‫”‬الأمهات الموهوبات”.. ورشات كسرت جدار العزلة عن نساء مراكش

منذ 2007 خلقت مها المادي مديرة دار بلارج لرعاية الثقافة و التراث ورشات لفائدة نساء المدينة العتيقة أطلقت عليها اسم الأمهات الموهوبات.الفكرة جاءت للإيمان بأن لا أحد بإمكانه تلحيم هذه الهوية الثقافية الممزقة إلا الأم، التي تمتلك كل الآليات و الوسائل لتحقيق المصالحة مع التراث و تمرير هذه الثقافة التي ضاعت في عصر العولمة المتوحشة الكاسحة، دون أن ننتبه للأبناء.

هي ورشات لم يكن من السهل أن تتحقق، لولا إرادة هؤلاء النساء اللواتي انخرطن بجدية و مسؤولية في كسر جدار العزلة بحثا عن منفذ للخروج من بيوتهن لتحقيق مشاريع استعدن من خلالها بعض الأمل الذي ضاع منهن في رتابة الحياة تقول مهندسة المشروع مها المادي.

اسم الأمهات الموهوبات لم يكن اعتباطيا، بالنسبة لمديرة دار بلارج، بل جاء نظرا لأن كل أم هي موهوبة بالفطرة، حيث الأم هي المنبع، هي الثقافة، هي الوطن، و الأم ليست دائما هي التي تنجب، بل التي ربت و سهرت و ارضعت، (الخالة و العمة و الجدة..) كلهن امهات وكلهن موهوبات، فقط هن في حاجة إلى يمنحهن فرصة لإبراز مواهبهن.و بالفعل من هذه رحم هذه الورشات خرجت نساء زجالات، رسامات، ممثلات، صانعات و محترفات فرجة..

أثناء كرنفال عاشوراء

ما يناهز 200 امرأة أو يزيد متعطشات للانخراط في ورشات متعددة : ورشة الحضرة التي تؤطرها للا خالة، ورشة السماع و المديح، ورشة لتعلم الصولفيج، ورشة لمحاربة الأمية باللغتين العربية و الفرنسية و سبق وخضن تجربة باللغة الإنجليزية، ورشة لتعلم الخط العربي، ورشة للخياطة و الأعمال اليدوية ثم ورشة للرقص. كلما فُتح باب للتعلم أمامهن بحثن عن أبواب أخرى لطلب المزيد.

مها المادي رفقة للا خالة

في المناسبات الدينية تتحول دار بلارج لخلية نحل. العمل و الاستعدادات جارية على قدم و ساق، و النساء يخضن معارك طاحنة مع الأزواج و الأبناء و الالتزامات الأسرية لأخذ وقت يخصصنه لمشروع انخرطن فيه بكل جدية. يحضرن للتداريب المكثفة للخروج في كرنفال شعبي للاحتفال بعاشوراء و تأكيد حضورهن عبر أزقة المدينة العتيقة بطقس ظن العديدون أنه لم يعد موجودا.

دمية حملتها النساء خلال الكرنفال
أثناء كرنفال عاشوراء

فنانون كبار في الرسم و المسرح و الكوريغرافيا و الغناء .. استقدمتهم دار بلارج لتأطير الأمهات حتى يكن مستعدات يوم العرض. و لا يقتصر تكوينهن على الجانب الفرجوي فحسب، بل حتى تعلم مهارات أخرى، إذ سبق لدار بلارج ان نظمت ورشات حول ثقافة الماء، تحت اسم الخطارات و تراث الماء، بالإضافة إلى خلق إذاعة محلية بمناسبة عاشوراء يتم من خلالها التعريف بهذا الاحتفال الذي بدأ يندثر و أتخذ اشكالا أخرى بعيدة عن التقليد الذي اعتاد عليه المغاربة.

وقد سبق لأحدى الأمهات أن أجابت عن سؤال بِم تشعرين اليوم بعد خوض غمار هذه التجربة، لتقول كنت أشعر أنني في دائرة مغلقة، وكل ورشة من الورشات التي شاركت فيها كانت تمسح جزءا من تلك الدائرة، حتى مسحتها كلها وتحررت منها بالكامل، لأخرج مفتخرة و مجبورة الكسور

هي ليست وحدها من تحررت من قيود جعلتها ربة بيت لا تبرح منزلها إلا للتبضع، بل هناك مثلها كثيرات استطعن أن يكسرن القيود و الحواجز، حتى وصلن لأماكن لم يجرأن يوما حتى على التفكير فيها. في سنة 2014 شاركن في ورشة تشاركية في الصناعة التقليدية فيمدينة تور الفرنسية، بالإضافة إلى عروض فنية جبن خلالها مدن مغربية. و منذ 2009 إلى 2015 تسافر ثلاث أمهات سنويا لتمثيل المغرب في أسواق رأس السنة التي تقام في مدينة تور الفرنسيةكما قدمن عروضا و شاركن في لقاءات عبر العديد من المدن المغربية (الدار البيضاء, الصويرة، أكادير، تزنيت، فاس.. )

تتذكر مها المادي كيف انبهر الحاضرون في اختتام أحد مهرجانات المونودام بنساء كان يصعب أن يغادرن منازلهن للمشاركة في نشاط ثقافي يرددن من خلاله مقامات الحريري و بديع الزمان الهمذاني الصعبة، وهن مدركات جيدا لما يفعلن، مستوعبات لما ينطقن، حتى ان أحد الأزواج قدم لزوجته، في ختام الحفل، باقة ورود فوق الخشبة، تنويها واعترافا بما قدمته.

في إحدى الورشات..

تقول مها المادي يجب ألا ننسى أن الأمهات هن من يزرعن في أبنائهن حب الوطن، و بدل أن تقول الأم لابنها ابحث عن فرصة عمل في الخارج فيمكنها أن تحثه على المكوث في بلده و موطنه وبناء نفسه، كيف ذلك؟ عن طريق فن العيش الذي يعكس ثقافتنا المغربية الأصيلة، بأن تقدم له كأس شاي وكسرة خبز مغموس في زيت الزيتون، أن تضع أمامه مائدة أكل مختلفة صباح العيد، و أيام رمضان، و أن تشعره بوجود مناسبة سعيدة أو حزينة عند الجار، و أن تضع له قطعة سكر تحت لسانه صباح أيام الامتحانات في المدرسة. كل هذه الطقوس تقول مديرة دار بلارج افتقدناها و بدونها لا يمكن أن نزرع في أبنائنا الاعتزاز بثقافتهم و وقف المد الثقافي الآتي من الغرب. كل ما كان بحوزتنا أضعناه و أصبحنا نبحث عنه اليوم من خلال الكوشينغ و عند معلمي التنمية الذاتية.

لا يقتصر الاهتمام بالمنتوج المغربي التقليدي بمبرر ثقافي فقط، بل إن مديرة دار بلارج ترى أن ذلك من شانه أن يخلق أسواقا لترويج المنتوجات المغربية بأسلوب حداثي و حضاري يراعي التجديد و متطلبات السوق العالمي، كأن تُفتح مثلا متاجر لبيع القديد و الخليعبمواصفات ذات جودة عالية تستجيب لرغبة المغربي و تعرف بالمنتوجات التقليدية لدى السائح الأجنبي، لأن هذا الأخير لا يأتي لبلادنا من أجل الأسواق الممتازة و الماركات العالمية، هو يأتي أولا و أخيرا لكي يتعرف على ثقافتنا

About Post Author