الدكتور عبد الرحمان أيت يحيا : التعرض المفرط للشاشات خلال الحجر الصحي أدى لاضطرابات سلوكية لدى الأطفال (1‪/‬2)

مغربيات

يرى الدكتور عبد الرحمان أيت يحيا الأخصائي النفساني بالمستشفى الجامعي محمد السادس بمراكش أن تعرض الأطفال المفرط للشاشات خلال فترة الحجر الصحي أدى إلى اضطرابات في السلوك لديهم، كما أن التغيير الذي حصل على نمط عيش الأفراد و الذي أصبح يتسم بالضغوطات ‫(‬تنظيف، تعقيم، وضع الكمامة، غسل‫..)‬ بالإضافة إلى الخوف من المرض و من الجائحة و تبعاتها، خاصة الحالات التي اقترنت بوفاة بعض الأشخاص، و التتبع اليومي لعدد الإصابات و نسبة الوفيات، كلها عوامل ساهمت في ارتفاع حالات القلق و الاكتئاب لدى العديد من الأشخاص..

عن التأثيرات النفسية و آثار الجائحة و الحجر الصحي على السلوك الإنساني و نمط العيش يحدثنا الدكتور عبد الرحمان يحيا في الجزء الأول من الحوار الذي أجرته معه “مغربيات”..

مغربيات ‫:‬ سبق لمنظمة الصحة العالمية أن أعلنت أن جائحة كوفيد-19 كان لها أثر فادح على الصحة النفسية للأشخاص، خاصة بالنسبة للعاملين في الرعاية الصحية و في الخطوط الأمامية. أين تتجلى في نظركم هذه الآثار النفسية وماهي طبيعتها؟

بدون شك أن الأثر النفسي الكبير على الأطر الصحية كان بسبب الضغط المهني أولا، وكما هو معروف فإن أغلب العاملين في القطاع كانوا مضطرين للإقامة في فنادق و مراكز خاصة للإيواء، بعيدا عن أسرهم خوفا من نقل العدوى لأهاليهم‫، و بالتالي شكل هذا الظرف أثرا نفسيا مباشرا على الأطر الصحية بشكل عام. ‬ثم هناك عامل آخر كان له أثر نفسي كذلك، وهو الحرمان من إجازات العمل السنوية، حيث بسبب ضغط العمل الذي فرضته الجائحة، لم يتمكن أغلب العاملين بقطاع الصحة من الاستفادة من العطلة السنوية‫.‬ ثم لا ننسى أنه حتى بعد العودة للطقس العادي في العمل بعيدا عن كوفيد ـ19، وجد العاملون أنفسهم أمام تراكمات من المواعيد المتأخرة لفترات امتدت إلى 6 أشهر أو أكثر، عمليات جراحية كانت مؤجلة، فحوصات و تحاليل كان أصحابها ينتظرون مغادرة المصابين بكورونا الذين كانوا يملؤون أقسام المستشفيات، ليدتفقوا على المستشفيات‫ بعد ذلك، وهو ما أنهك الأطر الصحية التي تأثرت بشكل مباشر بهذه الظروف، خاصة بالنسبة للعاملين بالمراكز الاستشفائية الجامعية التي كانت تحاول تدارك هذه الفحوصات و العمليات التي تأجلت بسبب ظروف الجائحة.‬

لاشك أن مراحل الإغلاق التي نهجتها العديد من البلدان للحد من انتشار الوباء كان لها أثر على الأشخاص الذين يعانون أصلا من مشاكل نفسية، حيث تعذر عليهم متابعة العلاج أحيانا أو زاد الإغلاق من تفاقم الوضع لديهم. بِمَ تنصحون هؤلاء و المحيطين بهم في مثل هذه الظروف؟

لاشك أن الحجر الصحي الذي فرضته الجائحة، كانت له آثار سلبية كما كانت له آثار إيجابية كذلك‫.‬ هناك العديد من المدمنين الذي شفوا تماما من الإدمان على المخدرات التي كانوا يتعاطونها لصعوبة الوصول إليها بسبب ظروف الحجر، و بالتالي فقد شكل ذلك أثرا إيجابيا عليهم، ثم بالنسبة للآخرين الذين وجدوا صعوبة في الوصول إلى اللأطباء المعالجين، و بالتالي تعذر عليهم الحصول على الدواء، تفاقم وضعهم النفسي طبعا لكن بنسب قليلة. يبقى الاهتمام منصبا على هؤلاء الذين كانوا أشخاصا أسوياء و لم يكونوا يعانون من أية مشاكل نفسية، لكن وبسبب عوامل متعددة مثل فقدان العمل، البقاء في البيت لفترات طويلة، صعوبة الحصول على المواد المخدرة، كلها عوامل زادت من حدة الاضطرابات السلوكية لدى فئة من الناس، دون أن ننسى الاحتكاك المباشر بين أفراد الأسرة الواحدة، إذ بقدر ما شكلت فترة الحجر فرصة لدى فئة معينة من التقارب و إعادة النظر في نمط العيش و العلاقات بين الأفراد، بقدر ما شكلت لدى البعض الآخر فرصة للتحرش وبروز سلوكات تتسم بالعنف بشتى أنواعه : العنف الزوجي، العنف ضد الأطفال، ناهيك عن الإدمان على الوسائل الإلكترونية عند الصغار، وهذا يشكل في حد ذاته موضوعا مهما جدا‬، حيث أن أطفالنا كانوا عرضة للشاشات بشكل مفرط، خاصة أمام اعتماد التعلم عن بعد الذي نهجته المؤسسات التعليمية، و الذي شكل في جانبه الإيجابي اكتساب معارف و وتوسيع مدارك الأطفال، لكنه في جانبه السلبي أدى إلى احتكاكهم بشكل كبير بالشاشات ‫(‬هواتف ذكية، لوحات الكترونية‫..)‬، وهو ما خلف اضطرابات سلوكية، و إدمانا على الألعاب الاكترونية‫، و ‬كما هو متعارف فإن منظمة الصحة العالمية قد أدرجت الإدمان على الألعاب الاكترونية ضمن الإدمان السلوكي بشكل عام مثل القمار وغيره من أنواع الإدمان‫.‬

بِمَ تنصحون الآباء من أجل تصحيح هذا الوضع المضطرب الذي فرضته ظروف الحجر الصحي؟

للإجابة على هذا السؤال ينبغي التطرق أولا لعلاقة الآباء بأبنائهم‫.‬ يجب أن نعرف أن الولوج إلى الشاشة ينبغي أن يكون ممنوعا في سن معين‫.‬ في أقل من ثلاث سنوات لا ينصح بتاتا بترك الطفل عرضة للشاشة‫.‬ لأن هذه المرحلة تتسم بنمو الذكاء الحركي الحسي، و لذلك يستحسن أن يكون الطفل بعيدا عن الشاشات‫، حيث الملاحظ أن الأطفال الذين يتعرضون للشاشات في هذه المرحلة يصبحون عرضة للإصابة ببعض أنواع الإعاقات مثل التوحد. أغلب حالات الإعاقة التي نستقبلها في مركز محمد السادس للمعاقين هي نتيجة التعرض المبكر للشاشات لدى الصغار.بعد هذه المرحلة يمكن السماح بالاستعمال المقنن و المحدد بشروط معينة و صارمة، و لهدف معين إما تربويا أو تعليما ، يكون تحت إشراف الأبوين و المربين طبعا. بعيدا عن الولوج الحر و مشاهدة الأفلام مثلا وبرامج خارج إطار مراقبة الكبار. ‬

يعتقد البعض أن الطفل الذي يستعمل هذه الوسائل بشكل مبكر و متقن، فإن ذلك يزيد من ذكائه و قدراته على التفكير الجيد‫.‬ هل هذا صحيح؟

في بعض جوانبه، يبدو أن الطفل الذي يستعمل الوسائل الاكترونية و يستخدمها بشكل جيد، يبدو طفلا ذكيا، قد يكون ذلك صحيحا، إذا ما وضعناه في إطار هذا الاستعمال، أي أنه أمام الشاشة التي تعود عليها وعلى أسلوبها، يظهر انتباها كبيرا في حل بعض المسائل، لكن ما أن نخرجه من ذلك الإطار، في فضاء آخر بأبعاد مختلفة حتى يتشتت انتباهه ويبدو عاجزا عن الاستيعاب و الانتباه‫ .‬ إذن هذا الاستعمال للوسائل الالكترونية ينبغي أن يكون في حدود الحاجة وتحت إشراف الوالدين باستشارة مع المربين الأخصائيين بالمدرسة‫، تماما مثل الدواء، يحتاج دائما للمتابعة و استشارة المربين الأخصائيين‫.‬

بعض الدراسات التي تم نشرها بمجلة لانسيتالطبية الدولية في أكتوبر الماضي أشارت إلى ارتفاع حالات الاكتئاب  و اضطرابات القلق في أنحاء العالم بأكثر من الربع خلال سنة 2020. ماهو تقييمكم لهذا الوضع؟

أكيد أن التغيير الذي حصل على نمط عيش الأشخاص و الذي أصبح يتسم بالضغوطات ‫(‬تنظيف، تعقيم، وضع الكمامة، غسل‫..)‬ بالإضافة إلى الخوف من المرض و من الجائحة و تبعاتها، خاصة الحالات التي اقترنت بوفاة بعض الأشخاص ‫(‬ما يفوق 14900 حالة وفاة حسب آخر الأرقام المسجلة بالمغرب‫)‬ وهو ما يعني أن ما يفوق 14900 أسرة فقدت أحد أقربائها، ثم المتابعة اليومية لتطور الحالة الوبائية ‫:‬ عدد المصابين، نسبة الوفيات‫..‬كذلك الشأن بالنسبة للمجهول، أي أننا أمام وباء نجهل عنه الكثيرة، ثم هناك الفئات المرتبطة بشكل مباشر بالجائحة كأطر الصحة و رجال السلطة و الشرطة، و الذين كانوا مرتبطين بأسرهم مما شكل أثرا نفسيا عليهم وعلى أقربائهم‫.‬ كلها عوامل أدت حتما لارتفاع حالات الضغط النفسي  والإصابة بالاكتئاب لدى فئة من الناس‫ في جيمع أنحاء ‬العالم.

About Post Author