الكاتب عزيز الشدادي : “سفر في الوجوه” هي رسم للوجوه بالكلمات
أجرى الحوار : هشام كنيش
بمناسبة الإصدار الأدبي الجديد للكاتب عزيز الشدادي الموسوم ب: “سفر في الوجوه” (2024) عن “الدار المغربية العربية للنشر” بالرباط.، “مغربيات” التقت الكاتب عزيز الشدادي، على هامش المعرض الدولي للكتاب بالرباط في نسخته 29، و أجرت معه الحوار التالي...
مغربيات : بداية، من هو الكاتب عزيز الشدادي؟
أنا من مواليد مدينة القنيطرة. كبرت فيها ودرست بها، تخصصت في الأدب الفرنسي بجامعة ابن طفيل الذي فتح لي آفاقا كبيرة في الاطلاع على ثقافة الآخر ومعرفة طريقة تفكيره إضافة إلى دراسة المناهج النقدية وأسس تحليل الخطاب. قرأت نصوصا عديدة خاصة الأدب الكلاسيكي الفرنسي وكان عندي ميل شديد للأدب المغاربي المكتوب بالفرنسية. بعد ذلك درست علوم النشر بجامعة محمد الخامس (الرباط) ووصلت إلى مرحلة زاوجت فيها بين التكوينين واستطعت فيها أن أنتج نصي، نصي الشخصي، بعد أن أيقنت أني أملك من اللغة ما يكفي لأخلق عملا إبداعيا أدبيا يحمل نظرتي إلى العالم. أما الأسلوب وطريقة السرد فهما اللذان يحققان خصوصية وتفرد النص الأدبي الإبداعي، هي مسألة فردية تختلف من كاتب لآخر. هكذا أصدرت رواية ” أستاذ على السفح” سنة 2005 تبعها عمل آخر يدخل في إطار أدب الرحلة “صيف الوصل بالأندلس” سنة 2018. بموازاة مع هذه الإصدارات نشرت ثلاثة نصوص سردية باللغة الفرنسية. حاليا أشتغل أستاذا للغة الفرنسية.
كيف يمكنكم أن تقدموا لنا رواية “سفر في الوجوه” في كلمات؟
كتبت هذا العمل وأنا أقول لنفسي أنه غير قابل للتصنيف، فهو مجموعة رسوم لوجوه مختلفة نجدها في حياتنا اليومية، ربما نصطدم بها. كل وجه أنسج منه قصة، قصته الممكنة، المحتملة، التي تولد من رحم اللحظة، لحظة الرؤية، فأقفز على لحظة الرؤية بالكتابة عنها وذلك هو الرهان: رسم الوجوه بالكلمات، لكني تنبهت أن ما أقوم هو عملية تفكيك ملامح تلك الوجوه التي أصادفها والتي اعتقدت أنها منقبضة وغير قابلة لعملية تسريح. ربما هذا ما يفسر قوة الكتابة باعتبارها القدرة على التقاط التفاصيل، لهذا قيل “ليست كل عين ترى“.
ماهي تقنية الكتابة المعتمدة في هذا العمل الإبداعي؟
مثل كل لوحة فنية في علاقتها مع الألوان، هناك نصوص/وجوه ملآى بالكلمات، عطشى للغة ولها مساحة للتعبير لتكون مقنعة ومتطابقة مع رؤية/نظرة الرسام. في حين هناك نصوص/وجوه تكفيها قليل مفردات للبوح لتشكل صورة الوجه المرغوبة لكي تعرف إلى أي لحظة كانت تشير عقارب الزمن عندما توقفت عند ذاك الوجه. ربما هذا في، نظري، ما يشكل خصوصية الكاتب، فممارسة عملية الكتابة تقتضي أن يكون الكاتب شاهدا عينيا، شاهد على نفسك أولا في لحظة زمنية معينة، تقدمها، تسائلها تفضحها، تعري مواقفك وأفكارك، وشاهد أيضا على الآخرين، على الواقع، على التاريخ، على اللحظة، على المكان.
أين تصنفون الكتابة في علاقتها بالإبداع بشكل عام؟
الكتابة هي لعبة مسلية لإعادة تركيب الواقع أو ما نراه وإعادة صياغته عن بعد. هي تمنح الفرصة للحلم وهو حافز ضروري للإنسان لكي يستطيع مواصلة حياته اليومية. هنا تكمن قوة الكتابة حيث تنبع من قدرتها على إعطاء الأشياء معنى آخر، مختلف، ربما يكون جديدا، ليوسع مجالات الرؤية. ليس هدف الكاتب تغيير العالم بل البحث عن المعنى بإرادة واعية حفاظا على جدوى الوجود. بهذا المفهوم تصبح الكتابة تمرين الحواس على التقاط الجانب الخفي والجميل واللافت في الذات والعالم.
ماذا تمثل لكم الكتابة؟
الكتابة بالنسبة لي فعل جدي، لهذا أتهيب دائما من النشر وأقضي وقتا طويلا في إعادة الكتابة وتغيير الأفكار والجمل. أنا في بحث دائم ومتواصل لكنه متعب وممتع عن عبارة جديدة وفكرة مختلفة ومتميزة، لهذا لا أميل إلى استسهال الكتابة. هي لعبة لغوية ورياضة فكرية تتطلب استعدادا نفسيا كبيرا. الكتابة شرفة أطل منها على العالم المحيط بي ثم أختصره على الورقة البيضاء. عندما أكتب، أطمح إلى التعبير عن ما أحسه من خلال رؤيتي الخاصة، لا أنقل الواقع كما أراه –أو يراه الآخر– لكي لا أسقط في التوثيق وإن كان الأدب في حد ذاته توثيق فني باللغة. ما يهمني هو ذلك التماهي مع الواقع لكن بعمق فكري وبخلفية معرفية تكسر الخط الفاصل بينه وبين الخيال بحيث يخيل للقارئ أن ما يقرأه حقيقي في حين هو تشكيل آخر، جديد، مختلف باللغة عن الواقع وما يحيط بنا، لهذا يقال الأدب كذب حقيقي. بصيغة أخرى الكتابة تدوير للعالم في شموليته من خلال عين الذات الكاتبة، يطرح الأسئلة ويدافع عن القيم الإنسانية.