفرنسي و يحذف الصورة.

في جانب آخر تحدث رئيس جمعية النقاد عن رقابة المجتمع، التي تبرز مفارقة عجيبة، حيث في السابق وخلال فترة السبعينيات كان المجتمع يطالب بالحريات، و اليوم أصبحنا أمام مجتمع يدعو للمنع، و هو ما وقع مع فيلم نبيل عيوش الزين لي فيك، الذي هوجم من طرف المجتمع قبل ان ترضخ الدولة لضغط الراي العام وتمنع عرضه.

و أوضح الخمار أنه قبل 1999، كانت رقابة الدولة شديدة مقارنة بما بعد هذه السنة، اللهم بعض الاستثناءات لبعض المخرجين الذين كانت لهم بعض الجرأة في تجاوز الممنوع، مثل فيلم علي، ربيعة و الآخرونلأحمد بولان، وكذلك بعض أفلام نبيل لحلو، ثم عبد القادر لقطع، لكن من تعرض للمنع من العرض هو هذا الأخير.

وأبدى الخمار استغرابه من أن يقع ذلك في عهد حكومة يسارية كان يقودها الراحل عبد الرحمان اليوسفي، و كان وزير الاتصال آنذاك هو الراحل العربي المساري و هما من دعاة حرية التعبير، لكن و لأن الرقابة كانت اقوة من الحكومة فقد طُلب من عبد القادر لقطع أن يحذف بعض المشاهد من فيلمه الباب المسدود، لكنه رفض.

وواصل المتحدث قائلا إن هناك نوعان من المخرجين : منهم من يتعاملون بذكاء مع مسألة الرقابة، مستغلين الانفتاح الموجود في مجال الحريات فيعرفون كيف يستعملون بعض الجرأة، فيما آخرون اعتقدوا واهمين أن المجال مفتوح كليا فاصطدموا بالمجتمع، وهو ما وقع مع نبيل عيوش في فيلمه الزين لي فيك

و أكد الخمار أن أخطر أنواع الرقابة هي الرقابة الذاتية التي اعتبرها رقابة وقائية (hygiénique)، حيث يصبح المبدع يفرضها على نفسه، بفعل استيعابه وفهمه .للخطوط الحمراء التي لا يسمح بتجاوزها وهي تقتل الإبداع.

واستحضر رئيس جمعية النقاد ما وقع مع المخرج حسن بن جلون في فيلمه الأول عرس الآخرينسنة 1990 الذي أنتجه بنفسه، ليتم استدعاؤه من طرف الجهات العليا، حيث طلب منه ألا يتطرق مستقبلا لقضايا أزمة السكن الاجتماعي و أزمة المعطلين، و أن ينشغل بقضايا ذات طابع رجوب ترفيهي.

وبالنسبة للرقابة في التلفزيون، أوضح مصطفى ملوك المسؤول السابق عن البرامج و الإنتاج بالقناة الثانية، إن هذه الأخيرة وفي بدياتها كانت تحاول أن تنهج سياسة برامجية منفتحة، عن طريق بث لقطات من أفلام جريئة، إلا أن المسؤولين بالقناة فوجئوا بمواطنين وهم يعيدون أجهزة فك التشفير، احتجاجا على المشاهد التي اعتبروها جريئة.

و أوضح ملوك أن المسؤولين في القناة كانوا مضطرين في بعض الأحيان إلى تمرير رسائل قوية عبر السماح لبعض الوصلات الجريئة، وهو ما وقع أثناء لحملة للتأسيس بمخاطر مرض فقدان المناعة المكتسبة السيدا، حيث كان الفنان سعيد الناصري سيقدم وصلة فكاهية، يفترض فيها أنه سيخرج من جيبه عازلا طبيا، وبعد مفاوضات كثيرة تقرر تمرير هذه الفقرة، وقد لاقت استحسان الناس بعد ذلك، عكس ما كان متوقعا.

أما المخرج المصري مجدي أحمد علي فيرى أن رقابة الدولة أهون من رقابات أخرى، وهو ما يظهر حين يصل الأمر إلى ساحة القضاء، حيث يلجأ المخرج إلى الاستعانة برقابة الدولة قائلا نحن لدينا موافقة من رقابة الدولة“.

واعتبر صاحب فيلم مولاناالذي منع من العرض في العديد من الدول العربية منها المغرب نفسه، أن الرقابة الذاتية تعد من أشد و أقسى أنواع الرقابة.

كما أوضح أن الدولة لا يحكمها إلا الهاجس الأمني فقط، حتى إذا ما كان هناك فيلم عن الجنس و لا يشكل أي إخلال بالأمن، فالدولة لا تمنعه.

وعن موقف الأزهر من بعض الأفلام، قال المخرج المصري إن هناك قناعة ترسخت لديه بأن هذه المؤسسة الدينية ترفض بتاتا مسألة السينما بالكل، كيفما كان المحتوى، ضاربا أمثلة كثيرة في هذا الشأن، حيث يرفض تجسيد الأنبياء و الصحابة.

و أشار إلى أن أحد المشايخ قال له يوما لا يمكن تجسيد لا الرسل و لا الصحابة و لا التابعين و لا تابعي التابعين، وأنه لما سأل عن وجود حكم شرعي بذلك ظل يتحايل على المسألة دون إجابة واضحة، ونفس المنع يطال قضايا تتعلق بالختان المرتبط بالعادات و التقاليد القديمة التي يمكن إرجاعها لعهد الفراعنة، و كذلك موضوع العذرية، كلها مواضيع يرفضها المجتمع الذي قد يصل به الأمر إلى مقاطعة الفيلم.

وتحدث مجدي أحمد عن الرقابة المهنية، التي يمارسها بعض المهنيين إذا ما تم التطرق للفاسدين منهم في فيلم ما، حيث يثورون و يرفعون قضايا ضد الفيلم الذي يعتبرون أنه يستهدفهم كمهنيين (أطباء، محامون..)

كما أشار إلى العدد الهائل للسيناريوهات التي منعت و التي لم يسمع لها أي صدى، حيث تتجاوز بكثير الأفلام الممنوعة من العرض.

بشأن الحلول قال المخرج إننا في حاجة إلى رقابة مهنية، مثل أن يكون هناك اتحاد لنقابات مهنيي السينما توكل له مسألة رقابة الأفلام مع استفادته من حصانة الدولة ضد كل أشكال الرقابة المجتمعية كيف ما كان مصدرها.

ومن جهتها قالت الصحافية الفرنسية و المهتمة بالسينما كاترين رييال إن هناك تراجع كبير في السينما الفرنسية خلال السنوات العشرين الأخيرة، و التي أرجعتها المتأهلة إلى عاملين أساسيين أولهما : الولوج إلى معاهد مهن التلفزيون و السينما و التي أضحت حكرا على أبناء الطبقة البورجوازية، حيث لم يعد ممكنا لأبناء الطبقات الفقيرة ولوجها، وهو ما لم يكن من قبل، خلال فترة كان هناك مخرجون جزائريون ومغاربة استطاعوا صناعة أفلام حول الأحياء الهامشية.

و أضافت أن التمويل السينمائي اصبح حكرا على التلفزيون الوطني (F2 و F3) و المنصات الكبرى (‬كنال +)، حيث أن هذه المنصات الكبرى تفرض على المخرجين المواضيع أو النماذج التي ينبغي اتباعها وهو نوع من الرقابة.

كما أبدت المتدخلة أسفها عما أسمته موت سينما المؤلف بسبب عدم تجديدها من خلال تناول مواضيع معاصرة، حيث أصبح من الصعب تتبع ما يقع في الهامش، و نفس الشيء بالنسبة لليمين المتطرف، موضحة أن الأفلام التي أخرجت قبل عشرين سنة متقدمة على أفلام اليوم، علما أن فرنسا لها ترسانة قانونية و موارد مالية تؤهلها لصناعة أفلام أكثر جودة.

 

About Post Author