المقاربة النسوية والعولمة البديلة
لقد طرحت على الساحة الدولية في الآونة الأخيرة مقاربات بديلة من أجل تمكين المرأة وإدماجها الفعلي في صياغة السياسات العامة للدول وتنفيذها بما يحقق العدالة التوزيعية وتحقيق التوازن الجندري، ومن أهم البدائل التي ركزت عليها هناك التمكين السياسي والاجتماعي للنساء وتبني اقتصاديات الرعاية المحلية التي تعتبر من ضمن الاتجاهات النسوية حول العولمة البديلة، وهو ما سيتم تناوله في هذه الورقة.
الاتجاهات النسوية حول العولمة البديلة
على ضوء التمكين السياسي والاجتماعي الذي يدخل ضمن الاتجاهات النسوية حول العولمة البديلة تم وضع قضية النهوض بالمرأة وتمكينها كأحد الأولويات على جدول أعمال دول العالم في نهاية القرن العشرين استعدادا لاستقبال القرن الحادي والعشرين، ويعتبر التمكين مدخل من المداخيل المستعملة من قبل الدول لإدماج المرأة في التنمية، وهو مدخل حديث مصاغ من نساء دول العالم يهدف إلى تمكين المرأة من خلال الاعتماد على النفس عن طريق الثقافة والتعليم والعمل والتوظيف والقضاء على كل أنواع تبعية المرأة واستكانتها اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا، ولذلك يعتبر من أهم المناهج الأكثر تداولا وإتباعا في الوقت الحاضر.
وجدير بالذكر أن قضايا المرأة حازت على اهتمام واسع لاسيما على المستويين المحلي والعالمي، إذ تركزت جهود الاهتمام على قضايا تمكين المرأة اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا، باعتبار أنها تتحمل العبء الأكبر من التنمية المجتمعية، فنجاح برامج التنمية واستدامتها يرتبط بمشاركة العنصر البشري وحسن إعداده وتأهيله، كما تبقى للشراكة بين الدولة والمجتمع المدني أهمية كبرى لتحقيق التمكين الكامل والشامل للمرأة، وفي هذا الإطار عرف صندوق الأمم المتحدة الإنمائي للمرأة مصطلح “تمكين المرأة” على أنه توفير أكبر فرص لهذه الأخيرة للحصول على الموارد والتحكم في المجتمع، أي أن التمكين هو مشاركة المرأة مشاركة حقيقية في صنع القرارات والسياسات المتعلقة بحياتها.
كما أن التمكين السياسي والاقتصادي وكذا الاجتماعي للمرأة يمكن من القضاء على كل مظاهر التمييز ضدها من خلال توفير آليات تساهم في تقوية قدراتها والاعتماد على الذات بحيث يسعى التمكين هنا إلى تمليك النساء لعناصر القوة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية بهدف تمكينهن من التأثير في العملية التنموية.
تمثل المشاركة المتزايدة للنساء في العمل السياسي عاملا ً محوريا للارتقاء بالمساواة بين الجنسين وتمكين النساء، فالمرأة المشاركة في العمل السياسي تدافع أكثر عن حقوق النساء والأطفال والأسرة،وتكمن أهمية المشاركة السياسية للمرأة في المستويات المختلفة لصنع واتخاذ القرار، في كونها تتيح للنساء التواجد بشكل فعال في تخطيط السياسات العمومية وتوجيهها بشكل يخدم المساواة والإنصاف ليس بين الجنسين فحسب بل بين جميع المواطنين والمواطنات بشكل عام.
ترتبط مسألة تمكين المرأة بالسياسات العامة في مجال التعليم والصحة والعمل والقوانين المتعلقة بالأسرة، إضافة إلى أن زيادة تمثيل المرأة في مؤسسات صنع القرار كان لها أثر في تبني سياسات تدعم المساواة النوعية وتعزز من الوضع الاقتصادي والاجتماعي للمرأة في كثير من بلدان العالم، حيث أن قضية تعزيز المشاركة السياسية للنساء ليست قضية ذات أبعاد قانونية وسياسية فحسب لكنها انعكاس لأوضاع اقتصادية واجتماعية و ثقافية.
وفي نفس الصدد تعتبر اقتصاديات الرعاية المحلية كذلك أحد أهم الاتجاهات للحركة النسوية بخصوص العولمة البديلة والجدير بالذكر أن هذه الحركة في إطار المقاربة الجندرية تعتبر أن الاقتصاد الاجتماعي حلا عادلا لها وعليه فإن الرؤية النسوية التضامنية لاقتصاد بديل وحدها كفيلة بإنهاء الانتهاكات والاستغلال الناتج عن اقتصاد السوق، هذا النظام الذي يعطي قيمة أعلى لدور الرجل في عملية الإنتاج في حين يقتصر الدور الإنتاجي للمرأة في عملية إعادة إنتاج القوى العاملة وصيانتها وتشتمل على مسؤولية المرأة داخل المنزل.
لقد تركزت الكثير من الأبحاث الاقتصادية للحركة النسوية على الموضوعات التي تم إهمالها، مثل أعمال الرعاية، أو النظريات الاقتصادية التي يمكن تحسينها من خلال دمج أفضل للتأثيرات والتفاعلات بين الجنسين، مثل الأجور المدفوعة وغير المدفوعة في قطاعات الاقتصاد، في حين ركز الاقتصاد التقليدي على الأسواق والأفكار المرتبطة بالذكور المتمثلة في الاستقلالية والتجرد والمنطق.
تتيح المقاربة الجندرية فرصة حيوية لصياغة رؤى جديدة و سياسات بديلة للاقتصاد حتى تضع العدالة الاجتماعية في مركز الصدارة، وفضلا عن ذلك يمثل التمكين الاقتصادي للنساء في مجال الاقتصاد الاجتماعي والتضامني أحد الوسائل الأساسية لمواجهة الفقر، وبالتالي تحسين المستوى المعيشي للمجتمع ككل، وبناء عليه فتمكين النساء لا يتوقف على محاربة الفقر بل يرتبط تحقيق ذلك بالعديد من الجوانب التشريعية والتنظيمية التي تلعب الدولة الدور الرئيسي في توفيرها وتفعيلها، واستنادا على ذلك فقد ارتبطت الديمقراطية بمسألة التنمية والمساواة، بحيث لا يمكن تحقيق التمكين الاقتصادي إلا ببناء إطار سياسي ديمقراطي اجتماعي أساسه قوانين تعزز المساواة و تضمن المشاركة السياسية للنساء. وجدير بالذكر أن خدمات الرعاية المدفوعة الأجر يمكن أن تصبح مصدرا مهما لتوظيف المرأة، ولابد من التأكيد على أن الاقتصاد الاجتماعي والتضامني يعد مجالا للحديث عن خصوصية قضايا العاملات و إطارا لتكريس قيم تتماشى مع ما يطالب به تيار النسوية فيما يتعلق بالاستقلالية الاقتصادية.
ظهرت مبادرات عديدة للاتجاه النسوي في ظل المقاربة الجندرية للمطالبة بتمكين المرأة سياسيا واجتماعيا وإيجاد بدائل اقتصادية في إطار اقتصاد الرعاية المحلية مناهضة بذلك للاقتصاد النيوليبرالي، مع الدعوة للمساواة بين الرجال والنساء وتحقيق العدالة الاجتماعية، حيث ركز الاقتصاد الاجتماعي على الفئات المقصية من دائرة الإنتاج الاقتصادي النيوليبرالي، كما شكلت الأزمات الاجتماعية المرافقة للأزمات التي شهدها الاقتصاد النيوليبرالي والمبنية على التقسيم الجنسي للعمل أحد الأسباب المهمة لجعل الاقتصاد الاجتماعي حلا بديلا للاقتصاد السوق، ومن البديهي أن يخلق هذا الأخير فرصا مستقرة للعمل على أساس أن يتم الاشتغال على السياسات العامة و إصدار قوانين تضع حدا لهشاشة العمل، على أن يدرج الاقتصاد الاجتماعي والتضامني قضية النوع الاجتماعي حتى يضمن المساواة المهنية و يضع حدا للهشاشة، مع ضمان الوصول إلى مراكز القرار في مؤسسات الاقتصاد الاجتماعي.
وتماشيا مع ما تم ذكره قدمت الحركة النسوية مفهوم جديد للاستقلالية والأمن الاقتصادي للنساء، وهنا نأتي على ذكر المسيرة العالمية للنساء ضد الفقر والعنف بالكيبيك 2008، فالاستقلالية الاقتصادية تتمثل في التمتع بالوسائل والثروات الاقتصادية في كل مراحل الحياة (العمل والدخل اللائق)، ويعتبر هذا المفهوم شامل لأنه يتأسس على حق مرتبط ببقية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية كالحق في الصحة وفي التعليم وفي السكن اللائق والبيئة السليمة والمواطنة بعيدا عن العنف والتمييز والإقصاء والتهميش.
بشرى القاسمي باحثة في العلاقات الدولية بالمغرب