الحمية .. هوس النساء بالرشاقة

مغربيات 

تعمد العديد من النساء إلى اتباع نظام غذائي قاس للحصول على جسم رشيق، إذ في كل مرة يعتمدن خططا و أنظمة غذائية صارمة للتخلص من الوزن الزائد، دون معرفة ما إذا كان هذا النظام يتلاءم و وضعهن الصحي أم لا.

في الآونة الأخيرة أصبحت النساء أكثر هوسا بالحميات للتخلص من الوزن الزائد و التمتع بجسم رشيق، حتى باتت بعضهن تتبع كل ما يسقط بين يديها من وصفات تقليدية يتم تداولها بشكل كبير على مواقع التواصل الاجتماعي..

في الريبورتاج التالي قصص لنساء مع الحمية يروينها لمغربيات.. و رأي هاجر المفضلي الباحثة في علم الاجتماع فيالموضوع..

خلف كل امرأة رشيقة قصة حرب حقيقية مع الطعام. هي معركة مفتوحة على جميع الجبهات شعارها لا للوزن الزائد، وهدفها المنشود الحصول على جسم متناسق يشبه أجسام النجمات السينمائيات و المطربات العالميات..

حميات فاشلة

رغم المحاولات المتكررة التي قامت بها سعيدة (مستخدمة 45 سنة) للتخلص من الوزن الزائد إلا أنها في كل مرة بالكاد تخسر كيلوغرامين أو يزيد قليلا، حتى تستعيدهما في الأسبوع الموالي. لم تيأس من المحاولات المتكررة الفاشلة، و كلها أمل في أن تكسب الوزن المثالي الذي تتطلع إليه. تقول أحتفظ بالميزان عند مدخل البيت، فما إن ألج بيتي في المساء عند مغادرة العمل، حتى أنتصب فوقه وكلي أمل في أن أخسر بعض الوزن، إلا أنني أصاب بالإحباط في كل مرة، وهو ما يدفعني لحالة من الحزن، تتبعها شهية ذئب متلهف للطعام.

هي حالة تتكرر مع العديد من النساء، حيث كلما حرمت المرأة نفسها من الطعام، خاصة الأطباق التي تفضلها، إلا ووجدت نفسها في اليوم الموالي تقبل عليها بشكل كبير.

تحكي سعيدة أنها لم تنجح و لا مرة في فقدان الوزن كما ترغب وتشتهي، وفي الآونة الأخيرة أصبحت تشعر بآلام في ركبتيها، و عندما استشارت طبيبا، نصحها بالرياضة و إنقاص وزنها. تقول : كان الدافع في البداية الحصول على جسم متناسق ورشيق، لكن مع تقدمي في السن، أصبحت المسألة مرتبطة بالصحة، و بالتالي أصبح الأمر اضطراريا، ثم تضيف بالفعل انخرطت في نادي للرياضة، و قد استطعت أن أفقد عشرة كيلوغرامات من وزني، و الآن تحسنت صحتي ولم أعد أشعر بآلام الركبتين مثل السابق.

رشاقة دائمة

بالنسبة لفاطمة (ربة بيت 38 سنة) فإن الأمر مختلف تماما. فهي كلما لاحظت أنها اكتسبت بعض الوزن الزائد، اتبعت حمية صارمة، لتجد نفسها قد استعادت رشاقتها السابقة.

رغم كونها لا تمارس أي نوع من أنواع الرياضة، كما تؤكد، إلا أنها غالبا ما تتبع نظاما غذائيا صحيا، فطعامها خال تماما من السكر، وهي غالبا ما تتفادى تناول وجبة العشاء، خاصة و أنه أثناء الليل تقل حركتها وتخلد مبكرا للنوم.

تقول لا أذكر أنني مرة اكتسبت وزنا ملفتا، اللهم في فترات الحمل و بعد الولادة، لكني بفضل مراقبة الطعام الذي أتناوله سرعان ما استرجع رشاقتي المعهودة. أعتقد أن مسألة فقدان الوزن هي تختلف من سيدة لأخرى حسب شخصيتها و عزيمتها وجديتها في التعامل مع الأمر. أن تغير شيئا من عاداتك السابقة، لا سيما الطعام ليس بالأمر الهين، هناك أشخاص لا يقدرون على تغيير عاداتهم ، وهذا أصل الفشل في إنقاص الوزن لدى بعض السيدات.

متصالحة مع جسدي

بوزن زائد أو بدونه أنا منسجمة مع نفسي، ومتصالحة مع ذاتيشعار أتخذته سمية (خبيرة تجميل 52 سنة). تقول لا يهمني أن أكسب بعض الوزن أو أفقده. آكل كما أشتهي و ألبس ما يحلو لي بغض النظر عن اكتناز جسمي، أحاول قدر الإمكان أن أتفادى اللباس الضيق الذي لا يناسبني، و أحرص على أن أكون أنيقة دائما، و لا أعاني من أي إحساس بالنقص، حتى و إن كنت بوزن زائد. فعلى الرغم من مغريات الأزياء و صيحات الموضة، لا تعيرها سمية أي اهتمام. بالنسبة لها ما يهم هو أن تتقبل شكلها و تكون منسجمة مع قناعاتها، مرتاحة لاختياراتها. وتضيف أنها تحاول قدر الإمكان ألا تحرم نفسها من اتباع آخر صيحات الموضة، خاصة مع انتشار محلات ألبسة للنساء المكتنزات، وهي لا تقل أناقة عن اللواتي أجسامهن نحيفة.

حصص اليوغا و التأمل أنقذتني

منذ سنتين تعرفت سناء (ربة بيت 50 سنة) على صديقة هي متابعة وفية لأحد المعلمين الهنود و المتخصصين في اليوغا. تعرفت عليه عن طويق قناته الخاصة بموقع يوتيوب، و أصبحت تلميذة وفية للحصص التي يقدمها هذا المعلم الهندي كل يوم أمام آلاف المتابعين عبر العالم، عن فوائد اليوغا و الطعام الصحي، و الصيام المؤقت. كلها نصائح طبقتها سناء بحذافيرها. تقول لمغربيات منذ سنتين تغيرت حياتي بشكل ملفت. أصبحت أكثر هدوءا و أقل هوسا بالريجيم. أتناول أكلا صحيا، و أنام جيدا، و أصوم ثماني ساعات في اليوم، و لا آكل إلا وجبتين فقط خلال 24 ساعة. أمتنعت عن تناول السكر و الحلويات، و أكثرت من الخضراوات و الفواكه الطرية و الجافة. كل من رآني سألني عن التغيير في حياتي إلا و أدله على قناة ذلك المعلم الذي أدين له بالكثير.

وتضيف سناء : لم تساعدني حصص اليوغا و التأمل على إنقاص وزني وحسب و الحصول على جسم متناسق و قوي، بل إن تأثيرها على حياتي النفسية كذلك بدا واضحا، سواء من خلال تقبل المشاكل التي تواجهني أو طرق حلها، وكذا في علاقتي مع زوجي و أبنائي. أدركت ألا طائل من الصراخ الذي لم أكن أكف عنه كلما أثارني مشهد لا يروق لي. تعلمت أن تغيير الواقع لا يأتي بالصراخ و العويل، بل بالفعل و الهدوء و إعطاء الدروس في حسن التصرف و السلوك للآخرين، الرعد لا ينبت زرعا و إنما المطر من يفعل. و بمجرد ما بدأت نظرتي للأمور تتغير و تأخذ منحى آخر بدأت أنا نفسي أتغير وتغيرت نظرتي للحياة و نطرة المحيطين بي لي.

رأي هاجر لمفضلي الباحثة في علم الاجتماع :

قالت هاجر لمفضلي الباحثة في علم الاجتماع لمغربيات” إن الحضور المكثف للجسد الأنثوي في اللاشعور الجمعي، ليس إشكالا جديدا.يكفي العودة إلى كتب التراث، للتعرف على الدلالات الثقافية للجسد والقائمة في جزء كبير منها على الوصف الإيروتيكي المرتبط بشروط العيشإذ ظلت قيمة الجمال الأنثوي مرتبطة بالناقة والأنعام والخيل من اكتناز وأرداف ممتلئة… هذا يعني أن الجسد خصوصا الأنثوي كان ولا يزال أفقا رحبا لفهم التحولات المجتمعية والدلالات الثقافية.

وعن هوس النساء بالحميات و سعيهن لمقاس معين تضيف الباحثة أن ثقافة الاستهلاك في المجتمعات المعاصرة تعمل على تنميط الجسد ليس الأنثوي فحسب وإنما الذكوري كذلك، وفق آليات قائمة على منطق الحرب ضد الوزن الزائد، والسعي إلى مؤخرة وعضلات وبطن بمقاييس معينة… عبر النظام الغدائي والرياضة والمكملات الغذائية والعناية بالجسد والتدليك والعمليات التخسيسية والتجميلية… ثم يأتي دور الوسائل التكنولوجية الحديثة كمنصات أساسية للفضفضة عن معاناة الجسد وانتصاراته التي حققها ضد حرب الوزن الزائد كنوع من اكتمال الأنوثة والذكورةوتستخلص المفضلي بالقول هكذا صارت المجتمعات المعاصرة تحتفي عبر مختلف قنواتها بالجسد المعولم الذي يحدد مقاسات الجمال المرتبطة بالإغراء والإثارة، سعيا إلى الجسد الحلم، وبالموازاة مع ذلك تعريض الجسد المختلف عن معايير السوق إلى أشكال مختلفة من العنف الرمزي.

وفي ذات السياق تقول الباحثة  يتضح كيف أن الثقافة المعاصرة تسعى إلى الاستثمار في الجسد وفي الصورة لتعزيز الفوارق والتراتبيات ليس بين النساء والرجال فقط، وإنما بين النساء فيما بينهن وبين الرجال فيما بينهم كذلك، ومن ثم تحديد الهويات والأدوار الاجتماعية وجعل الجسد قيمة استعراضيةليصير الجسد أداة أساسية للمجتمع الاستهلاكي لا تهتم بالجانب الصحي فقط، وإنما تستثمر في الجانب الشبقي بشكل محوري، باعتباره أساس الاكتمال والانتصار لدرجة التماهي أحيانا والانفصال عن الجسد الواقعي أحيانا أخرى.

About Post Author