مريم عصيد : والدي فنان كبير و مشروعي أسعى لأن أوصله للعالمية

عرفها المغاربة منذ ظهورها لأول مرة رفقة والدها على متن السيارة وهي تصدح بمواويل أمازيغية، أبانت عن صوت قوي و أصيل، ووفاء لتراث اتسمت مسيرة الوالد أحمد عصيد بالدفاع عنه باستماتة. الفيديو الذي ظهرت فيه مريم عصيد وهي تغني بارتياح رفقة والدها و الذي تلته فيديوهات أخرى بعد ذلك، انتشر بشكل كبير على مواقع التواصل الاجتماعي. بعض المغاربة أشادوا بصوتها القوي و نوهوا بموقف الأب عصيد الذي أثبت من جديد أنه منسجم مع قناعاته و مبادئ الحرية التي يدافع عنها، و البعض الآخر انتهزها فرصة  للانقضاض على الرجل. “مغربيات” اقتربت من مريم عصيد للتعرف عليها وعلى علاقتها بوالدها و مشروعها الموسيقي “جاز أمازيغ”..

مغربيات : منذ ظهورك أول مرة رفقة والدك بالسيارة و أنتما تغنيان معا مواويل أمازيغية, انتبه لك العديدون و أشادوا بصوتك الأمازيغي الأصيل. كيف تلقيت هذه الإشادة و متى بدأت موهبة الغناء لديك؟ 

أسعدتني كثيرا إشادة بعض الناس بصوتي، و الحقيقية أنه أول فيدو تم تداوله لي أنا و والدي كنت في الثامنة عشرة من عمري، حيث كنا ذات صباح متوجهين هو إلى مقر عمله بالمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية بالرباط،  وأنا إلى المعهد العالي للإعلام و الإتصال حيث كنت أتابع دراستي، وبشكل تلقائي بدأت أغني لينخرط والدي معي في الغناء.

مريم عصيد رفقة والدها

كيف انتشر هذا الفيديو؟ 

في الحقيقة لا أعلم. كل ما أتذكره أنني تقاسمته مع بعض الأقرباء و الأصدقاء لأفاجأ به وقد انتشر بشكل ملفت على مواقع التواصل الاجتماعي. 

الملاحظ أن العديد ممن تابعوا الفيديو الذي تم تداوله على نطاق واسع عبر شبكات التواصل الاجتماعي، أثارتهم مشاركة أحمد عصيد ابنته الغناء، مما يعطي انطباعا على أن الرجل منسجم مع قناعاته وخطابه التحرري، هل هو فعلا أب متفتح ومتحرر؟

منذ مرحلة مبكرة من عمري ونحن نعيش طقسا شبه يومي ببيتنا، كنا قبل النوم نغني جميعنا أمي، أبي، شقيقي و أنا طبعا أغاني الحاج بلعيد و أحواش و المواويل الأمازيغية. كما أنني في مرحلة مبكرة من عمري انضممت إلى فرقة الكورال التابعة للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية عندما كنت في السابعة من عمري و كان يرأسها الأستاذ بلعيد العكاف الذي أكن له الكثير من الاحترام و التقدير وقد تعلمت منه الشيء الكثير.أذكر أنني قدمت أول عرض رفقة شقيقي بالمسرح الملكي بالرباط وكان عمري آنذاك لا يتجاوز السابعة، و أديت أغنية شهيرة للحاج بلعيد، ضمن سهرة أحيتها الفرقة الموسيقية التابعة للمعهد الملكي. بعد ذلك توالت السهرات التي شاركنا فيها أنا وشقيقي إلى أن بلغنا العاشرة أو الحادية عشرة من عمرنا، آنذاك بدأ أخي يتعلم العزف على آلة القيثارة التي أصبح بارعا فيها. 

المتتبع لأغانيك يرى أنك تمزجين بين الجاز كفن عالمي و بين الموسقى الأمازيغية، كيف جاءت فكرة هذا المزج ولماذا الجاز تحديدا؟

موسيقى الجاز و البلوز كانت حاضرة بشكل قوي ببيتنا، حيث كان والداي حريصين على إثراء سماعنا بألوان موسيقية متنوعة تمتح من التراث الأمازيغي و العالمي. بالنسبة لوالدتي هناك أحواش و شارل أزنافور و جاك بريل، أما والدي فكان مولعا بفن الجار و البلوز.. على هذه الأنماط الموسيقية بالإضافة إلى الموسيقى الأمازيغية تربيت و نمت ثقافتي الموسيقية، وتشبعت بكل هذه الأنماط لنصبح أنا وشقيقي نؤدي أغاني البوب و الروك.  طبعا مع مرور الوقت تطورت اهتماماتي الموسيقية وأصبحت أكثر نضجا لتسفر عن ميلاد مشروعي الموسيقي “جاز أمازيغ “

مريم عصيد أثناء عرض غنائي

ماذا عن مسارك الدراسي هل هو قريب من الموسقى؟ 

عندما حصلت على شهادة البكالوريا التحقت بالمعهد العالي للإعلام و الإتصال، قبل أن أسافر إلى فرنسا لنيل دبلوم الماستر في العلوم السياسية و الإعلام، وتركتها لأعود و أشتغل مدة سنة كصحافية مهنية بمدينة الدار البيضاء، ثم ألتحق بعد ذلك بمدرسة الملك فهد العليا للترجمة بطنجة.  

بالعودة إلى الموسيقى، متى بدأت فعليا في الغناء؟

يمكن اعتبار أول انخراط فعلي في مجال الغناء، كان خلال السنة الأولى بالمعهد، عندما التقيت في إحدى المناسبات بإحدى الفرق الموسيقية “إينيزامين” أو “إينضامن”، وقد كنا نشارك في سهرات تقام بالحرم الجامعي بمدينة العرفان بالرباط، و الحقيقة أن هذه التجربة هي التي مكنتني من إغناء الريبيرتوار الغنائي و صقلت موهبتي، كما ساعدتني على التغلب على رهبة الجمهور  بالموازاة مع ذلك كنت مستمعة وفية للجاز و البلوز مثلما كنت في طفولتي، كما انفتحت على العديد من الموسيقيين، دون أن أنسى أحواش و الآلات الموسيقية التي كانت و لازالت تبهرني كالرباب وغيره. 

مريم عصيد تؤدي إحدى أغانيها

الملفت للانتباه أنك تؤدين الجاز بكلام أمازيغي، لماذا يغيب المقام الخماسي الأمازيغي في أدائك؟

إذا أردنا أن نتحدث بشكل دقيق عن الموسيقى التي نؤديها، يمكنني القول إننا نؤدي الجاز بالأمازيغية، وكذلك الأمازيغية بالجاز. اسمحي لي أن أخالفك الرأي تماما هناك حضور قوي للمقام الخماسي، بحيث أن هذا الخليط الذي نسعى لتطويره في فرقتنا الموسيقية هو اللون الذي يميزنا و يجعلنا قادرين مستقبلا على أن نوصله للعالمية، حيث يُجهل الكثير عن التراث الموسيقي الأمازيغي بسبب محدودية الانتشار.  

هل تنوين احتراف الغناء مستقبلا؟

 يمكن القول إنني فعلا احترفت الغناء، فقد سبق وقدمنا مجموعة من العروض بشراكة مع المعهد الثقافي الفرنسي و الأمريكي و كذلك الألماني. و بالتالي يمكنني الجزم أننا اليوم نتوفر على مشروع موسيقي متكامل، بفضل الفرقة التي أنشأتها برفقة الفنان أسامة الشتوكي وهو بالمناسبة عازف قيثار.  

مريم عصيد أثناء تسجيل ألبومها

ما موقف والدك مما تؤدينه؟ هل يشجعك و ينتقدك؟

 طبعا لولا تشجيعات الوالد و الوالدة لما تمكنت من إصدار أول ألبوم لي. أذكر أنني ذات يوم طلبت منهم مبلغا من المال و رجوتهم أن يثقوا بي لأنني بصدد التحضير لإصدار أول ألبوم غنائي. في البداية اعتقدوا أن المسألة مجرد مزحة، لكن بعد ذلك تأكد لهم أن الأمر جدي، خاصة عندما رأوا عازفا للإيقاع استقدمناه، أنا و أعضاء الفرقة، من إسبانيا و عازف آخر على القيثارة من البيرو فضلا عن عازف البيانو الشهير نورالدين باها، وقد بدأنا نقوم بتدريبات يومية مكثفة خلال شهر رمضان من سنة 2018 ببيتنا بمدينة تمارة، وتحديدا بالمكتبة الكبيرة الخاصة بوالدي، مما لم يعد يترك مجالا للشك من أنني جادة في مشروعي الموسيقي الذي أحلم أن أوصله للعالمية. 

والدي ناقد كبير لأعمالي، فهو دائما يسدد ملاحظاته حول الموسيقى التي اعتمدها و كذلك اختياراتي ، لكنني طبعا ادافع عن رأيي بكل شجاعة و جرأة كما علمني ورباني. أنا لا أمارس الغناء الأمازيغي مائة بالمائة و لا الجاز وحده، مشروعي هو مزيج بين الإثنين. في الواقع تروق لي كثيرا هذه المناقشات التي أخوضها مع والدي و أعتبرها حافزا مشجعا لي و زاوية أخرى للنظر تفتح أمامي سبلا و آفاق لأرى بعين ناقد جيد ما لا يمكنني رؤيته وحدي. 

هل أحمد عصيد أب ديمقراطي فعلا و خطابه منسجم مع ممارسته؟ 

طبعا من دون شك. كل ما يقوله أبي يمارسه في حياته اليومية، وهو أب ديمقراطي بدون منازع. قد يحصل أن نتناقش و نختلف في كثير من الأحيان حول العديد من الأمور، لكنه يحترم الرأي الآخر مهما كانت درجة اختلافه معه ويمنحك الحرية في اختيار ما تراه مناسبا لمستقبلك. 

ما لا يعرفه الكثير من الناس هو أن أحمد عصيد فنان كبير، ملم بالأنماط الموسيقية إلى حد كبير، ولو كان أولى اهتمامه  بالموسيقى مثلما فعل بأمور الفلسفة و التربية و الفكر لكان من كبار الفنانين اليوم. 

مريم عصيد

ماهي مشاريعك المستقبلية؟ 

نحن بصدد التحضير لحفل فني كبير من المرتقب أن ينظم قريبا بالرباط. ننتظر فقط أن تمر ظروف الجائحة و نستعيد عافيتنا من تداعياتها لننعم بالموسيقى و الفن كما كنا من قبل. 

About Post Author