الشاعرة نبيلة حماني : نكتب عن الجمال كلما انبلج قبس من نور في عالم أصبح أكثر قتامة

مغربيات 

تعد الشاعرة المغربية نبيلة حماني واحدة من الأصوات الشعرية التي استطاعت أن تفرض وجودها وتبصم تجربتها بالتنوع في شكل القصيدة، بين العمودي و التفعيلي ثم النثري‫.‬ صدر لها حتى الآن ست دواوين شعرية هي ‫:‬ ‫”‬تيه بين عرصات زمن مغتال‫“‬، ‫“‬ احتراق قي وريد الصمت‫“‬، ‫“‬مرايا من ماء‫“‬، ‫“‬لك أن تحيا في دمي‫“‬، ‫“‬ شظايا من رفات عاشقة‫“‬، ثم ‫“‬ اعتكاف في مقامات عاشقة‫“.‬ بالإضافة إلى كونها شاعرة، هي أيضا رئيسة مركز حقوق الناس بجهة فاس ـ مكناس و رئيسة معهد صروح للثقافة والإبداع“‫‬، كما تشتغل أستاذة للغة العربية بالتعليم الثانوي بفاس. 

“مغربيات” تواصلت مع الشاعرة نبيلة حماني للحديث عن تجربتها الشعرية وانخراطها في تشجيع الشباب على الاهتمام بالشعر..‬

مغربيات : متى بدأت علاقتك بالكتابة الشعرية؟ 

بداية أريد أن احيي تحية محبة وتقدير وشكر وامتنان لمجلة مغربياتولكل القائمات عليها على هذه الإضاءة الراقية وهذا الاهتمام بالإبداع والمبدعة المغربية , وبمناسبة عيد المرأة أنتهز هذه الفرصة لأوجه تحية عالية لكل النساء المغربيات في كل مكان ولكل نساء العالم متمنية لهن المزيد من التألق والنجاح والعطاء وتحقيق غد أفضل في كل المجالات

أما الحديث عن الإبداع , وأصناف الكتابة بالنسبة لي , قولي إني مغرمة بكتابة الشعروهذا ليس بالأمر المستجد بالنسبة لي , فقد كتبت منذ الطفولة محاولات عدة أعبر فيها عن ذاتي وعن مواضيع اجتماعية ووطنية وعاطفية , قد يكون ما شدني إليه هو هذا الخيال الجامح عندي ,وهذا التحليق في آفاق بعيدة , وهذه الجمالية في اللغة , إضافة إلى النصوص الشعرية التي كان المقرر الدراسي غنيا بها آنذاك, فقد درسنا لشعراء عدة من مختلف العصور ما زرع تلك الشتلة بالأعماق, فغدتها المطالعة الحرة, والإقبال النهم على الكتب, فهي هواية عندي وانطلاق في عوالم اللامحدود

صدر لك حتى الآن 6 دواوين شعرية. ألا تفكرين في كتابة القصة القصيرة أو الرواية مثلما يفعل بعض الشعراء أم ستبقين وفية لهذا الجنس الأدبي؟

فعلا لدي ألآن ستة دواوين مطبوعة , واثنين آخرين تحت الطبع وأتمنى أن استمر في الكتابة والعطاء الأدبي والشعري خاصة , وليس هذا معناه الانحصار في جنس أدبي دون آخر, فقد كتبت العديد من القصص بحب وإحساس , وامتياح من الواقع المشوب بتحليق في الخيال , كما كتبت بعض الدراسات النقدية لبعض النصوص الشعرية , وبعض المقالات ..لكن ما يستهويني أكثر وما يأخذني بشكل عميق ,هي الكتابة الشعرية , وقد كتبت في مختلف أصناف الشعر, إن كان شعرا عموديا أو تفعيليا أو قصيدة النثر أو ما اتفقنا على تسميته بالنثر الشاعري .. على اعتبار أني أجد الكتابة الشعرية فيها خيال أقوى وتحليق في عوالم الإنسان المكنونة , واختزال وتكثيف ولغة ولفظ ساحر, ما يؤكد أن اللغة العربية ثراء لا حد له , وجمالية مطلقة , وبحر من الذر المكنون الذي كلما غصت فيه , إلا وأدركت قدسية هذه اللغة , وغناها وجماليتها وانسيابها , ودفقها وقدرتها على التعبير بكل الدقة عن مختلف ما يمكن للإنسان أن يحسه , ويرغب في إيصاله ..

يقال إن الشعراء ضمير الأمة، هل ترين أن هذه المقولة لازالت تنطبق على عصرنا هذا؟ ماذا يمكن أن يفعله الشاعر لتغيير الواقع؟ 

بالنسبة لمقولة الشعراء ضمير الأمة وسفر حكمتها تظل بالنسبة لي قائمة وراسخة فالشعراء هم ذلك المنظار الراصد لكل حيثيات الحياة مهما تضاءلت ولم يلتفت إليها الآخرون .. يكتبون بصدق وإحساس ومشاعر تجلي الكوامن عن واقع الحياة في كل اتجاه , إن كان في الجانب الاجتماعي أو الثقافي أو الاقتصادي .. يؤرخون بصدق دون زيف ولا تزوير كما يرسخون القيم من سلم وأمن وتسامح وحرية وغيرها ,لذلك يظل الشاعر لسان حال المجتمع والراصد بعينه الثاقبة لكل تفاصيل عصره .

يقول جبران خليل جبران نحن أبناء الكآبة، نحن الشعراء و الموسيقيون و الأنبياءهل تتفقين معه؟ هل تكتبين الشعر من محبرة الكآبة؟ 

جبران خليل جبران الشاعر الفيلسوف أو الفيلسوف الشاعر كان يكتب بصدق وقوة إحساس , يجسد واقع الحياة و ويهيم في عوالم الخيال الجميلة كان يكتب انطلاقا من المعاناة , كما كل مبدع حقيقي , فالإبداع ينبلج من صدر المعاناة والوجع , ولا يمكن أن نكتب إلا إذا مس الموضوع دواخلنا وأعماقنا , فيتدفق الإحساس حروفا من الروح تنزف لتصل أرواح المتلقين , وتجد لها صدى ومرآة تعكس قوة الإحساس ومصداقيته وأنا أؤيد هذه المقولة وأحس أن كتاباتي تكون أكثر تأثيرا حين تلامس الروح , وتصف العمق , وتعكس المكنون ..

ليس معناه ألا نصف جماليات الحياة , أو الفرح فيها , بل أننا نعبر عن ذلك كلما انبلج قبس من نور, وهل هذا الفرح القليل في الوجود ..فالعالم أصبح أكثر قتامة وأكثر عسرا في ظل الجوع والحروب والأمراض والأوبئة والضغائن والأحقاد والمكائد نسال الله خيرا في القادم من الزمن ..

ماذا غير الشعر في شخصيتك؟

أما غير الشعر فهو العمل الجمعوي الذي من خلاله نعبر عن ذواتنا ونوصل من خلاله أفكارنا وندعم أهدافنا الثقافية والفكرية ونحاول التوعية والتحسيس بمجموعة من القضايا في المجتمع والحياة, فأنا رئيسة مركز حقوق الناس جهة فاس مكناسومن خلال ذلك أمارس مجموعة من الأنشطة التوعوية والتحسيسية إن كان مع الأطفال أو النساء أو الساكنة السجنية وغيرها

كما أني رئيسة معهد صروح للثقافة والإبداعالذي يضم ثلة من المبدعين والمثقفين ومن خلاله نعمل على إشاعة الإبداع والتحفيز عليه وتشجيع المبدعين الناشئين, وتكريم القامات الإبداعية التي تستحق , وغيره من الانشطة الثقافية والفكرية.

كيف ترين جيل الشعراء الحالي؟ هل هم قريبون من الشعر أم بعيدون عنه بمعناه العميق و رسالته النبيلة؟ 

الشعر بالنسبة لي إبداع , يتميز بالرقي والسمو والتمكن , وهو نافذة للانفتاح على العالم من أوسع الأبواب وسبيل إلى إشاعة الجمال , لذلك فنحن نسعى لأن نجعله بابا يقتحمه الشباب , ويقبل عليه وبالطبع تبقى الموهبة والرغبة أساسا في ذلك , وبالنسبة لي أرى الكثير من الشباب يقبلون عليه إذا ما أتيحت لهم الفرصة لذلك , ووجدوا من يساعدهم ويهتم بهم , وقد أنجزنا في معهد صروح للثقافة والإبداعبتنسيق معمديرية فاس للتربية والتكوين مهرجانا تلاميذيا بمشاركة 160 مؤسسة ثانوية على صعيد مدينة فاس وكان ناجحا جدا واكتشفنا فيه مواهب واعدة تحتاج للدعم والتحفيز ..

بم تتميز المرأة الشاعرة عن الرجل الشاعر؟ 

المرأة الشاعرة كالرجل الشاعر بالنسبة لي , فالكتابة والإبداع هو نفسه عند الرجل والمرأة , الإبداع لا جنس له , بل تبقى الموهبة والتمكن ودفق الإبداع هو ما يميز مبدعا عن آخر, بغض النظر عن جنسه ..وأنا من الذين لا يميزون بين كتابة نسائية وكتابة ذكورية, لأن الإنسان هو الإنسان لا تمييز ولا اختلاف ولا غيرية ..

ويظل الشعر هو الشعر, وهو أرقي أنواع الكتابة بالنسبة لي, لما فيه من دقة وسمو عمق وجمال .. وفي اعتباري يقاس سمو الأمم ومقدار تقدمها بعدد مبدعيها فكلما كان العدد كبيرا كلما كانت الأمة راقية متقدمة, وكلما تضاءل العدد , وكلما دل على تراجعها , ونحن والحمد لله في المغرب نعد من البلدان القوية المتقدمة بأدبائها ومبدعيها وبسمو كتاباتهم ..

نبيلة حماني في أحد اللقاءات الشعرية بمصر

About Post Author