الحوز…نساء تروين معاناتهن داخل الخيام مع قساوة الطقس

مغربيات

 رغم مرور أزيد من سنة على الكارثة التي حلت بإقليم الحوز بسبب الزلزال الذي ضرب المنطقة في 8 شتنبر 2023، إلا أن لا شيء من الوعود التي تلقاها السكان بإعادة الإعمار و عودتهم إلى الحياة السابقة تحقق حتى الآن. 

بدوار تنصغارت بجماعة أسني التي تبعد عن مراكش بحوالي خمسين كيلومترا تتطلع نساء كغيرهن من النساء داخل العديد من الجماعات القروية بإقليم الحوز إلى السكن في بيوت جديدة تضمن لهن شروط العيش الكريم، فجميعها ضقن ذرعا بهذه الحياة الصعبة، خاصة بالنسبة لمنطقة جبلية كإقليم الحوز، حيث تنخفض درجات الحرارة بشكل كبير خلال فصل الشتاء و تصبح الحياة داخل خيمة مع تهاطل الأمطار أمرا لا يحتمل، في خيام تطفو فوق برك من الوحل.

بكثير من الحسرة و الألم و مرارة الفقد تستحضر نساء إقليم الحوز ما عايشنه من مآسي لازلن يتجرعن مرارتها رغم الوعود التي تلقينها بعودة الحياة إلى طبيعتها من قبل السلطات المحلية. منذ سنة تقريبا حين وجدن أنفسهن رفقة أطفالهن في العراء، قبل أن ينتقلن إلى الخيام أو في أفضل الحالات للحاويات ((منازل متنقلة التي تم تحويلها لمساكن مؤقتة من طرف جمعيات جاءت لتقديم المساعدات الإنسانية من داخل المغرب و خارجه.

على مشارف المخيم الواقع بدوار  تنصغارت بالجماعة القروية أسني وقفت الزوهرة غوانزرو إحدى الناجيات من الزلزال  تراقب الخراب الذي فتك بقريتها و حولها لمخيم ينتظر سكانها العودة إلى مساكنهم الجديدة. 

كل مساء تجتمع النساء بالقرب من المخيم المؤقت الذي يسويهن رفقة أطفالهن وهن يستعرضن ما مر عليهن طيلة سنة من المعاناة في ظروف عيش جد قاسية. 

تقول : رغم مرور  سنة على وعود الجهات المسؤولة بأن الحياة ستعود إلى سابق عهدها، و بأننا سنستأنف العيش في بيوتنا التي ستخضع للترميم و الإصلاح إلا أننا لازلنا هنا مرابطين في وسط الخيام التي لم تعد تسعا جميعا، حيث ننام نحن النساء وسط الأطفال داخل الخيام التي لا تحمينا من البرد. 

و تضيف : لازلنا نعيش ظروفا صعبة للغاية، خاصة بعد حلول فصل الشتاء الثاني بعد الكارثة. هنا التربة طينية و بعد هطول الأمطار تتحول المسالك المؤدية إلى الدوار إلى برك من الوحل، مما يصعب معه المرور خاصة بالنسبة للأطفال المتوجهين إلى المدرسة”. 

رغم الوعود التي تلقاها السكان بإعادة الإعمار و إعادة بناء البيوت المدمرة إلا أنهم لم يتسلموا بعد الرخص من أجل بناء المنازل و لأسباب لا يعلمها أحد. لم تجد استفسارات السكان للمسؤولين حول تعثر مشاريع البناء و إعادة الإعمار نفعا، فتارة يقال إن الأرض غير صالحة للبناء و تارة يقولون لهم ينبغي الانتظار لأن إعادة الإعمار تتطلب دراسة تقنية و مالية، بل إن حتى المبالغ و التعويضات المخصصة لعملية الإعمار لا تكفي حتى لعلميات الترميم. 

تؤكد إحدى المتضررات من الساكنة فاطمة يوزالين : كلما توجهنا للسلطات من أجل المطالبة بالرخصة لإعادة البناء نواجه بالرفض، كل واحد منا يتلقى جوابا يختلف عن الآخر، إما يخبروننا بأن الأرض التي شيد عليها البيت القديم غير صالحة للبناء أو أننا لا نستوفي الشروط الضرورية لكي نبدأ في ورش البناء دون إخبارنا بحقيقة هذه الشروط، وكلها أجوبة غير مفهومة و غير مقنعة لتستمر معاناتنا بالشكل الذي ترونه الآن”. 

لكل امرأة من الدوار حكاية مؤلمة مع الزلزال الذي دمر البيوت و المدارس و جعل حياة هؤلاء النساء صعبة و هن يقاومن البرد  في انتظار أن تعود الحياة كما كانت من قبل. إذ بالإضافة إلى ألم فقد الأقرباء تتولد النساء الخسائر التي يؤدين بشكل مباشر ثمنها. فهن المسؤولات عن إعداد الطعام و غسل الملابس و الاستحمام بالنسبة للأطفال وغيرها من المهام التي أصبحت شاقة في ظل الظروف الصعبة داخل المخيمات.   

تقول إحدى الناجيات حبيبة الوازي امرأة مسنة تعيش برفقة زوجها : قبل شهرين شبت النيران في خيمتنا و أصيب زوجي الظاعن في السن بحروق على مستوى رجليه، و لولا تدخل الجيران من شبان المخيم الذين هبوا لنجدتنا و أخمدوا النيران لكنا قضينا داخل الخيمة، خاصة و ان الوقت كان ليلا”. 

مكثت حبيبة رفقة زوجها في العراء لأيام قبل أن يتسلما خيمة جديدة من أحد المحسنين و هو المكان الذي يأويهما في ظروف لا إنسانية خاصة أمام تقدمهما بالعمر.

رغم روح التعايش و التعاون التي تسود داخل المخيم بين كل النازحين إليه، إلا أنهم يعانون بسبب صعوبة جلب المياه الصالحة للشرب وغياب المرافق الصحية، حيث تضطر أغلب النساء إلى التوجه لبيوتهن القديمة رغم خطورتها للاستحمام أو لغسل الملابس و غيرها من الأعمال التي يصعب القيام بها داخل المخيم. 

بدموع حارقة تحكي فاطمة ايت بن عبد الله عن معاناتها داخل الخيمة، وتقول : هنا في المخيم  لا ينقصنا شيء فالمساعدات الإنسانية تصلنا كل حين من مواد غذائية و أغطية و أفرشة و ملابس من طرف جمعيات تزورنا كل حين، لكننا نعاني داخل الخيام من قساوة البرد. بالنسبة لامرأة مسنة مثلي لم أعد أتحمل العيش في الخيمة بسبب البرد القارس في هذا الشتاء البارد، كما أنني لا أقوى على تحمل هذه الحياة الصعبة. نحتاج لبيوت جديدة تحمينا من البرد و توفر لنا أدنى شروط العيش الكريم، و نطالب المسؤولين بالوفاء بوعودهم لنا، فالمبالغ التي تلقاها بعضنا لا تكفي لإعادة بناء بيت جديد”. 

أغلب سكان القرية تسلموا مبلغا ماليا قدره عشرين ألف درهم، على أساس أن يتسلموا باقي المبلغ الذي التزمت به الدولة لمساعدتهم على إعادة بناء البيوت بتعويضات مالية قيمتها ثمانين ألف درهم للأسرة الواحدة، منذ أشهر، لكنهم لم يستلموا بقية المبلغ، مما أضطرهم إلى توقيف أشغال البناء، في حين أن البعض الآخر استثمروا الدفعة الأولى من المبلغ في ترميم بيوتهم و غادروا الخيام رغم خطورة الوضع.

و كانت الحكومة المغربية قد خصصت تمويلا يقدر بمليارين و نصف درهم من الصندوق الخاص بتدبير الآثار المترتبة على الزلزال من خلال تأهيل أزيد من ألف مدرسة و تأهيل 42 وحدة صحية  و كذلك إعادة بناء و ترميم المآثر التاريخية و المساجد و الزوايا و الأضرحة.

كما التزمت بصرف تعويضات للمتضررين بقيمة ألفي و خمسمائة درهم شهريا ابتداءا من كتوبر المنصرم إلى غاية اليوم، لكن أغلب المستفيدين لم يتمكنوا من إعادة بناء بيوتهم المنهارة أو إصلاح المتصدعة منها بسبب عدم تسلمهم للرخص المتعلقة بالبناء، وهو وضع تعيشه أغلب القرى بالجماعات الترابية التابعة لأقليم الحوز المتضرر من الزلزال. 

 

About Post Author