مريم أيت بلحسين : نور الدين الصايل قبس من نور برحيله خسرنا الكثير

مغربيات

مريم أيت بلحسين مخرجة مغربية و منتجة حاصلة على دكتوراه في السينما من جامعة باريس 3″. أخرجت 4 أفلام قصيرة لي ضرباتو يدو، نساء حول الطبيب النفسي، الكاتب : أحمق أو نصف إله و رسومات للحب، بالإضافة إلى فيلمين وثائقيين ، كما تشتغل حاليا على فيلم طويل هو تجربتها الأولى بابا ماركس الذي لم يعرض بعد.

بمناسبة الذكرى السنوية الأولى لرحيل أب السينما المغربية نور الدين الصايل، مغربيات ارتأت أن تنشر نص الحوار الذي أجرته مع المخرجة الشابة، على هامش الندوة التي نظمت حول كتابها الإنتاج السينمائي في المغرب : وجود بفضل الشراكة بين القطاعين العام و الخاص.. واستمرارية تجاريةأثناء المهرجان الدولي لفيلم المرأة بسلا الذي نظم في نونبر الماضي، للحديث عن أب السينما المغربية نور الدين الصايل، و عن السينما و المعايير المعتمدة في دعم الأفلام السينمائية..

تحدثت طويلا عن علاقتك بالراحل نور الدين الصايل. كيف كانت وماذا خسرت السينما المغربية برحيله؟

ماذا عساني أن أقول. سأجيبك بسؤال : ماذا ستخسر دولة مصر إذا فقدت الأهرام؟ هذا ما خسرته السينما برحيل نور الدين الصايل. إنه هرم بدون شك. الصايل كان يخدم المغرب بتفان و إخلاص. كلما ذهبنا لبلد إفريقي إلا و سألونا عنه، بل إنهم يحتفون بوجودنا فقظ لأننا من بلد الصايل. لقد نجح في خلق و بلورة تصور للسينما المغربية عبر العالم، خاصة في أوروبا و إفريقيا.

صحيح أنه في كتابي حول الإنتاج السينمائي في المغرب، أنتقدُ الوضع السينمائي، لكن ينبغي الاعتراف بأنني و غيري آخرين عندما جئنا إلى عالم السينما وجدنا فعلا ما ننتقده، وهذا بفضل الصايل طبعا. منذ توليه إدارة المركز المغربي السينمائي المغربي وحتى بعد رحيله عنه، لأنه بنى الأرضية التي شيدت عليها السينما المغربية. ثم سيكون من الغرور أن نتحدث فقط عما أنجز خلال ال15 أو 20 سنة الماضية، لا ننسى كذلك محمد عصفور الذي فعل الكثير، لكن الصايل هو من خلق صناعة سينمائية عبر الاهتمام بمختلف حلقات الصناعة، من الكتابة إلى الإخراج و شركات الإنتاج، ثم إنشاء مدارس متخصصة في السينما عن طريق التعاون مع القطاع الخاص، كل ذلك بفضل نور الدين الصائل الذي شجع الشراكة بين القطاع العام و الخاصكان يحارب في جميع الاتجاهات، في تعزيز القوانين التي تسمح بخلق الشراكات، في التنظيم و تشجيع المهنيين، في التكوين

كما لا ننسى أنه كان يشجع على خلق سينما قادرة على تغيير المجتمع و تمثلاته عن المرأة، و عن العديد من الأشياء التي تعيق تطور المجتمع. كان يخدم وطنه بصمت و بدون ضجيج. بدل أن يقول إنني أعمل على قضية المرأة مثلا، يقول لمخرج سينمائي خلال لقاء ما لماذا لا تفكر في فيلم تتناول من خلاله موضوع المرأة؟. مثلا قد يتصل ببادريس ويدراوغو الذي يعد أب السينما في بوركينا فاسو ليقول له أخي تعال هنا إلى بلدك الثاني و أنتج فيلما بالمغرب . أغلب الأفلام التي أخرجها بادريس ويدراوغو شهدت مرحلة ما بعد الإنتاج هنا بالمغرب بفضل علاقته المتنية بنور الدين الصايل. هذا الرجل لم نخسره فقط اليوم، خسرناه مرات قبل ذلك منذ غادر القناة الثانية، و خسرناه من جديد عندما غادر المركز المغربي السينمائي، و خسرناه اليوم للأبد. هو بمثابة قبس من نور ارسله لنا الله لكننا لم نأخذ منه كل ما ينبغي أخذه.

الملاحظ أن العديد من المهتمين بالشأن السينمائي ينتقدون عمل لجنة دعم الأعمال السينمائية بالمركز السينمائي المغربي، باعتبار أن الدعم يعطى لأفلام لا تستحق، فيما يتم إغفال أفلام أخرى أكثر جودة؟ ما تعليقك؟

للأسف لا يتم الاعتماد على سلم معياري لتقييم الأفلام، مثلا التيمة 4 نقط، النوعية 2 نقط، السيناريو .. وهكذا. لو كانت هناك معايير واضحة لما كان هناك إجحاف في حق العديد من الأعمال التي تستحق أن تدعم.

ألا ترين أن الإبداع عموما يصعب إخضاعه للمعايير؟

طبعا أكيد. لا مانع من الذاتية في التقييم، لكن لا ينبغي أن نخضع كل العمل لمزاج أو ذوق عضو أو أعضاء من لجنة الدعم، سيكون ذلك ظلما كبيرا بحق الكثيرين من السينمائيين. أرى أنه ينبغي اتباع معايير لتقييم العمل. ثم هناك مسألة أساسية تتعلق بمدى أهلية لجنة الدعم لتقييم الأعمال السينمائية، هل فعلا نحن أمام لجنة تملك كل الإمكانات الضرورية لتقييم الأعمال.

لا أدري إن كنت توافقينني الرأي أم لا، مثلا فيما يخص لجن منح الجوائز سواء في الأدب أو السينما أو غيرهما، أصبحنا نرى هذا التنوع في أعضاء اللجنة التي تمنح هذه الجوائز. ليس شرطا أن يكون جميع الأعضاء متخصصين في المجال..

نعم أكيد أن هذا التنوع في أعضاء اللجن سيمنحها قوة و إضافة، لكن في الإطار الذي تفضلت بذكره، لأن المهرجان تكون له أجندة معينة، و غالبا من مصلحته أن يعمل على صعود نوعية معينة من الأفلام التي تستجيب لهذه الأجندة، مثلا في مهرجان المرأة، ينبغي أن يقع الاختيار على أفلام تتناول قضايا المرأة. أما بالنسبة للجن الدعم فهي محكومة بمنطق آخر. لقد تعبنا حقا من تناول هذا الماضي الذي لا يبني شيئا، لماذا لا يعطى الدعم لأفلام مختلفة نحن في حاجة إليها، أفلام تتناول قضايا أخرى، مثل العلاقة بأطفالنا، نظرة المرأة لنفسها و نظرة الشاب كذلك لنفسه، أفلام عن البيئة، أفلام تتناول موضوع الثقافة و التراث.. .

هل هذا يعني أن أفلام بهذه المواضيع التي ذكرت لا تستفيد من الدعم أم أنها غير موجودة أصلا

في الحقيقة أنا أحترم جدا زملائي و لا اتجرأ على القول إن هذه النوعية من الأفلام غير موجودة. لي اليقين، كما أعرف العديد منهم، أن أحدهم سيتناول موضوع البيئة، و الآخر سيشتغل على موضوع المرأة و آخر على العدالة.. هناك مئات المخرجين لابد و أن ترون توجهاتهم مختلفة، وقد نضع 30 مشروع فيلم خلال دورة واحدة، هل يعقل أنه من بين 30 فيلم مقترح، لا يستحق الدعم إلا فيلمان فقط ؟ علما أن شركة الإنتاج عندما تضع مشروع فيلم بين يدي اللجنة، فإنها تكون قد درست عشرات المشاريع لتختار من بينها الأجود، دون الحديث عن احترافية السينمائيين وعن كون الشركة المنتجة تكون قد درست المشروع وطورته.

تحدثت خلال تدخلك في الندوة الصحفية عن الدعم الذي قلت إنه لا ينبغي أن يرد للدولة، و ينبغي منحه للمشاريع المقدمة لأنها تشغل أشخاصا يعيلون أسرا. هل يعني هذا أن نمنح مشاريع سينمائية دعما رغم كونها لا تستحق فقط لأن الدعم لا ينبغي أن يرد؟ علما أن الجوائز نفسها تحجب عندما تكون الأفلام المتنافسة ضعيفة؟

أولا نحن هنا لسنا بصدد منح جائزة. اسمحي لي الأمر هنا مختلف تماما، بدءا باللجنة نفسها التي تكون غير مؤهلة لتقييم الأعمال المقترحة.

أظن أن الإشكالية تتمثل في كون الدولة لا تريد أن تستثمر، من خلال سياساتها العمومية، في إنعاش هذا القطاع الحيوي، الذي أصبح ضرورة لا محيد عنها، لأننا وصلنا لمرحلة السكتة القلبية. إذا لم ندعم مشاريع و منصات سمعية بصرية و قطاع التلفزيون و السينما، فإننا بصدد خسارة كبيرة سنضيع هذا الجيل القادم الذي نرسله مباشرة إلى المنصات الأجنبية (نيتفليكس، الويب..), إذا لم نقتنع باننا في حاجة إلى استثمار مواردنا من أجل تعزيز بناء ثقافتنا المغربية و هويتنا فإننا سنخسر معركتنا الثقافية عموما، و بالتالي نحن في حاجة أولا للجنة تكون قادرة على استيعاب هذه السياسة و لها هذا الحس الوطني، ثم تكون قادرة على التقييم. كيف يعقل أن أستاذا يحظى بتقدير عالمي بجودة سيناريوهاته، تقول عنه اللجنة إنه رديء. انطلاقا من تجربتي الشخصية يمكنني القول إن الأفلام التي اشتغلت عليها بجدية رًفضت، و الأفلام التي لم أوليها اهتماما كبيرا تم قبولها.

لا يمكنني أن أفهم أن عضوا باللجنة يطرح عليك سؤالا من قبيل لماذا استعملت كذا وكذا في الدقيقة كذا.. كيف يمكنني ان أشرح لعضو في لجنة الدعم أشياء تقنية تعد من أساسيات تقنيات كتابة السيناريو؟ صحيح أن كتابة السيناريو هناك ما هو جمالي إبداعي و حسي.. ولكن هناك الجانب التقني كذلك، وعندما يطرح عليك عضو سؤالا عن التقنية، كيف يمكن أن تشرح له أشياء تعلمتها طيلة 13 سنة من الدراسة.

أما فيما يتعلق بالشق الثاني من السؤال حول الدعم، و الذي يخص إرجاع المال للدولة، فهذا يحيلنا على التذكير بأن فترة الجائحة أثرت بشكل كبير على القطاع، و العديد من مهنييه وجدوا أنفسهم بدون مصدر عيش. هناك أشخاص أعرفهم اضطروا لبيع منازلهم و العودة للسكن مع أهاليهم, وأمام كل هذه الظروف تأتي اللجنة لتقرر منح الدعم لمشروعين فقط، من بين 26 أو 30 مشروعا سينمائيا. حقا لا أستوعب هذا الأمر.

بالإضافة إلى كونك مخرجة و منتجة أنت أيضا باحثة في مجال السينما. هل البحث من قادك للسينما أم عشق الشاشة الكبرى هو من قادك للبحث؟

مساري الأكاديمي هو ما دفعني للبحث في مجال السينما، و الأهم حبي للمغرب و وعيي المبكر بدور السينما و الإمكانات التي يمكن أن تمنحها لبناء الفكر و تقدم وتطور المجتمع. لا يمكننا أن نحب بلدنا و لا نساهم في بنائه، سيكون حبا بدون معنى.

أيهما يهيمن على الآخر الباحثة الأكاديمية أم المخرجة و المنتجة السينمائية؟

لا أخفيك أنني حتى عندما أكتب سيناريو لعمل ما، أجد نفسي مقيدة بمنهجية الباحثة و بتقنيات الكاتبة السينمائية، ومع ذلك فإنني أحلم أن أكتب عملا أكسر من خلاله كل القواعد الكلاسيكية التي درستها، مثل ما يفعله المخرج هشام العسري الذي استطاع بشجاعته في بعض أعماله أن يكسر النمط الكلاسيكي. في الوقت الحالي لازلت أتبع الطريقة الكلاسيكية من خلال 4 أفلام قصيرة أخرجتها و 3 أفلام وثائقية و فيلم روائي طويل بصدد الاشتغال عليه بابا ماركس هو عملي الأول و الذي كتبه الصديق عثمان شقرا، و أنا قمت بإخراجه، لكن دائما بالشكل التقليدي. أظن أنه حان الوقت لكي أنخرط بشجاعة في أعمال تكسر هذا النمط، خاصة مع التغييرات التي أصبحنا نعيشها في ظل مجتمع أصبح يفضل الاستهلاك السريع للوجبات و الأعمال الفنية وغيرها.

من أنتج الفيلم؟

فيلم بابا ماركس من إخراجي و إنتاجي.

About Post Author