المجتمع المدني والديمقراطية في عصر شبكات التواصل الاجتماعي (2/2)
2- المجتمع المدني و شبكات التواصل الاجتماعي في الولايات المتحدة الأمريكية
يرى أكرم إلياس الخبير في الشبكات الثقافية و السياسية الأمريكية، أن المجتمع المدني يلعب دورا أساسيا وجوهريا في بلورة السياسات العمومية، لأن الآباء المؤسسين للولايات المتحدة الأمريكية قرروا منذ البداية الحد من سلطة الحكومة، ذلك أن “إعلان الاستقلال للولايات المتحدة الأمريكية ينص على ثلاثة حقوق : الحياة والحرية والسعي لتحقيق السعادة، و هذا ما يفسر كون الحكومة تتمتع بصلاحيات محدودة وإعطاء الفرد المزيد من الحرية للسعي إلى السعادة. تعطى للفرد في الدستور الأمريكي الأهمية وليس للأسرة أو الولاية أو الأمة، المهم هو الفرد. فكانت النتيجة أن الفرد هو مركز السياسات العمومية، لذلك يستخدم المجتمع المدني في هذا البلد شبكات التواصل الاجتماعي بشكل كبير لدمج جميع الفاعلين والأفراد في صنع السياسات ومراقبة ممارسة السلطة من قبل الحكومة.
وحسب أكرم إلياس، فالمجتمع المدني اهتم بالعديد من القضايا، وتوجد في الولايات المتحدة أكثر من 150.000 منظمة غير حكومية خاصة وغير ربحية تعمل في ميادين مختلفة؛ التعليم، والأنشطة الدينية، والأعمال الخيرية، وحقوق المرأة، وقضايا المهاجرين، وتنظيم المشاريع،…الخ. وطالما أن الهدف هو التعليم ورفع مستوى الوعي وتوعية الناس أو تقديم الخدمات يمكن لأية مجموعة من الأفراد تنظيم نفسها كمنظمة غير ربحية، ويمكنها الاستفادة من النظام الضريبي و من الامتيازات الضريبية.
لا يحتاج الناس في الولايات المتحدة الأمريكية إلى أي إذن لإنشاء جمعية. يمكن لشخصين إنشاء منظمة غير ربحية دون الحاجة للحصول على أي ترخيص. فالجمعيات يتم خلقها، ثم بعد ذلك يتم تسجيلها فقط للحصول على الامتيازات الضريبية، النتيجة أنه يمكن للمنظمات غير الحكومية والجمعيات أن تحكم بعض المجالات خارج إطار الحكومة. ومن التجارب الناجحة للمنظمات الغير حكومية الأمريكية نجد مثلا :
“ميديك موبايل” (Medic Mobile) مؤسسة غير ربحية تم خلقها من طرف عدد من الطلبة في جامعة ستانفورد ولويس وكلارك و ممرضين في مستشفى سانت غابرييل بعدما بدؤوا باستخدام تطبيق يسمى (Frontline SMS) للتنسيق فيما بينهم باستخدام التكنولوجيات الجديدة للإعلام والاتصال، ولا سيما الهواتف المحمولة للحد من المسافة بين المرضى والأطباء و لضمان الحق في الصحة لسكان المناطق الريفية وفي البلدان النامية. والنتيجة هي تقليص المسافة وتعزيز التواصل عن طريق الرسائل النصية. وقد وفر المستشفى ما يقرب من 2048 ساعة من وقت العمل، و 3000 دولار في توفير الوقود إضافة إلى نقص في التكاليف التشغيلية، وضاعف القدرة على علاج السل بحيث وصل عدد المرضى المستفيدين إلى 200 مريض كما ساعد هذا التطبيق على ضمان سهولة الوصول إلى الخدمات الصحية في المجال القروي وفي البلدان الأفريقية التي استفادت من هذه التجربة.
استخدام في التكنولوجيا الجديدة وشبكات التواصل الاجتماعي لضمان الخدمات الصحية للأفراد في المناطق النائية ليس فقط هو التجربة الفريدة الوحيدة التي نجدها في الولايات المتحدة الأمريكية بل إن هذه التكنولوجيات استخدمت أيضا لمحاربة الفقر، ونعرض هنا نموذج المنظمة غير الحكومية كيفا (KIVA).
– كيفا (KIVA): والهدف العام لهذه المنظمة غير حكومية هو مكافحة الفقر بتمكين الناس في جميع أنحاء العالم من الحصول على القروض الصغرى.وتتمثل مهمة هذه المنظمة في استخدام شبكات التواصل الاجتماعي لخلق علاقات و ضمان التواصل بين الناس، المقرضين و المقترضين عبر أنحاء العالم بحيث تستغل هذه المنظمة الانترنيت لخلق شبكة عالمية للأفراد و المؤسسات المانحة و تتيح للأفراد إقراض مبلغ لا يتجاوز 25 دولارًا أمريكيًا للمساعدة على خلق مشاريع مدرة للدخل في جميع أنحاء العالم. وتعمل هذه المنظمة غير الحكومية مع مؤسسات التمويل في خمس قارات لتقديم القروض الصغرى إلى الأشخاص الذين لا يمكنهم الاستفادة من النظم المصرفية التقليدية و تعتمد في القيام بمهمتها هذه على شبكة عالمية تضم أكثر من 450 متطوعا.
معهد الأقليات و الاقتصاد و التنمية في ولاية كارولينا الشمالية: والهدف الأساسي لهذا المعهد هو تعزيز الاكتفاء الذاتي الاقتصادي لجميع نساء ولاية كارولينا الشمالية من خلال تنظيم المشاريع وزيادة عدد المقاولات النسائية ومعدل نجاحها من خلال مساعدتهن على الحصول على التمويل و ذلك إنشاء العديد من المواقع الالكترونية تضم العديد من المعلومات لضمان دعم الفتيات في مجال ريادة الأعمال.
منظمة حقوق الإنسان أولا (Humanrights first): وبالنسبة لتاد ستاهنكي، مدير السياسات والبرامج في هذه المنظمة، فإن حماية حرية التعبير هي السبيل الوحيد لمكافحة التمييز والعنف ويعتبر أن شبكات التواصل الاجتماعي تعطي فرصا جيدة لممارسة حرية التعبير.وتستثمر منظمة “حقوق الإنسان أولا” هذه التكنولوجيات لتعبئة الأفراد وجميع الفاعلين في جميع أنحاء البلد للضغط من أجل التغيير التدريجي. إن مكافحة الفقر، وتوفير القروض الصغرى، وتمكين النساء المقاولات، والدفاع عن حقوق الإنسان، ليست المظهر الوحيد لمشاركة المجتمع المدني الأمريكي في البناء الديمقراطي باستخدام شبكات التواصل الاجتماعي بل يظهر استخدامه الواسع لهذه هده التكنولوجيات أيضا من خلال مشاركته الفعالة في وضع السياسات العمومية نذكر على سبيل المثال :
– منظمة كارولينا الشمالية للقضايا المشتركةCommon Cause North Carolina (CCNC):وهي منظمة غير حكومية وطنية و مستقلة موجودة في ولاية كارولينا الشمالية. تأسست من قبل جون غاردنر في18 أغسطس 1970. الهدف الأساسي لها هو التأثير على صنع القرار وإرساء الشفافية. في غضون ستة أشهر فقط بعد إنشائها انخرط في هذه المنظمة أكثر من 000 100 عضو، و هي تؤمن بضرورة حياد شبكة الانترنيت بحيث يجب أن يكون كل مستخدمي الانترنيت قادرين على الوصول إلى أي محتوى على شبكة الإنترنت ، ونشر المحتوى الخاص بهم، واستخدام التطبيقات التي يختارونها دون قيود. و قد ركزت هذه المنظمة على ثمان قضايا أساسية :
– توظيف المال في السياسة ظاهرة غير صحية و تؤثر سلبا على الديمقراطية:
فقد هيمن توظيف الأموال الكثيرة منذ فترة طويلة على الانتخابات في ولاية كارولينا الشمالية، وتفاقمت المشكلة منذ صدور حكم المحكمة العليا “مواطنون متحدون” في عام 2010، الذي سمح للشركات بإنفاق مبالغ غير محدودة من المال على الانتخابات. وفي حملة عام 2012، أنفقت الجماعات “المستقلة” حوالي بليون دولار، معظمها من أفراد وشركات مجهولين. المشكلة هنا في توظيف المال في السياسة لا تكمن في المبلغ الذي ينفق على الحملات بقدر ما تكمن في من يدفع للمنتخبين،وفي المقابل الذي يحصلون عليه، وكيف يؤثر ذلك على أولويات السياسة العامة والإنفاق. منظمة كارولينا الشمالية للقضايا المشتركة تعمل على فضح المصالح الخاصة لممولي الحملات الانتخابية و تعمل على تعزيز الإصلاحات القادرة على تحقيق الديمقراطية مع التركيز على أن القرار بيد الشعب.
– مساءلة الحكومة:
تعمل منظمة كارولينا الشمالية للقضايا المشتركة على جعل الحكومة خاضعة للمسائلة. جون غاردنر مؤسس المنظمة قال “نريد أن يكون لدى المسؤولين الحكوميين الملايين من المواطنين الأمريكيين يراقبون كل خطوة يقومون بها.” منذ عام 1970، عملت هذه المنظمة على ضمان تصرف المسؤولين الحكوميين لفائدة العموم وليس من أجل مصلحتهم الشخصية أو لصالح جهة خاصة قوية ومؤثرة.
وقد عملت المنظمة على تسليط الضوء على المسؤولين الحكوميين وجماعات الضغط الذين يفضلون العمل خلف أبواب مغلقة والإصرار على أن المسؤولين الحكوميين مقيدين بأعلى معايير السلوك الأخلاقي.
– الانتخاب والتصويت:
تشجيع التصويت وجعله سهلا وممكنا باستخدام شبكات التواصل الاجتماعي.
– الأخلاقيات في الحكم :
والسبيل الوحيد لضمان ذلك هو التقليل من تأثير المال الكبير و الذي يشكل تحدياً كبيراً للديمقراطية.
– مكتب أخلاقيات الكونغرس:
في 11 مارس 2008، مع تصويت 182 من أصل 229، وافق مجلس النواب على قانون إنشاء لجنة مستقلة من الحزبين من غير المشرعين للمساعدة في التحقيق في الممارسات اللاأخلاقية لأعضاء مجلس النواب. و قد انخرط في هذه العملية الآلاف من المواطنين و الناشطين لفضح هذه الممارسات عبر شبكات التواصل الاجتماعي.
– الريادة الصادقة والحكومة المنفتحة:
قانون الريادة الصادقة والحكومة المنفتحة، الذي سُن في 14 سبتمبر/أيلول 2007، هو قانون يعدل أجزاء من قانون الكشف عن لوبيات الضغط لعام 1995. يشجع على الكشف العلني عن أنشطة لوبيات الضغط والتمويل، ويضع المزيد من القيود على الهدايا الممنوحة لأعضاء الكونغرس وموظفيهم، و ينص على الكشف الإلزامي عن المخصصات في فواتير النفقات.
– وسائل الإعلام والديمقراطية:
وهنا تؤكد المنظمة على أن الحياد التام يحتاج إلى الحماية. وقد ساهمت شبكات التواصل الاجتماعي في خلق دينامية جديدة تماما بحيث أتاحت التكنولوجيات الجديدة المشاركة الفعالة في الديمقراطية.
– التعاون الدولي:
وهو ضروري لتبادل الخبرات مع الآخرين في أي مكان في العالم لهذا أنشأت منظمة كارولينا الشمالية للقضايا المشتركة صندوق التعليم المعني بالقضايا الدولية المشتركة في أيلول/سبتمبر 2008. وهو مشروع للمساعدة التقنية يهدف إلى تقاسم تجربة المنظمة وتعزيز التعاون الدولي فيما بين مجموعات المساءلة الحكومية. وهي تعمل أيضا مع منظمات لها نفس الأهداف في الديمقراطيات الناشئة التي تسعى إلى تعزيز دور المجتمع المدني كشريك في العملية الديمقراطية.
North Carolina Voters for Clean Elections Coalition- :
ائتلاف الناخبين في كارولينا الشمالية :
وهذه المنظمة هي في الواقع ائتلاف للناخبين بولاية كارولينا الشمالية يعمل من اجل ضمان انتخابات نظيفة بمعنى محاربة استخدام المال في الحملات الانتخابية لما له من تأثير سلبي على العملية الديمقراطية. و لتحقيق هذا الهدف تستثمر هذه المنظمة شبكات التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك وتويتر والمنصات وقواعد البيانات لضمان إجراء انتخابات نظيفة. هكذا، استثمرت المنظمة الكثير في تنظيم دورات تدريبية على كيفية استخدام شبكات التواصل الاجتماعي هذه لصالح الديمقراطية. ويشجع هذا الائتلاف على استخدام وسائل التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك وتويتر والمدونات من قبل الناخبين لفضح مظاهر الفساد أثناء الحملات الانتخابية.
تأسس ائتلاف الناخبين في كارولينا الشمالية من أجل انتخابات نظيفة في عام 1999، والهدف الرئيسي له هو تحسين الديمقراطية في ولاية كارولينا الشمالية من خلال وضع برنامج التمويل العام الطوعي للمرشحين الذين يكسبون ثقة الجمهور على مستوى الولايات.ومن شأن برنامج الانتخابات النظيفة أن يشجع المرشحين على رفض جميع التبرعات ذات الفائدة الخاصة، وأن يعتمدوا فقط على الناخبين للحصول على دعمهم.
إن استخدام المزيد من المال له تأثير سلبي على عملية الديمقراطية لكن التكلفة المرتفعة للحملات الانتخابية تدفع المرشحين إلى البحث عن التمويل، وتقريبا جميع التبرعات للحملة (90%) يأتي فقط من 1% من المتبرعين. لذا يقضي المرشحون الكثير من الوقت في جمع الأموال ووقت قليل للتفاعل مع الناخبين كما أن العديد من المرشحين المؤهلين مستبعدين بسبب ضعف التمويل.لهذا يقوم هذا الائتلاف باستخدام شبكات التواصل الاجتماعي لتعزيز الديمقراطية ويتعاون مع مؤسسات أخرى مثل اتحاد المعلمين واتحاد القوى الطلابية في ولاية كارولينا الشمالية.
تساعد شبكات التواصل الاجتماعي على الحفاظ على العلاقة بين المجتمع المدني والحكومة وهذه العلاقة أساسية للبناء الديمقراطي، في هذا الإطار يؤكد السيد ويد هندرسون أحد أعضاء منظمة “حقوق الإنسان أولا” أن وسائل الإعلام الحرة لها دور هام في عملية الديمقراطية، لأنها أفضل طريقة لمكافحة الفساد الذي هو عدو الديمقراطية فلا توجد ديمقراطية إذا كان هناك فساد.
خاتمة:
إن عرض بعض الاستنتاجات المستخلصة من النموذج الأمريكي والتي هي مجرد استنتاجات أولية باعتبار التجارب المحدودة التي تم عرضها في هذه الدراسة مع مراعاة اختلاف النموذج الأمريكي عن باقي البلدان يقودنا للتأكيد على أهمية شبكات التواصل الاجتماعي لتعزيز مشاركة المجتمع المدني في البناء الديمقراطي، لكن بالمقابل هناك العديد من التحديات المطروحة على هذا المستوى بالنسبة للدول النامية خصوصا.أهم هذه التحديات ضرورة التغلب على الفجوة الرقمية، وضرورة تأهيل المجتمع المدني في بلدان الجنوب وتعزيز قدرته على الانخراط في الثورة الرقمية.فارتقاء دور المجتمع المدني على المستوى المحلي والوطني والدولي رهين بمدى استخدامه لشبكات التواصل الاجتماعي ولأنظمتها الذكية، وهذا يعني ضرورة تأهيل الموارد البشرية من خلال، أولا، تسهيل وصولها
للإنترنت كما ينص على ذلك ميثاق حقوق الإنسان والمبادئ على شبكة الإنترنت.وثانيا،الاستثمار في الدورات التدريبية لتقوية قدرات أعضاء المجتمع المدني في مجال تكنولوجيا الإعلام و الاتصال و الثقافة الرقمية بل و التعامل مع الأنظمة الذكية و الروبوتات.
يعمل المجتمع المدني في بعض البلدان على نحو أفضل من الحكومة، وهو أكثر انخراطا في المسار الديمقراطي من الدولة. لذا، وبالنظر إلى التحديات الداخلية التي تفرضها أهداف التنمية المستدامة والتحديات الخارجية التي تفرضها العولمة والعولمة التكنولوجية، فإن التعاون بين المجتمع المدني والحكومة ليس خياراً بل هو ضرورة.وفي هذا السياق، من المهم اعتبار النموذج الأمريكي نقطةَ انطلاق لفهم أهمية العلاقة بين المجتمع المدني والحكومة لتحقيق الديمقراطية. وقد أثبت الواقع وفي بلدان عديدة أن المجتمع المدني يساهم بشكل كبير في طرح الحلول للعديد من القضايا التي هي في الواقع مسؤولية الدولة، مثل: التعليم، ومكافحة الفقر، وضمان الوصول إلى الخدمات الصحية وغيرها من القضايا. لذلك، فإنه ليس من الصعب إحداث التغيير للأفضل لاسيما مع الفرص الجديدة التي توفرها التكنولوجيا، مع العلم أن قوة المجتمع المدني تكمن في عدد المتطوعين الذين يكرّسون الوقت لمساعدة الآخرين. و بالنظر إلى دور الموارد البشرية في عملية التغيير، يمثل المتقاعدون قوة بشرية يمكن استثمارها من أجل التنمية، لهذا من الضروري تشجيع إشراك هؤلاء الأشخاص الذين يملكون العديد من المهارات والخبرة الطويلة في البناء الديمقراطي.
في نفس الإطار يعتبرخلق روح المواطنة لدى الأفراد اللبنة الأساسية لضمان المشاركة الفعالة للمواطنين في البناء الديمقراطي وهنا يأتي دور التعليم، فتحقيق الديمقراطية والتنمية ليست مسؤولية الحكومة لوحدها بل هي مسؤولية المدارس والجامعات والأسرة والبيئة الاجتماعية التي ينشا فيها الفرد.والمجتمع المدني شريك على قدم المساواة في العملية الديمقراطية التي تبدأ بضمان انتخابات نظيفة. في هذا السياق يؤكد البروفيسور روبرت
سميث، ممثل المركز الدولي لدراسات جيفرسون، أننا بحاجة لفهم الديمقراطية، علينا أن نفهم السلطة وممارسة السلطة. لهذا السبب أمضى الأميركيون الكثير من الوقت في قراءة الدستور وفهم الحقوق الواردة فيه، ولهذا يجب على الحكومة والمجتمع المدني التركيز على الفهم الجيد للدستور من جانب المواطنين ليحكموا أنفسهم بأنفسهم. هذه هي الديمقراطية التي تحدث عنها توماس جيفرسون. الحكومات الديمقراطية يجب أن تكون قادرة على تعبئة الأفراد الذين يشكلون قوة عامة، لأن هذه القوة العامة هي التي أضفت الشرعية على الحكومة.
إن تعزيز دور المجتمع المدني في عملية الديمقراطية يبدأ بتكوين مواطن يشارك بفعالية في العملية الديمقراطية، هنا يأتي دور المؤسسات التعليمية التي يجب أن تعمل على خلق روح المواطنة لدى المتعلمين وجلب الديمقراطية للأقسام وإشراك الآباء و باقي الفاعلين في بناء المواطن مع ما يقتضيه ذلك من أهداف محددة تعمل المؤسسات التعليمية على تحقيقها دون إغفال ضرورة إعادة النظر في العلاقة بين المعلم والمتعلم التي يجب أن تبنى على الاحترام المتبادل والمساواة بينهما في الأنشطة لما لذلك من تأثير ايجابي على العملية التعليمية. في هذا السياق تؤكد ليزلي غرين بومان، رئيسة مؤسسة توماس جيفرسون، “إن جميع الشركاء في الدائرة الرئاسية يفهمون قوة المكان“، وهي تقصد دور وادي السيليكون في صناعة الأفكار الأمريكية حول الديمقراطية وفي خلق مجتمع مدني يشارك بفعالية وتكوين المفكرين بدءا من جيفرسون وماديسون ومونرو والاستمرار اليوم مع مجموعة هامة من كبار العلماء والخبراء في أميركا إلى غير ذلك من القضايا ذات الصلة بالبناء الديمقراطي.
وترتهن الديمقراطية أيضا بالمساواة بين الأفراد، وهذا يحيل على أهمية تمكين النساء، الذي يجب أن يدرج في جميع السياسات العمومية كهدف رئيسي، وخاصة في السياسات التعليمية، لأن المساواة التي هي الهدف الرئيسي للتمكين يبدأ تحقيقها من البرامج التعليمية. في هذه الحالة، من الضروري إنشاء برنامج استراتيجي يركز على تنفيذ تدريب تشاركي مرن وميسر لعدد متزايد من منظمات المجتمع المدني والنساء على مستوى القاعدة الشعبية حتى يتمكن من تولي القيادة والمساهمة في عملية إرساء الديمقراطية في بلدهن.
الدكتورة فاطمة رومات :
أستاذة العلاقات الدولية بجامعة محمد الخامس، كلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية أكدال– الرباط.
رئيسة المعهد الدولي للبحث العلمي بمراكش.
عضو مجموعة الخبراء الذين تم تعيينهم من طرف اليونسكو لانجاز التوصية حول أخلافيات الذكاء الاصطناعي.