أحمد بوغربي : هناك الكثير من “الكتابات النسائية” المتحررة لكنها ليست مبدعة !
هل يقوم مصطلح “الكتابة النسائية“ على تصنيف جنسي للكتابة؟ كيف يتعامل النقد مع “الكتابة النسائية”؟ ولماذا ينظر لها على أنها مجرد تعبير عن أحاسيس و متنفس عن الذات؟ ولماذا لا تحظى “الكتابة الفرنكوفونية النسائية” و كذلك الإنتاج الأدبي الأمازيغي بالاهتمام اللازم ؟
“مغربيات“ تواصلت مع الكاتب والناقد المغربي أحمد بوغربي للإجابة عن هذه المحاور من خلال الحديث عن كتابه الجديد “الخطاب الروائي النسائي في المغرب العربي : مقاربة في التيمات و اللغة“ الذي صدر حديثا عن دار الوراق للنشر و التوزيع الأردنية.
مغربيات : ما الذي دفعكم للاهتمام بالكتابة عن الرواية النسائية وتحديدا بالمغرب العربي؟
أود في البدء ان أتقدم إليكم بالشكر الجزيل لدعوتكم الكريمة، أما بخصوص سؤالكم فما دفعني للاهتمام بموضوع الكتابة عن الرواية النسائية، يمكن تلخيصه في ثلات إشكاليات : الأولى تتعلق بمصطلح “الكتابة النسائية“ ، والأسئلة الواسعة الذي أثيرت وتثار حول مضمون هذه التسمية من مثل: أي مفهوم لهذا المصطلح الذي يقوم على تصنيف الأدب تصنيف جنسيا ؟ هل ثمة علاقة مميزة بين المرأة والكتابة؟ أية علاقة “للنسائي“ – هذه الكلمة التي تحمل دلالات الحريم –بالأدب باعتباره مفهوما عاما يقوم على المشاعر والخبرة وتشغيل المخيلة، وهي عناصر مشتركة بين الجنسين؟ هل الأدب “النسائي“ في مواجهة مع الأدب الذكوري؟ أم أنه يميز نفسه كأدب إنساني؟
أما الإشكالية الثانية، فهي تعامل النقد السائد مع كتابة المرأة بحيث لم تشكل هذه الأخيرة في نظر مجموعة من المقاربات النقدية سوى زخما من الأحاسيس، ومتنفسا عن الذات. وهو ما يفسر لنا بعض الطروحات التي تحاول أن تقرأ أدب المرأة بأنه مجرد ترديد، وتكرار للازمة المطالبة بالحقوق والمساواة مع الرجل بعيدا عن أية جمالية أو عمق في الطرح المفهومي، ومرد ذلك أن هذه الدراسات ظلت سجينة زاوية ضيقة في نظرها لإبداع المرأة لعدم تخلصها مما تختزنه الذاكرة العربية من إرث يضم مجموعة من التصورات التي ارتبطت بالمرأة منذ القديم، والتي لم تخرج فيها (المرأة ) عن صورة الموضوع – المفعول به، اعتبارا بأن الأنوثة نقيضا لكل منتج و فاعل، و وحدها الذكورة شرط أساسي لكل نشاط ذي مغزى، الأمر الذي يفسر فشل بعض الدراسات الأدبية المتوافرة في أخذ الأعمال النسائية بعين الاعتبار، وبالجدية المطلوبة، فهي تكتفي بإسقاط الحياة الخاصة للمبدعة على منتوجها، وعن سبق إصرار وترصد، فجاء الدافع لمعالجة اشكالية الأدب النسائي من الداخل، أي، انطلاقا من هموم الممارسة الإبداعية وأسئلتها النوعية، عن طريق التعامل مع الخصائص المكونة للنص الأدبي، دون الإتكاء على نظريات مسبقة للبيولوجيا، أو الأنتروبولوجيا الجنسوية في كتابة المرأة.
وبخصوص الاشكالية الثالثة، فتتعلق بمسألة خصوصية هذه الكتابة، إذ رغم شيوع هذا المصطلح “الأدب النسائي“ في الدراسات الأدبية والنقدية، قوبل بالرفض من طرف معظم الكاتبات لأنه يشكل نظرة تصنيفية على أساس جنسي، وهو ما لا ينسجم مع طبيعة الأدب نفسه، إلا أن هذا لا ينفي ما للأدب الصادر عن المرأة من خصوصية، و هو الأمر الذي تقر به حتى الأديبات اللائي يرفضن– مبدئيا– المصطلح وإن اختلفت زوايا النظر إليه، لكن الحديث عن خصوصية الكتابة النسائية لن يكون منتجا نقديا ما لم يؤسس على أحكام تستمد من النصوص الروائية ذاتها. ثم إن الخصوصية تتجلى على أكثر من صعيد، يتصل أولها بأسئلة المتن الروائي، وما يعرضه من موضوعات “تيمات“ تمثل شواغل المرأة الكاتبة، ومدارات حكيها، بينما يتجلى الثاني في اللغة الروائية التي تكتب بها هذه المبدعة، عبر البحث عن موقعها داخل اللغة، ودور اللغة في تشكيل رؤية المرأة للحالة.
هل شملت الدراسة التي قمتم بها جل الأعمال الروائية النسوية بالمغرب العربي أم اقتصرتم على أعمال بعينها؟ ماهي المعايير التي اعتمدتم عليها لاختيار الروايات التي شملتها الدراسة؟
انطلاقا من مبدأ الخصوصية الذي كان يحكم نظرتنا للموضوع، ف“الكتابة النسائية“ التي راهنا عليها، هي تلك التي تنم عن قوة المتخيل وصدقه عند المرأة المبدعة، ويتمتع خطابها بالاشتغال الجمالي لعناصره الفنية، بالاضافة إلى غنى النماذج المختارة بالمفاهيم التي تطرحها المرأة في إبداعها بديلة لتلك السائدة، والأسئلة التي تثيرها في مواجهة المسلمات،“ للكتابة النسائية“ يجب أن تطرح كمعامل لإدراك الوعي النسائي، حتى نتبين حدود وعينا، وهو الأمر الذي لن يحصل إلا بوعي المرأة المسبق بما تمنحه إياها الكتابة من سلطة لإعادة تشكيل العالم، لكن، هذا لا يعني أنه كلما قرأنا نصا لامرأة كتب بطريقة متحررة نقول بأنه “كتابة نسائية“، بل وجب النظر إلى النص باعتباره إبداعا، لأن هناك الكثير من الكتابات المتحررة ولكنها ليست مبدعة.
أغلب الدراسات التي تناولت الكتابة الروائية النسوية في المغرب العربي، لم تتطرق لما تكتبه النساء في أقطار أخرى، مثل ليبيا أو موريتانيا مثلا، هل هذا راجع في نظركم إلى ضعف الكتابة في هذه الأقطار أم هو إهمال من قبل الدارسين؟
عدم تطرق الدراسات التي تناولت الكتابة الروائية النسائية في المغرب العربي– على قلتها– لما تكتبه النساء المبدعات في ليبيا و موريتانيا، لا يرجع طبعا إلى ضعف هذه الإبداعات، بل لقلتها في ليبيا وقت مباشرتي البحث في الكتابة النسائية ، وقد اشتغلت على روايتين من هذا القطر المغاربي وهما : “ المظروف الأزرق“ للكاتبة مرضية النعاس، و“ رجل لرواية واحدة“ لفوزية شلابي، أما موريتانيا فلا توجد على حد علمي رواية لامرأة كاتبة على الأقل في تاريخ إقبالي على البحث.
لماذا لا تحظى الرواية النسائية الأمازيغية بالاهتمام في تناول هذه المسألة من قبل الدارسين؟ هل ذلك راجع لقلة الإنتاجات الروائية أم ل“التيمات“ التي تتناولها؟
أعرف ان هناك روائيون أمازيغ في محاولة دؤوبة لتأسيس أدب أمازيغي، لكن اعترف أن من يجهل اللغة الأمازيغية من النقاد والمبدعين يضل بعيدا عن هموم هذا الإبداع، ونرجو ان تتوافر ترجمات لهذه الأعمال، فهي جزء لا يتجزأ من الهوية القومية والثقافية للمغرب.
أين تتموقع الرواية النسائية المغاربية بين الرواية العربية عموما؟
الرواية النسائية في المغرب العربي هي أيضا رواية عربية، وقد حققت تراكما في الكم والنوع، أغنت بهما الخزانة العربية واحتلت رتبا متقدمة في سجل الكتابة الروائية العربية عموما ، ولا أدل على ذلك الجوائز العربية التي حصدتها الرواية النسائية المغاربية.
رغم الكم و الكيف الذي راكمته الرواية العربية لازالت الرواية المكتوبة باللغة الفرنسية تهيمن من حيث الاهتمام و الدراسات المنجزة (خاصة في فرنسا) لماذا في نظركم؟
امر طبيعي ان تهتم الدراسات المنجزة في فرنسا بشكل خاص بالرواية النسائية المكتوبة باللغة الفرنسية، والمراد من هذا الاحتفاء هو تشجيع الكتابة باللغة الفرنسية، والترويج لثقافتها، لكن الأمر يختلف عنه في البلدان المغاربية، بحيث نجد انقسام الدارسين إزاء هذا الأمر بين من يرى أن لا ضير من انتساب هذا الأدب إلى الأدب المغاربي كون اللغة وسيلة تواصل، وما يهم هو القيم والرؤى المعبر عنها داخل هذا الأدب، وبين من يرى انه لا يمكن اعتباره بأي حال من الأحوال أدبا مغاربيا كون الإبداع يحيى باللغة الأم، ذلك أن اللغة تتعدى كونها مجرد أداة إيصال وتواصل، إلى اعتبارها الوجه المادي للقكر والثقافة والمتخيل، ولا يمكن فصل وجه عن آخر.
وللموضوعية لا بد من الاشارة أنه عندما برز الأدب المكتوب بالفرنسية في الجزائر و المغرب و تونس بعد الحرب العالمية الثانية، كان يحمل هم شعوب مستعمرةٍ وفقيرة، مغلوبة على أمرِها، تطمح إلى التحرر والحياة الكريمة، فكان رسالةً إلى الطبقة المثقفة والساحة الفرنسية نفسِها لتدرك معاناةَ هذه الشعوب، ويمكن الإشادة هنا بروايتي مولود فرعون “ابن الفقير“، و“الأرض والدم“ كنموذجٍ معبر، لكن هذا الأدب انحرف شيئا فشيئا، حتى أصبح منقطعا عن المجتمعات المغاربية ومبادئها وقيمِها؛ وغدا أداة للتنكر للانتِماء الحضاري، ومقاومة الرجوع للذَّات، فلم نعد أمام أدبٍ منحاز للأرض ، أو الإنسان وإنما صرنا أمام إنتاج غريبٍ في اللغة والمرجعية والأهداف..
سمعت الروائي الكبير ابراهيم الكوني يصرح لأحد المنابر الإعلامية، تعقيبا على فوز التنزاني عبد الرزاق قرنح المقيم بانجلترا بجائزة نوبل للآداب لسنة 2021، أن الجائزة لا يمكن اعتبارها أفريقية، على اعتبار أن الفائز يكتب باللغة الإنجليزية. انطلاقا من هذا التعقيب هل يمكن اعتبار الكاتبات الفرنكوفونيات غير مغاربيات؟
لا يمكن لأي كان أن ينفي صفة المغربة عن الكاتبات الفرنكوفونيات، لكن تجدر الإشارة أن موقف الروائي الكبير الليبي ينسجم والموقف المشار إليه في السابق ، الموقف الذي يشترط في المبدع أن يكتب بلغته الأم إذا أراد أن يعبر عن الهوية الجماعية وعن خصوصية هذه الهوية، وبدون ذلك يصبح هذا الابداع المكتوب بغير لغته إبداع لا مستقبل له كما قال ابراهيم الكوني نفسه ذات حوار.