ثريا إقبال : الذكورة و الأنوثة بعدان ضروريان لاكتمال الذات الإنسانية
مغربيات
أكدت ثريا إقبال الباحثة و الشاعرة المغربية أن النساء هن أكثر ميلا لكل ما هو روحاني و ماوراء عقلاني مقارنة بالرجال الذين يميلون أكثر للعقل، مستدلة بما جاء في سورة الأحزاب “إن المسلمين و المسلمات و المؤمنين و المؤمنات و القانتين و القانتات و الصادقين و الصادقات و الصابرين و الصابرات و الخاشعين و الخاشعات و المتصدقين و المتصدقات و الصائمين و الصائمات و الحافظين فروجهم و الحافظات و الذاكرين الله كثيرا و الذاكرات أعد الله لهم مغفرة و أجرا عظيما“.
و فسرت ثريا إقبال ما جاء في الآية، خلال الندوة الختامية للموسم الثقافي و العلمي ل“مؤسسة الدراسات و الأبحاث التهامي الخياري“ل2021 ضمن محور “السوسيولوجيا و المجتمع : الأنسنة و النوع الاجتماعي“ في موضوع “الأنوثة و الروحانيات“ التي حضرها ثلة من المثقفين و المهتمين بقضايا النوع الاجتماعي و التصوف، مساء أمس الأربعاء بالرباط، بكون ما ورد فيها “و الذاكرين الله كثيرا و الذاكرات“ يوحي بأن الرجال هم أكثر ذكرا لله من النساء، غير أن بعض المفسرين و من بينهم الشيخ الأكبر محيي الدين بن عربي و الإمام الجنيد، فسروا الأمر عكس ما توحي به الآية، حيث اعتبروا أن الذكر الكثير اقترن بالرجال “و الذاكرين لله كثيرا“ على خلاف النساء “و الذاكرات“ فقط دون اقترانهن بالكثرة في الآية الكريمة، جاء لأن الرجال في حاجة إلى الإكثار من الذكر لبلوغ مرتبة النساء فيه، حيث أن النساء هن أكثر ذكرا من الرجال بطبيعتهن، لذلك قال تعالى “و الذاكرين الله كثيرا و الذاكرات“، لأن المرأة أكثر قربا من كل ما هو ميتافيزيقي و لا مرئي و ماوراء العقل، بينما الرجل يحتكم أكثر للعقل.
وقالت الباحثة أن هناك العديد من الآيات القرآنية التي تفسر من الظاهر بعكس ما يوجد بها في الباطن فيما يخص النظرة للأنثى أو المرأة، مؤكدة أن معجزة القرآن الكريم تكمن في القراءات المتعددة لمضامينه، و التي تنكشف كل مرة بشكل جديد حسب وضعية و استعداد كل منا لاستنباط هذه المضامين، مستدلة بما يقوله المتصوفون العارفون بالله “الإمداد يكون على قدر الاستعداد”.
و عن الحاجة للعقل و القلب قالت المتدخلة إن الإثنين ضروريين، لأن القلب يرى الحقائق في أبعادها المتعددة (360 درجة) بينما العقل يفرض أن يضع الإنسان رجله على الأرض و يرى الحقيقة من زاوية واحدة، و لذلك فداخل كل إنسان هناك الجانب الذكوري الذي يعتمد على العقل و الجانب الأنثوي الذي يرى بالقلب.
و قالت إن هناك كنزا خفيا داخل كل إنسان هو الجانب الروحي الذي يحتاج كل منا أن نسكن إليه في فترة من الفترات و هو مرتبط بالأنثى فينا التي تميل أكثر للاستقرار و الغوص في الذات، بينما الجانب الذكوري هو ذاك الذي يميل دائما للفعل الخارجي، وهو ما أبانت عنه فترة الحجر الصحي التي مررنا بها، حيث الأشخاص الذين يغلب عليهم الجانب الذكوري المرتبط بالخروج و الفعل وجدوا صعوبة في التأقلم مع الوضع، سواء كانوا رجالا أو نساءا، مقارنة بالأشخاص الذين تمكنوا من الغوص في دواخلهم و البحث عن الكنز الكامن في النفس البشرية، الذي يحتاج الإنسان إلى أن يخترق مناطق مظلمة في داخلة للكشف عنها حتى يتمكن من المصالحة مع الجانب الذكوري و الأنثوي في داخله، و خلق التوازن مع الجانب المادي و اللامادي و بين الداخل و الخارج، وهم الذين قضوا فترة الحجر بسلاسة.
وأكدت ثريا إقبال على ضرورة تغذية الروح و القلب بكل ما هو لامادي، حيث أن الجري وراء تغذية القلب بكل ماهو مادي لن يزيد إلا من تعميق الحاجة لما هو روحاني، مستدلة في ذلك بقول الرسول صلى الله عليه وسلم حين كان يدعو الصحابة لقراءة بعض الآيات القرآنية بعبارة “هلموا إلى المأدبة“، لأنه فعلا كان يراها مأدبة، كونها تتيح تذوقا معرفيا و روحيا للقلب، معتبرة أن هناك علم الأوراق الذي يعتمد على العلم وهو على أية حال ضروري و يمكنه أن يقدم أشياء مادية جميلة و ضرورية في الحياة، لكن في المقابل هناك علم الأذواق الذي يرتبط بكل ما هو روحاني و لامادي، مستدلة بقول الشيخ محيي الدين بن عربي “لقد أفلح من حار فمن حار وَجَد و من وَجَد عَبَدَ و من عَبَد بَقَي و من بَقِي فَنَى و من فَنى جاز و من جاز فهو الأعلى وخير المجازاة الآنية وفيها الحيرة“، هذه الحيرة مهمة لكن ليس بمعنى الشك الديكارتي، بل لكونها مرتبطة بمعرفة الله عن طريق القلب.
وعن عدم ذكر البنات بشكل يوازي ذكر القرآن الكريم للبنين، قالت إقبال إن العارفين بالله يدركون أن العديد من الآيات القرآنية توحي في الظاهر عكس ما تبطن، إذا ما قرأناها بتمعن، فمثلا في سورة النحل نجد الآية التي تقول “وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة و رزقكم من الطيبات“. هنا ذكر “البنين” و لم يذكر “البنات“، غير أن العارفين بالله يفسرون أن المقصود ب“الطيبات“ هو “البنات“، أي رزقكم بفضل البنات. ثم هناك آية أخرى تقول “ المال و البنون زينة الحياة الدنيا و الباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا“. هنا تؤكد إقبال، المقصود ب“الباقيات الصالحات“ هن البنات، لأنه حتى في ثقافتنا نلاحظ أن البنات هن من يقمن برعاية الآباء في المرض و الشدة، قد يقوم بها حتى البنون لكنهم سيكونون في حاجة للمجهود للقيام بذلك، بينما البنات يقمن به بشكل فطري وغريزي.
و أضافت المتحدثة أن الهدف الأسمى من الحياة هو أن نعيش في سلام روحي مع أنفسنا ومع العالم، و أن هذا لن يتأتى إلا بالإيمان بأن هناك قوة كبيرة تتجاوزنا و نحن لسنا إلا امتدادا لها. وهذا السلام هو السكينة و الرجل و المرأة كلاهما في حاجة إليها بنفس القدر دون انتقاص أحد للآخر.
و اختتمت المتدخلة حديثها بما جاء في الفتوحات المكية للشيخ الأكبر محيي الدين بن عربي حين قال “استوحش في الجنة آدم لم يجد من يسكن إليه، لأن الأنس لا يكون إلا بالجنس فخلق الله حواء، أوجدها من آدم، فارقت بدنه وهي قطعة منه ، فظل حنينه إليها طوال أجيال الرجال، حنين الكل إلى جزئه المكمل لوجوده، وظل حنينها إليه طوال أجيال النساء، حنين الغريب المفارق لوطنه، وسيظل الرجل يشكو نقصانا ما لم ترجع أنثاه المفارقة إلى مكانها من البدن ذاته، وستظل المرأة تشكو غربتها إن خرجت وراء حدود رجلها“، مشيرة إلى أن ابن عربي يرى أن الإنسانية هي حقيقة الإنسان، وهي واحدة في الناس جميعاً، وهي الأصل، أما الذكورة والأنوثة فهما عارضان، كل واحد منهما بمثابة جملة صفات تناسب الذات.. فكل من كان في موقع المؤثر والفاعل فهو رجل وإن كان امرأة، و كل من استشرف المعرفة القلبية، فهو امرأة و إن كان رجلا، وكلاهما مكمل للآخر لتكتمل الذات الإنسانية.
تقديم هدية رمزية للباحثة ثريا إقبال
صورة تذكارية مع الحاضرين أثناء الندوة