اتحاد العمل النسائي : مقترحات تعديل مدونة الأسرة جاءت مخيبة للآمال
مغربيات
عقد اتحاد العمل النسائي مجلسه الوطني الذي ناقش بالتدقيق مقترحات تعديل المدونة التي تم الإعلان عن بعضها خلال اللقاء التواصلي للحكومة، باستحضار مذكرته المطلبية والنقاش الواسع والغني الذي خصته الحركة النسائية لهذا الملف المحوري في نضالها من أجل النهوض بالحقوق الانسانية للنساء.
وذكر المجلس، في بلاغ توصلت “مغربيات” بنسخة منه، أنه وقف مطولا على أوضاع النساء المغربيات من خلال عدد من المؤشرات الدالة التي تبرز اتساع الفجوة بين الجنسين وتنامي العنف ضد النساء في ظل استمرار التمييز في القوانين وسيادة الصور النمطية وتأخر الإصلاحات القانونية والمؤسساتية، وضمن ذلك عدم تفعيل هيئة المناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز.
واعتبر ذات المصدر أن فتح ورش إعادة النظر في مدونة الأسرة يعد ورشا إصلاحيا مهيكلا للنهوض بالحقوق الإنسانية للنساء وإعادة بناء الأسرة على أساس من العدل والمساواة وتحريرها من المقاربة الذكورية التي رهنتها لعقود من الزمن لدرجة أصبح الحيف والدونية من المسلمات المحمية بمبررات عدة.
إلا أنه، يضيف البلاغ، أنه على الرغم من النقاشات الجادة التي واكبت هذا الورش والمذكرات المطلبية الغنية التي قدمت للجنة المكلفة، والدراسات والإحصاءات الرسمية المدعمة لمطلب التغيير الشامل والعميق لمدونة الأسرة الذي رفعته الحركة النسائية والحقوقية من أجل مجتمع يتمتع فيه الجميع بالكرامة والعدالة والمساواة، رغم كل ذلك فان مقترحات التعديل التي تم عرضها خلال اللقاء التواصلي للحكومة كانت أكثر من مخيبة للآمال.
و أرجع ذلك لعدة أسباب من بينها :
1. أن التعديلات خرجت عن المنهجية التي بدأ بها الاشتغال على هذا الملف من لجنة موحدة بتخصصات مختلفة إلى
اختيار التواصل مع المواطنات والمواطنين من خلال قطاعين حكوميين أعطيا الانطباع بوجود الاختلاف حتى قبل عرض المقترحات.
2. لأن اللقاء التواصلي كان موجها للعموم مما كان يحتم توخي الدقة والوضوح في طرح تصور الدولة للعلاقات الاسرية ولحقوق الأفراد داخل هذه العلاقات بما يتماشى وكل المكتسبات التي راكمتها بلادنا خلال السنوات الأخيرة.
3. لأن اختزال اللقاء التواصلي في مقترحات محددة دون تقديم أي توضيحات لطريقة تنزيلها وتطبيقها عمليا فتح المجال للمغالطات وتحوير النقاش وتناسل خطابات التحريض على الكراهية والعنف من طرف مناهضي حقوق النساء، دون أي تدخل من الجهة المعنية للحد من هذه الانحرافات التي تقوض من أهمية هذا الورش المجتمعي،
و سجل الاتحاد كون التعديلات المقترحة لم تستجب لمطالبه و كذلك مطالب الحركة النسائية والحقوقية، المتمثلة في تغيير شامل وعميق لمدونة الأسرة ينبني على مقاربة حقوقية ويقطع مع التمييز والحيف والظلم في حق النساء، ومع تكريس علاقات التراتبية والتبعية باسم قوامة ذكورية تجاوزها الواقع بفضل كد النساء وكدحهن، حيث لن تمكن التعديلات الجزئية رغم إيجابيات بعضها من تحقيق العدل والمساواة والكرامة الإنسانية للنساء.
و أشار إلى أن المقترحات المقدمة لم تعتمد مبادئ المساواة وعدم التمييز والمصلحة الفضلى للطفل، كمرتكز موجه وناظم لها، وكهدف جوهري للإصلاح شكل على مدى عقود أساس المطالبات ومسلسلات المراجعة المتعلقة به. وهو تجاهل سافر لمقتضيات الدستور والمواثيق الدولية المصادق عليها من طرف المغرب، ولرهانات التنمية المستدامة والتقدم والعدالة التي نصبو إليها؛
ولفت المصدر ذاته عدم مطابقتها للواقع وعدم اعتبارها للتطورات التي عرفتها البنى المجتمعية وعلى الخصوص الأسرة المغربية وأدوار النساء داخلها وعلى صعيد المجتمع ككل، مما سيجعلها عاجزة عن الاستجابة لاحتياجات الاسرة الراهنة وأفرادها وحل مشاكلها المستجدة.
كما جعل آراء المجلس العملي بمثابة الكلمة الفصل في قضايا ذات أبعاد مجتمعية وحقوقية وسياسية واقتصادية لا يمكن اختزالها في البعد الفقهي فقط، وهو ما يتعارض مع جوهر قضية إصلاح المدونة باعتبارها اختيار للمجتمع الجدير بمغرب النصف الأول من القرن الواحد والعشرين. والأدهى من ذلك الاحتكام الى قواعد وآراء فقهية تعود إلى عدة قرون خلت وتستجيب لخصوصيات مجتمعية غابرة بدل إعمال آليات الاجتهاد والانفتاح على روح العصر وعلى التقدم العلمي والتحولات الاجتماعية وتطلعات ملايين النساء المغربيات إلى العدل والكرامة والإنصاف التي تمثل في ذات الآن مقاصد الإسلام وغاياته الفضلى، وهي المهام التي ينتظر من فقهائنا الاضطلاع بها.
و انتقد الاتحاد الإبقاء على الاستثناء في تزويج الطفلات رغم كل الدراسات والتقارير التي أبرزت عواقبها الوخيمة وضدا على ما تنص عليه الالتزامات الدولية والدستورية للمغرب، فرفع السن المسموح فيه بالاستثناء إلى 17 ليس جديدا بل بدأ العمل به في عدد من المحاكم، ولم يمكن من الحد من الظاهرة ولم يوقف الأصوات العديدة المطالبة بإلغائه.
كما عبر عن استيائه من رفض إلغاء تعدد الزوجات رغم مطالبتنا الدائمة بالقطع معه نهائيا كما تم القطع مع العبودية (ما ملكت الأيمان) ومع الحدود وغيرها، وذلك لما تمثله من انتهاك لكرامة وحقوق النساء والأطفال، ومن تقويض لاستقرار الاسرة. فاقتراح اشتراط عدم التعدد في عقد الزواج لا يمثل جديدا بل تم اعتماده منذ تعديل مدونة الأحوال الشخصية سنة 1993، لكنه لا يمكن أن يحمي جميع النساء منه، كما أن شروط العقم والمرض المانع للمعاشرة الزوجية المقترحة للإذن به تتنافى كلية مع مقومات التماسك الاسري وتختزل كيان المرأة في البعدين الجنسي والإنجابي؛ مع أن العقم والمرض المانع من المعاشرة الزوجية مشكل رجالي أيضا وليس خاصا بالنساء.
و اعتبر أن التعصيب الذي يعرف بكونه مجرد اجتهاد بشري وضعه فقهاء في ماض كانت فيه العائلة الممتدة ضمن النظام القبلي العتيق توفر الرعاية للفتيات والنساء، وهو ما لم يعد قائما في المجتمع المغربي المعاصر، مشيرا إلى أن رفض إلغاء التعصيب بما يمثله من أقصى درجات الحيف في حق النساء والفتيات ينم عن منظور ذكوري مغال في معاداة حقوق النساء يتم إضفاء لبوس دينية عليه وحسب.
و بشأن اقتراح الهبة وإن أضيف لها إسقاط شرط الحيازة، اعتبر أن العديد من الأسر المغربية تعمل بها لحماية بناتها، غير أن ذلك يبقى رهينا بإرادة الأب أو الأم وهو ما لا يسمح بتعميم المكتسب على كل الحالات وخاصة بالنسبة للفتيات في الاسر الأكثر هشاشة والأولى بحماية القانون؛ علاوة على عدم إخضاع منظومة المواريث للمراجعة باستثناء عدم إدراج بيت الزوجية ضمن مشمولات التركة، والسماح بالوصية والهبة بين زوجين مختلفي العقيدة وهو ما جاري به العمل أصلا من طرف العديد من الأسر المختلطة لضمان حقوق أفرادها، للالتفاف على مطلب الحق في التوارث بينهما، ما دام القانون يسمح بزواجهما.
و أشار إلى أن رفض الخبرة الجينية كأساس لإثبات البنوة وإلحاق النسب بالنسبة للأطفال المولودين خارج الزواج، ضدا على المصلحة الفضلى للطفل وعلى مقتضيات الدستور الذي ينص في الفصل 32 على ضمان الحماية القانونية والاعتبار الاجتماعي والمعنوي لكل الأطفال بصرف النظر عن وضعياتهم العائلية، فإذا كان القدامى يلجؤون إلى اعتماد الأساليب المتاحة كي لا يترك الطفل دون هوية ونسب، كالقيافة مثلا، كيف يعقل اليوم رفض اعتماد التحليل الجيني الذي يعد وسيلة علمية دقيقة لضمان هذا الحق للأطفال اليوم.
كما سجلعدم التأكيد على المساهمة المادية للنساء عبر دخلهن الخاص في تحقيق ممتلكات الأسرة وحصر ذلك في عملهن المنزلي، الذي رغم أهمية تثمينه، لا يمكن أن يختزل ما تضطلع به النساء من أدوار، حيث أصبح العديد منهن يتوفرن على دخل ويسهمن في إعالة الأسرة بل ويتكفلن بها بمفردهن أحيانا، أو يقمن بأعمال فلاحية في إطار المساعدة العائلية.؛
أما بشأن جعل النيابة القانونية مشتركة بين الزوجين في حال قيام العلاقة الزوجية وبعد انفصامها، وفي الحالات التي لا يتأتى فيها الاتفاق بين الزوجين على إعمال النيابة القانونية المشتركة يرجع في ذلك إلى قاضي الاسرة للبت في الخلاف الناشئ، فيرى أن ذلك لا يشكل تغييرا جوهريا، بل سيؤدي الى استمرار الاشكالات الكثيرة التي تواجه الام الحاضنة واطفالها. وكان الأجدر جعل النيابة القانونية مرتبطة بالحضانة، فمن له الحضانة سواء كان أما او أبا تكون له النيابة القانونية.
و في ختام البيان أكد اتحاد العمل النسائي على حاجة المغرب اليوم إلى إصلاح حقيقي وشامل للمدونة، كما دعا جميع الفاعلين المعنيين وضمنهم اللجنة التي ستضطلع بصياغة مشروع القانون إلى تحمل مسؤولياتهم بالعمل على رفع هذا التحدي الذي يرتهن به بناء أسرة ترتكز على العدالة والمساواة والكرامة الإنسانية والحقوق الأساسية لكل أفرادها.