أطفال يرفضون تداول خصوصياتهم على منصات التواصل الاجتماعي
يعمد العديد من الآباء إلى وضع صور ومقاطع فيديو لصغارهم على منصات مواقع التواصل الاجتماعي، دون الحصول على موافقتهم، إما بسبب صغر سنهم أو لعدم الاعتراف بحقهم في تقرير نشر خصوصياتهم للعموم. مغربيات اقتربت من بعض الآباء و الأبناء لاستطلاع آرائهم حول هذه الظاهرة ..
صغار نجوم على المنصات..
لا توجد سعادة تضاهي سعادة الأب أو الأم بنجاح طفلهما في إنجاز عمل مبهر أو تقديم عرض جميل، هذه السعادة التي لا تترجم فقط باقتناص اللحظة، إما عن طريق التقاط صورة أو تسجيل مقطع فيديو فقط، بل تتعداها إلى رغبة الآباء في اقتسام النجاح مع أصدقاء مقربين و افتراضيين على منصات المواقع الاجتماعية، ليصبح الطفل نجما يعرفه العديدون، دون استشارته مسبقا.
يستحضر عليُ ما قاله جبران خليل جبران عن الأبناء قبل أزيد من قرن من الزمن “أولادكم ليسوا لكم، أولادكم أبناء الحياة المشتاقة إلى نفسها، بكم يأتون إلى العالم، ولكن ليس منكم، ومع أنهم يعيشون معكم، فهم ليسوا ملكا لكم، أنتم تستطيعون أن تمنحوهم محبتكم، ولكنكم لا تقدرون أن تغرسوا فيهم بذور أفكاركم..”. عندما سأله أحدهم عن الانقطاع عن وضع مقاطع فيديو لابنه عمر الذي يهوى الرقص. عندما سأله صديق له عن انقطاعه في وضع مقاطع فيديو لابنه كما اعتاد، استشهد بما قاله الفيلسوف و الشاعر جبران خليل جبران.
لم يكن علي ليدرك قبل ذلك أنه ليس من حقه أن يبث أشرطة فيديو لابنه ذي الثماني سنوات و هو يرقص في غرفته غير عابئ بما يدور خارج عالمه الذي يتوزع بين الاستمتاع بموسيقاه المفضلة و الرقص على أنغامها. كان يجب أن تمر سنتان حتى يبلغ الطفل أسامة عشر سنوات ليدرك بمحض الصدفة أن أباه يتقاسم فيديوهاته مع عموم الأصدقاء الحقيقيين و الافتراضيين على موقع فيسبوك، لينفجر في وجهه محتجا أنه ليس من حقه نشر أمور خاصة تتعلق به دون الحصول على موافقته.
طبعا هذا الموقف، الذي لم يكن علي ليعترض عليه وهو الاستاذ المتنور المؤمن بمبادئ حقوق الإنسان وحقوق الطفل، أحدث زلزالا في قناعاته وسرعان ما سوف يجعله منخرطا في نشاط تعبوي يحثه على تقديم النصح و الإرشاد لكل الآباء من أقربائه و أصدقائه الذين يبثون صورا و مقاطع فيديو لأطفالهم دون موافقتهم.
لا لتقاسم خصوصياتي
لم يكن علي وحده الذي عانى من هذا المشكل، فالشيء نفسه وقع مع محسن وهو موظف بوزارة العدل، حين وضع صورة لابنته وهي تعد وجبة العشاء، ظنا منه أن الأمر عادي، سيما و أنها المرة الأولى التي تدخل فيها الابنة إلى المطبخ لإعداد طبق والدها المفضل. من بين التعليقات التي تلقاها محسن على الصورة، و التي أغلبها جاء مشيدا بابنته وهي تقف بجانب الطبق الذي بدا شهيا، جاء تعليق بطلة الصورة نفسها وهي تقول له “ليس من حقك أن تنشر صورتي، كان ينبغي أن تستشيرني أولا”، لتنهال مباشرة كل التعليقات وهي تطلب منه أن يحذف الصورة لأن صاحبتها معها حق.
كثيرون من رواد مواقع التواصل الاجتماعي يضعون صور أبنائهم على بروفايلاتهم إما بموقع فيسبوك أو واتساب، حتى لا يظهرون بصورهم الشخصية، إما بدافع التخفي أو بإظهار الابن أو الابنة، في حين أن آخرون لا يكتفون بذلك، بل يخصصون صفحاتهم لبث صور ومقاطع فيديو لأطفالهم بشكل يومي، حتى يتابعهم الجمهور العريض المفترض.
و إذا كان البعض يدعي أن ذلك يدخل في نطاق تقاسم اللحظات السعيدة مع الأصدقاء على منصات التواصل الاجتماعي، فإن البعض يعتقد مما لا يدع مجالا للشك أن ذلك من شأنه أن يخلق من الابن أو الابنة نجما من نجوم فيسبوك أو انستغرام أو تيك توك..
الخوف من العين و الحسد
طبعا في الجهة الأخرى هناك اشخاص يرفضون رفضا باتا أن ينشروا صور أطفالهم على المنصات الاجتماعية، ظنا منهم أن ذلك من شأنه أن يعرضهم للحسد.
هذا ما أكدته سلمى لموقع “مغربيات” وهي طالبة بكلية الطب، حين اتصلت بها خالتها وطلبت منها أن تحذف مقطع فيديو تظهر فيه وهي تعزف على آلة البيانو. قالت لها احذفيه حتى لا تتعرضي للعين يا صغيرتي. لم تكتف بذلك بل ترجتها ألا تضع مرة أخرى صورا لها و لا مقاطع فيديو لأن ذلك سوف يعرضها للعين و الحسد.
ويذهب الكثير من النجوم و الفنانين إلى نشر صور صغارهم لكن مع وضع علامات تخفي وجوههم الصغيرة، ظنا منهم أن ذلك سيحميهم من “العين” و الحسد.
تقول إحدى المطربات ل”مغربيات” لا أحب أن أتقاسم صور أبنائي و حياتي الخاصة مع الجمهور، لأنني أعتبر أن ذلك لا يعنيه في شيء، مع كل ما يترتب عن ذلك من ضريبة يمكن أن تؤديها وتؤثر على شعبيتها لدى متابعيها. في حين أن فنانين آخرين يعدون أن جمهورهم من حقه التعرف على نجمهم المفضل، و أن امتناعه عن إشراكهم في خصوصياته فيه تعالي عليهم و إقصاء لهم.
اتفاقيات حقوق الطفل
أثيرت قضية حقوق الطفل في الحفاظ على خصوصياته بشكل ملفت في الآونة الأخيرة، و إن كان لا يوجد بشكل واضح ما يمنع الآباء من نشر صور أطفالهم و تقاسمها على مواقع التواصل الاجتماعي، فباستثناء قوانين تمنع عرض الأطفال بهدف بيعهم أو استغلالهم أو المتاجرة فيهم أو تجنيدهم، ليست هناك قوانين تجرم وضع صور لهم أو مقاطع فيديو من طرف آبائهم، وهو ما يطرح أكثر من سؤال عن احترام الطفل والنظر له كذات مستقلة تفرض التقدير، اللهم في حالة الإساءة له، عن طريق نشر صور تسخر منه أو تعرضه للإهانة و التمييز.
وبحسب الموقع الرسمي لمنظمة الأمم المتحدة، فإن وثيقة لجنة حقوق الطفل، التي تم اعتمادها في الدورة السادسة والثمانين للجنة، تحث على وجوب احترام حقوق كل طفل وحمايتها والوفاء بها في البيئة الرقمية، وتمكين الأطفال من الوصول إلى المحتوى الرقمي المناسب للعمر، والحصول على المعلومات من مصادر موثوقة.
وقد أوصت اللجنة الدول باتخاذ تدابير قوية، بما في ذلك سن التشريعات، لحماية الأطفال من المحتوى الضار والمضلل، وحماية الأطفال من جميع أشكال العنف التي تحدث في البيئة الرقمية، بما في ذلك الاتجار بالأطفال، والعنف القائم على النوع الاجتماعي، والعدوان الإلكتروني، والهجمات الإلكترونية وحرب المعلومات.
وأوصت اللجنة بضرورة حماية خصوصية الأطفال في جميع الأوقات، مع ضرورة أن قدرة الآباء على الوصول بسهولة إلى البيانات المخزنة من قبل السلطات العامة أو الشركات الخاصة وحذفها
رأي عبد الجبار شكري أستاذ علم النفس الاجتماعي :
من جهته يرى الدكتور عبد الجبار شكري عالم النفس و عالم الاجتماع أن بعض الآباء يستخدمون أطفالهم في مشاهد يتم بثها على المنصات الاجتماعية لإثارة الضحك و السخرية، وفي ذلك إساءة للصغار.
و اعتبر شكري أن تخويف الأطفال عن طريق تعريضهم لمواقف أو عرض لعب مخيفة أو مقالب و بثها للعموم من أجل الضحك على ردود أفعالهم، فيها تشهير بهم ومساس بكرامتهم، مما لا يدع مجالا لدى الطفل للدفاع عن نفسه بحكم صغر سنه، إذا كان قاصرا.
ومن جهة أخرى يرى شكري أن بث صور عائلية رفقة الأطفال دون المساس بكرامتهم لا ضرر منها على نفسية الأطفال، اللهم عندما يكبرون ويقررون عدم إشراك الآخرين في خصوصياتهم، فهنا تكمن المشكلة، لأن ما يتم بثه على مواقع التواصل الاجتماعي من فيسبوك أو يوتيوب، يصبح صعبا محوه، مع تطبيقات أخرى تحتفظ به في الذاكرة الرقمية.