أي مستقبل لعمل المرأة في عصر التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي؟
عرفت مكانة ودور المرأة تحولا مهم لاسيما في العقد الأخير بفضل التحولات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والتي نتج عنها تطور حقوقي عالمي ووطني في رد الاعتبار للمرأة باعتبارها عنصر أساسي في التنمية وتطور المجتمع، وسواء كان ذلك بسبب التشريعات والحملات الدولية و الوطنية الواسعة في الموضوع أو بسبب التنمية والبناء الذاتيين للمرأة ونضالها الأسري والديني والمادي والحقوقي فلقد حققت نقلات نوعية في التأكيد على أهميتها البالغة بتحمل المسؤولية في كافة المجالات بنجاح.
و في ظل ما يعرف العالم من تحولات ومتغيرات سريعة على كافة الأصعدة آخرها وباء كورونا وما خلفه من إعادة في بناء نظر وسياسات وطنية وعالمية برزت من جديد معالم الثورة الصناعية الرابعة متمثلة في أهمية التحول الرقمي ودوره في مواكبة التغيرات التي فرضتها الأزمة الصحية العالمية، وتبلورت معالم متقدمة لأهمية التحول الرقمي في تكريس الاعتماد على الذكاء الاصطناعي وما يمكن ان يقدمه من آفاق واعدة على كافة المجالات السياسية والحقوقية والاقتصادية فإن كل ماعرفته الوضعية الحقوقية للمرأة ستتأثر بفعل تغيرات جمة سواء على مستوى العمل او مناصب المسؤولية او تطور الوضعية الحقوقية.
وتعتبر المرأة المغربية من بين نماذج عدة في العالم حيث التاريخ يشهد على حضورها البارز والفعال في القيام بأدوار طلائعية لبناء تقدم المجتمع، وإذا كان أهم المجالات التي أبدعت وحفرت اسمها في تأسيس مساهماتها ارتبط بمجالات مختلفة مثل الأدب والعلوم الإنسانية والسياسة وعالم الاقتصاد والتجارة.. إلا أن ما يثيرالانتباه وفي ظل ما يعرفه العالم من تحول تكنولوجي ورقمي أصبح الامر يستدعي معرفة وتسليط الضوء على مجال بالغ الأهمية وهو حق ومكانة ودور المرأة في عصر الثورة الرابعة والذكاء الاصطناعي.
فاذا كان العالم سيعرف تغييرا جوهريا في كل البنى السياسية والاقتصادية ومجالات العمل في الصحة والتعليم والصناعة.. فإن ما يمكن تأكيده انه بدأت تبرز هوة وفجوة بين دول وقوة تمتلك وتستثمر في الذكاء الاصطناعي بكل مقوماتها وأخرى سائرة في طريق النمو لازالت تبحث أو تحاول فهم التحول العالمي الجديد، فكذلك الأمر ستحدث فجوة بين الذكور والنساء إذا ماتم تسجيل بلوغ المرأة مناصب ومساهمتها في مجالات كلاسيكية كالصحة والخدمات.. دون مواكبة بلوغها وتتبع مساهمتها في الثورة التكنولوجيا الحديثة وبالتالي إذا ظل عمل النساء مركزاً في القطاعات والمهن المعرضة لخطر كبير بسبب الأتمتة.
وكمثال في دراسة أنجزت لصندوق الدولي حول برنامج لتقييم مهارات الكبار، تبين كيف تؤثر أتمتة الوظائف على الناس في مختلف البلدان. فالرجال والنساء في المملكة المتحدة والولايات المتحدة يواجهون خطر أتمتة الوظائف بنفس الدرجة تقريباً، وفي اليابان وإسرائيل نلاحظ أن وظائف النساء أكثر تعرضاً للأتمتة من وظائف الرجال. أما في فنلندا، فوظائف النساء أقل عرضة لمخاطر الأتمتة مقارنة بوظائف الرجال. ويبين الرسم البياني*1 ادناه بعض هذه المؤشرات:
ويلاحَظ حسب الباحثان والكاتبان “إيرا دابلا-نوريس”، و”كالبانا كوشهار” بمدونات صندوق النقد الدولي في مقال حول النساء والتكنولوجيا ومستقبل العمل أن تمثيل المرأة ناقص حالياً في المجالات التي تتزايد فيها الوظائف مثل الهندسة وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات. ففي مجال التكنولوجيا، تقل احتمالات وصول النساء إلى مناصب المديرين والمهنيين المتخصصين بنسبة 15% عن الاحتمالات المتوقعة للرجال، بينما تزيد احتمالات توليهن وظائف مكتبية وأعمالاً خدماتية بنسبة 19% عن الاحتمالات المتوقعة للرجال، وهي الأعمال التي يؤدين فيها مهاماً أكثر روتينية، مما يجعلهن أكثر عرضة لمخاطر التسريح بسبب تغير التكنولوجيا.
وإذا كان هذا الشأن هو المسجل في بعض الدراسات والملاحظات على المستوى الدولي فإنه على المستوى الجهوي أو بين دولة وأخرى خصوصا بالدول العربية تتجلى اختلافات متباينة حول ولوج المرأة حقل التكنولوجيا الحديثة من علوم الحاسوب والذكاء الاصطناعي. ففي الشرق الأوسط 40 في المئة من طلبة الجامعات المتخصصين في علوم الحاسوب وتكنولوجيا المعلومات هنّ إناث.
وتتمثل المهمة الأصعب في ترجمة هذا الاهتمام، كما حددت ذلك الباحثة ثريا الهاشمي في مقاللها بعنوان تصدُّع السقف الزجاجي: المرأة العربية في عالم التكنولوجيا صادر عن معهد دول الخليج العربية بواشنطن، بدراسات علوم الحاسوب وتكنولوجيا المعلومات في دخول الإناث إلى القوى العاملة. وعلى الرغم من أن عدد الطالبات في جامعات دول مجلس التعاون الخليجي يفوق عدد الطلاب الذكور، إلا أن نسبة مشاركة الإناث في القوى العاملة لا تزال منخفضة (البحرين 44 في المئة، والكويت 47 في المئة، وقطر 58 في المئة، وعُمان 30 في المئة، والمملكة العربية السعودية 22 في المئة، والإمارات العربية المتحدة 41 في المئة). فالأعراف الثقافية والاجتماعية في دول مجلس التعاون الخليجي تنص بشكل عام على أن تتوكل المرأة بدور الرعاية، بينما يكون الرجال هم الممولين لأسرهم.
وفي المغرب حسب آخر تقرير النموذج التنموي الجديد الذي حاول تشخيص واستشراف مكانة المرأة ومدى تطور حقوقها ومساواتها في الانخراط في سوق الشغل تبين ان النساء تعاني من إقصاء ما فتئت تتزايد حدته ويبقى بلا شك المؤشر الاكثر تجسيدا لهذا الإقصاء هو معدل مشاركة النساء في سوق الشغل اذ انخفض المعدل حسب المندوبية السامة للتخطيط من 8.21% سنة2008 الى 6.26% سنة 2018.
ولتطوير مساهمة المرأة وضمان حقوقها كاملة يرى نفس التقرير ان تحقيق طموح التنمية يقتضي الاسراع بتغيير وضعية المرأة على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمجتمعية بأن تتعبأ جميع القوى الحية للبلد من أجل تحقيق الاهداف الاستراتيجية الثالثة التالية:
• وضع إطار قانوني ومؤسساتي يضمن فعلية المساواة بين النساء و الرجال.
• تمكين النساء من شروط الولوج إلى مزاولة عمل مؤدى عنه وتوفير الحماية لهن في طريقهن إلى أماكن العمل وداخل فضاء الشغل.
• العمل على إبراز نماذج اجتماعية جديدة تجسد صورة النساء اللائي يتمتعن بالاستقلالية الاقتصادية والاجتماعية.
اذا كان هذا ما هو مسجل بصفة عامة على مستوى الوضعية الحقوقية للمرأة المغربية في سوق الشغل فنسجل غياب دراسات ميدانية واحصائية لمدى مواكبة وضعيتها لتطور مستقبل العمل في عصر التحول الرقمي والتكنولوجي، لكن المؤكد هو الانخراط الفعلي للمرأة المغربية في المجال من خلال عمل وتبوؤ نساء بارزات تعجز هذه الورقة البسيطة تحديد الاسماء الوازنة التي رسخت مكانتهم العالية في البحث العلمي والاكاديمي او السياسي للمساهمة في تحدي الرقمي وتمثيل المغرب احسن تمثيل في المجتمع العالمي.
وتبقى الأهمية بمكان حسب العديد من الباحثين خصوصا بصندوق النقد الدولي المنجز لدراسات هامة في الموضوع، لكون للحكومات في حاجة ماسة على المستوى الدولي والوطني إلى سن سياسات تعزز المساواة بين الجنسين وتمكين النساء في مشهد العمل المتغير عن طريق :
•تسليح النساء بالمهارات الملائمة: الاستثمار المبكر في النساء في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات (STEM)، مثلما تفعل منظمة الفتيات المبرمجات (Girls Who Code) في الولايات المتحدة.
•سد الفجوات بين الجنسين في تَقَلُّد المناصب القيادية كيا ونوعيا.
•سد فجوة التكنولوجيا الرقمية بين الجنسين: للحكومات دور تؤديه من خلال الاستثمار العام في البنية التحتية الرأسمالية وضمان المساواة في فرص التمويل والربط الرقمي، كما فعلت فنلندا.
•تيسير انتقالات العمالة: تستطيع البلدان دعم العاملين في الفترة التي ينتقلون فيها من وظيفة إلى أخرى بسبب الأتمتة، وذلك بتقديم التدريب والمزايا المرتبطة بالأفراد وليس الوظائف، مثل حسابات التدريب الفردي المطبقة في فرنسا وسنغافورة. والواقع أن الأتمتة جعلت تكثيف الجهود لتحقيق المساواة بين الرجال والنساء مطلباً أكثر إلحاحاً، حتى تتاح للجميع فرص متساوية للمساهمة في العالم الجديد الأكثر استخداماً للتكنولوجيا والاستفادة من ميزاته.
جواد الفشتالي مفكر أستاذ باحث بالعلوم السياسية والعلاقات الدولية.