إيمان غانمي : لم نصل بعد عتبة “الثلث في أفق المناصفة” بوصول ثلاث نساء على رأس ثلاث مدن

إيمان غانمي واحدة من الكفاءات النسائية التي جمعت بين العمل الحقوقي و السياسي و العلمي، منذ فترة مبكرة من حياتها انخرطت في مشروع بناء مجتمع ديموقراطي وحداثي، عبر العديد من البوابات، فبالإضافة إلى تكوينها العلمي (دكتوراه في الرياضيات) هي أيضا فاعلة مدنية و ناشطة حقوقية، فهي رئيسة منظمة فضاء المواطنة و التضامنو عضوة « إئتلاف المناصفة دابا »…

« مغربياتالتقت بالفاعلة السياسية و الناشطة الحقوقية إيمان غانمي للحديث عن انخراطها في المجال الحقوقي  و إكراهاته و عن تمثيلية المرأة المغربية في مراكز القرار..

أنت واحدة من الكفاءات التي جمعت بين التكوين العلمي المعمق ( دكتوراه في الرياضيات) وبين الاهتمام بالمجال الحقوقي و السياسي و الأدبي أيضا. كيف استطعت الجمع بين كل هذه المجالات؟

لطالما اعتبرت أن العمل الجمعوي الجاد والنافع في تصوري، هو قبل كل شيء مسألة تطوع واختيار، وهو حلقة أساسية في المسار التكويني المواطن من مختلف الزوايا؛ وعبر انخراط الفرد في هذا المضمار المجتمعي بكل تحدياته المادية والنفسية والاجتماعية، تكتمل متطلبات التنشئة الاجتماعية وتكتمل التنشئة الأسرية والتربوية؛ لذلك نجد أن الشباب وغير الشباب من الذين تشبعوا(ن) ومارسوا(ن) ميدانيا داخل النسيج الجمعوي بمختلف أصنافه تكون لهم (ن) غالبا الكفاءة والدراية والدربة العملية المحفزة على النجاح في مسارات الحياة المهنية والسياسية والاجتماعية والدراسية والنفسية؛

باختصار شديد ،الاشتغال في هذا الوسط المليء بالاكراهات المختلفة، هو مدخل صحيح لتمثل قيم المدنية، وفهم متجدد لدينامية المجتمع ودربة حقيقية لخوض التجارب في الحياة، بل هو التعبير الأوضح عن الالتزام والمواطنة.

بماذا تهتم منظمة فضاء المواطنة و التضامنالتي ترأسينها وماهي أهدافها؟

تستمد منظمة “فضاء المواطنة و التضامن” هويتها الفكرية من القيم الإنسانية السامية النبيلة المبنية على المساواة والحرية والعدالة الاجتماعية والإنصاف المتضامن بين النساء والرجال وإرساء قيم المواطنة والديمقراطية التشاركية، ومن الحضارة المغربية بكل مكوناتها وروافدها الحضارية وأبعادها وتعابيرها الثقافية الغنية والمتعددة في إطار الوحدة الوطنية والهوية المغربية؛  وقد تأسست المنظمة لتحقيق جملة من الأهداف في مقدمتها تشجيع روح التضامن ونشر قيم التطوع وآليات العمل الجماعي والاجتماعي ذي الأبعاد الإنسانية، والعمل على تأطير النساء والشباب وإشراكهم (ن) في الشأن السياسي، والانخراط الواعي والتفاعلي ضمن مختلف البرامج والمشاريع والمبادرات الحكومية والدولية، خصوصا تلك التي تهدف إلى تقوية وتطوير المهارات الفكرية والتواصلية للمواطنين عموما وللمرأة والشباب بوجه خاص بغية إدماجهم(ن) في الحياة العامة وفي دورة الإنتاج والتنمية البشرية المستدامة؛ وبالفعل دأب فضاء المواطنة والتضامن على تنظيم واستضافة مجموعة من التظاهرات الوطنية والجهوية والمحلية بالوسطين الحضري والقروي : من قوافل طبية، ندوات، أيام دراسية، دورات تكوينية، ورشات عمل، مهرجانات للإبداع الثقافي والفني، ملتقيات ثقافية، رياضية و معارض فنية؛ كما تسعى إلى ربط جسور التعاون وخلق شراكات مع كل الفعاليات الجمعوية التي تقاسم المنظمة نفس الأهداف، داخل المغرب أو خارجه. وتطوير التواصل والحوار و تبادل الخبرات ، وتنظيم أنشطة ثقافية داخل المغرب وخارجه ، تخدم المصالح العليا للمغرب، وتصون ثوابته الوطنية والدستورية.

لاشك أن القضية النسائية شكلت و لا تزال حيزا مهما من اهتماماتك. كيف ترين اليوم وضعية المرأة المغربية ؟

المرأة المغربية جديرة بأن نوجه لها تحية إجلال وتقدير وأن ننحني لها بكل احترام لما كابدته ولازالت تكابده من معاناة في سبيل إقرار حقوقها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية وغيرهاهذا لا يعني كما أقول دائما، بأن الصراع منحصر بين المرأة والرجل، فهذا فهم تقيلداني وسطحي للأمور، بل إن كفاح المرأة والرجل كمواطنين جنبا إلى جنب شكل على الدوام قاعدة النضال الديمقراطي الصحيح في مواجهة الفقر والجهل والتهميش والاستغلال بكل أصنافهلذلك فإن تحرير المرأة من هذه المثبطات هو تحرير للمجتمع بأسره، بما يعني إطلاق كل الطاقات المجتمعية المبدعة والخلاقة نحو التقدم والتطور والنماء؛ ويشرف الحركة الديمقراطية الوطنية بكل مشاربها وعلى رأسها مكونات الحركة النسائية ببلادنا أنها ناضلت لعقود من الزمن من أجل مجتمع ديمقراطي وعادل بين بناته وأبنائه في الحقوق والواجبات. ويحق لكل هؤلاء اليوم الاعتزاز بهذا الرصيد المشرق من العطاء والبذل، كما يحق لكل المغاربة اليوم أن يفتخروا بالمكتسبات التي أثمرت في النهاية بإصدار دستور 2011 الذي كرس مفهوم المناصفة والمساواة بين المواطنين نساء ورجالا في الحقوق والواجبات؛ في نفس الوقت، وجب التأكيد على سبيل المثال لا الحصر، أن قانون مناهضة العنف ضد المرأة لا يرقى إلى المستوى المطلوب، حيث يحتاج هذا القانون اليوم إلى مراجعة، لأنه أغفل مجموعة من النقط المرتبطة بحماية حقوق المرأة؛ وبالتالي فالحكومة الحالية مطالبة بالانكباب على قضية حقوق المرأة، ومراجعة مجموعة من المواد المتعلقة بالقانون الجنائي.

أين نحن من المناصفة؟

في تقديري لا زالت الحاجة الملحة للمزيد من تعزيز أدوات إشراك المرأة في مراكز القرار، فبالرغم من أهمية التدابير الإيجابية التي تم اتخاذها إلى اليوم، فقد آن الأوان للانتقال إلى إقرار آليات أكثر نجاعة وفعالية تفرض استحضار وتطبيق المناصفة في كافة مناحي تأطير حضور المرأة على مستوى التشريعات أو المؤسسات أو السياسات العمومية؛ كما يكتسي ترافع القوى الديمقراطية في هذا الإطار أهمية بالغة، وتبقى القوى الحداثية مطالبة بالعمل من أجل إبراز وتثمين ودعم القضية النسائية بمختلف جوانبها، باعتبارها قضية تهم المجتمع بكل قواه؛ فمجمل القوى الحداثية والتقدمية مطالبة اليوم بمواصلة مسارها النضالي الممتد عبر ديناميات المجتمع انتصارا للقضية النسائية باعتبارها إحدى المرتكزات الأساسية لتحقيق مجتمع العدالة الاجتماعية في كنف دولة ديمقراطية قوية.

أعتقد أن الحركة النسائية وكافة القوى الحية بالمجتمع الداعمة للمشروع الوطني التقدمي الحداثي الديمقراطي، التي يعود لها الفضل، بعد الإرادة الملكية السامية، في المكتسبات الدستورية المرتبطة بالمناصفة، هي التي يعول عليها اليوم للعمل على التنزيل الفعلي لهذه المقتضيات، بالتالي يجب توحيد وتكثيف الجهود لمواجهة التيارات الرجعية والنكوصية بالمجتمع، وتدارك التأخير الكبير في تفعيل مبدأ المناصفة على أرض الواقع، بل التراجع المهول في هذا الباب والذي تشهد عليه الأرقام المتداولة حول تولي النساء لمناصب المسؤولية ومواقع اتخاذ القرار؛

أنت أيضا فاعلة سياسية وعضو “ائتلاف المناصفة دابا”. كيف ترين تمثيلية المرأة في الحقل السياسي؟

بداية لابد من التذكير أن ائتلاف”المناصفة دابا”، يعد مبادرة مدنية واسعة مشكلة من عدد من جمعيات الدفاع عن حقوق النساء وحقوق الإنسان والقيادات الحزبية والنقابية وجمعيات المجتمع المدني والأساتذة الباحثين ونساء ورجال الإعلام والفنانين والمثقفين المدافعين عن حقوق النساء، بهدف تحقيق المناصفة الشاملة؛ وتنطلق هذه المبادرة التي تقودها المناضلة الحقوقية البارزة وفاء حجي، من اعتبارات أهمها تفعيل أحكام ومقتضيات الدستور المغربي لسنة 2011 المتعلق بموضوع المناصفة خاصة الفصل 19، وأهمية إقرار المناصفة باعتبارها مدخلا أساسيا لإقرار المساواة وترسيخ الديمقراطية، فضلا عن ضرورة التلازم بينها وبين المشاركة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية للمرأة، بهدف تحقيق أي نموذج تنموي؛ وتهدف هذه المبادرة إلى الحث على اتخاذ المبادرات التشريعية الكفيلة بتفعيل المناصفة الشاملة والفعلية، ابتداء من وضع قواعد ومبادئ وقيم وتوجهات وأهداف المناصفة الفعلية، وصولا إلى وضع قانون إطار يحدد قواعد المساواة والمناصفة بين الرجال والنساء، وتقوية وظيفة البرلمان في مراقبة التطبيق الفوري للنصوص القانونية المتعلقة بتمثيلية النساء في جميع المجالات؛

كما تروم هذه المبادرة جعل تحقيق المناصفة حاجة ملحة في الوظائف الانتخابية والهيئات المهنية والمسؤوليات الإدارية بالوظيفة العمومية والمؤسسات العمومية والشركات الخاصة، والمؤسسات الدستورية، ومختلف الهيئات والسلطات المعنية بصنع القرار الوطني والمحلي؛

أما علاقة بسؤالك، تبقى تمثيلية المرأة وبالأحرى مشاركتها الفعلية والفاعلة في المجال السياسي جد محتشمة، بالرغم من كل النقط الايجابية التي تم تحقيقها في هذا الباب؛ لأجل ذلك، أطلق الائتلاف عريضة للمطالبة بتفعيل “المناصفة ” الدستورية الفعلية في أفق 2030 ، وقد تم قبولها شكلا ومضمونا، بعد أن توصلت بها رئاسة المجلس وأحالتها على لجنة العرائض، وبناء على رأي هذه اللجنة وجواب الحكومة بخصوص الشروط المطلوبة قرر مكتب مجلس النواب في اجتماعه بتاريخ 7 يونيو 2021 قبول العريضة رقم 1/ 2021 وتعميم مضامينها، على أجهزة المجلس من فرق ومجموعات نيابية، ونواب غير منتسبين ومجموعات عمل موضوعاتية، من أجل التفاعل معها بشكل إيجابي وتحقيق مطلب إقرار “قانون إطار يتعلق بالمناصفة والمساواة؛ وحاليا يعقد الائتلاف جملة من اللقاءات في إطار حملة وطنية من أجل تطبيق توصيات العريضة المطالبة بالمناصفة.

ثلاث نساء يقدن اليوم ثلاث مدن كبيرة (الدار البيضاء، الرباط، مراكش) كيف ترين تمثيلية المرأة في مراكز القرار؟

إن هذا التقدم النسبي الذي تم إحرازه على هذا المستوى، لم يكن للأسف كافيا لبلوغ التمثيلية النسائية عتبة 30 في المائة التي كنا نطمح لتحقيقها، كمرحلة انتقالية، وفق مبدأ الثلث في أفق المناصفة، والذي كنا نعول فيه على انخراط ودعم الأحزاب السياسية، حيث طالبنا في الائتلاف بإحداث تعديل فيما يتعلق بوصول المرأة إلى مناصب صنع القرار، داخل المكاتب والهيئات التنفيذية، على المستويين المحلي والجهوي، وداخل دوائر البرلمان.

وعلى العموم، وعلاقة بالتمثيلية النسائية، فقد تم بالفعل تسجيل تقدم محتشم على مستوى الكم في نتائج انتخابات الغرف المهنية وكذا الانتخابات التشريعية، بفضل تدابير التمييز الإيجابي التي تم إقرارها من خلال التعديلات التي تم إدخالها على النصوص القانونية في شهر أبريل الماضي. ومن المؤسف حقا أن الهيئات السياسية عموما لم تعمل على تشجيع النساء ودعم مشاركتهن السياسية من خلال ترشيحهن كوكيلات لوائح، على الرغم مما عبرت عنه المناضلات من رغبة حقيقية في المساهمة في تدبير الشأن العام، وهو الأمر الذي تأكد من خلال التقدم الملموس في نسبة الترشيحات النسائية، والذي يدحض بعض المزاعم بخصوص عزوف النساء عن الترشح؛ وعلى كل حال، يبقى تولي ثلاث نساء قيادة ثلاث مدن كبرى والاقتراب من الثلث بالنسبة للتمثيلية النسائية داخل الحكومة أمرا ايجابيا في حد ذاته، لأنه من شأنه المساهمة في تغيير العقليات، والصورة النمطية للمرأة التي تجعل من الصعب تمثل النساء في مراكز القرار، غير أنه لا يغني بأي حال من الأحوال عن التواجد الفعال للمرأة في جميع المناصب والوظائف العليا.

بالإضافة إلى اهتماماتك الحقوقية و السياسية هناك أيضا التزامات أسرية. كيف توفقين بين التزاماتك المهنية و الأسرية؟

لا شك أن توفر الإرادة الحقيقية والشغف في أي مجال من المجالات هو شرط أساسي للتمكن من مواصلة البحث، والعمل والنضال دون الإخلال بالمسؤوليات الأسرية؛ وكل ذلك يمر بطبيعة الحال عبر تنظيم الوقت، وترتيب الأولويات؛ ويبقى دعم المحيط العائلي والأسري، والأصدقاء والصديقات، ورفيقات ورفاق درب النضال أكبر حافز ومشجع على الاستمرار، أملا في المساهمة من مختلف المواقع في مسيرة الإقلاع الحضاري والاقتصادي والعلمي لبلدي المغرب الرائع، حتى يتسنى لكل المغربيات و المغاربة مواصلة البناء والتطور في سبيل تحقيق العدالة الاجتماعية بين جهاته وأبنائه.

أثناء التوقيع على عريضة “المناصفة”

 

About Post Author