كيف نشجع أطفالنا على القراءة؟
يعد حث الأطفال على القراءة من المهام الشائكة و المعقدة، بالنظر لعصر الرقمنة الذي أصبح يفرض نفسه بقوة حتى على الصغار. الانكباب على كتاب بدل اللوحة الاكترونية أو الهاتف الذكي أصبح تحديا كبيرا للآباء. فالأطفال منذ سن مبكر هم حبيسي الشاشات. بفرنسا ثلث الأطفال في سن الثانية يقضون ثلاثين دقيقة في تصفح اللوحات الاكترونية.
كيف نحث الأطفال ونشجعهم على القراءة، وما هي سبل التغلب على الإدمان الالكتروني وضخ حب الكتاب في نفوس الصغار، تلك تحديات كبرى على الآباء أن يواجهوها و سيكون على الأجيال اللاحقة أن تتحمل تبعاتها..
الأب النموذج
بالنسبة لنورية يامنة العماني أستاذة اللغة الفرنسية والمختصة بالشؤون البيداغوجية، لا يوجد هناك حل سحري لحث الطفل على القراءة. هناك طريقة واحدة لا محيد عنها “تناول الكتاب و ترك الهاتف الذكي”. ترى نورية أن أبا و أما لا يقرآن، و ملتصقان بهاتفهما الذكي طيلة الوقت، من شأنه أن يخلق طفلا لا يقرأ.
فهي تؤمن إيمانا قطعيا أن التربية لا تكون بالكلام و النصح، بل بالفعل و إعطاء النموذج، بكل بساطة إذا أردت طفلا يقرأ، ينبغي أن تكون قارئا.
تؤمن نورية بأن طفلا يقرأ هو شاب سيكون مفيدا لنفسه و لمجتمعه في المستقبل، و لا يمكن بأية حال أن نبني مجتمعا متقدما بدون مواطنين يقرؤون.
وهي في هذا الصدد تتذكر كيف أنها زارت في إحىد العطل الصيفية منزل إحدى صديقتها التي كان زوجها يشتغل أستاذا باحثا بالجامعة، وكم كانت دهشتها كبيرة، حين لم تعثر ولو على كتاب واحد أو مجلة ببيته. وحتى عندما استفسرت عن الأمر جاء العذر أقبح من الزلة كما يقال حين أخبرتها قريبته أنه لا يهتم بالكتب أثناء إجازته الصيفية التي قد تمتد لشهرين أو يزيد.
تقول نورية ” إنه من العبث أن نراهن على أساتذة لا يقرؤون وننتظر منهم أن يبنوا لنا جيلا يقرأ”.
أقرأ لكنه لا يقرأ
تشكو فوزية موظفة في وكالة للإعلانات من نفور ابنها من الكتب و القراءة فعلى الرغم من أنها تجلب له العديد من القصص و الروايات كلما ذهبت للتسوق، إلا أنه يحب القراءة. وحتى تشجعه تظل تحمل الكتاب بين يديها، و لا تلبث أن تستفز فيه الفضول لسؤالها عن مضمون الكتاب الذي تقرؤه، وعندما يطول انتظارها دون جدوى تسأله إن كان يريد أن يعرف ما تقرأه، ليصعقها برد لا تتوقعه “لا يهم”.
فهي على عكس نورية التي ترى أن الأب أو الأم ينبغي أن يقدما نموذجا لطفلهما، تؤكد أن شغفها بالقراءة و ملازمتها للكتاب لم تشفع لها في استجداء رغبة طفلها في القراءة.
تقول نورية إن عملية القراءة ينبغي أن تكون علمية تشاركية، إذ لا يكفي أن يكون الأب أو الأم شغوفين بالمطالعة، لكي يكون الطفل محبا للقراءة، سيما مع تأثير العالم الخارجي الذي يبدو أنه أصبح مسيطرا بإغراءات العالم الرقمي الذي يتطور باستمرار.
وبذلك فهي تقترح على الآباء أن يحفزوا أبناءهم على القراءة عن طريق تنظيم ورشات للقراءة، إذ ينبغي على الأم أو الأب أن يقرأ رفقة طفله بصوت مرتفع، ويطلب منه أن يقرأ بدوره، و لا بأس في أن يتفاعل مع ما يقرؤه حتى يشعر الطفل بأهيمة مضمون الكتاب.
قارئ نهم من رحم أم لا تقرأ
يكاد يجزم سعيد وهو أستاذ وشاعر أن حب القراءة و الشغف بالكتاب لا يخضع لأية معايير معينة. فهو يرى أنه ليس شرطا أن يكون الوالدان قارئين حتى يكون الطفل قارئا جيدا. وينطلق في ذلك من تجربته الشخصية، حيث نما على حب الكتب بفضل المجلات التي كان يجلبها والده مثل “عالم المعرفة” و “عالم الفكر” و “أقلام” وغيرها من المجلات التي كانت متداولة في فترة الثمانينيات من القرن الماضي وكان الحصول عليها لا يكلف إلا مبالغ زهيدة.
لم يكن والده قارئا جيدا أما والدته فلم تكن تفك شفرة الحروف كما يقال، ومع ذلك وجد نفسه وهو يكبر متلهفا للانقضاض على كل ما يسقط تحت ناظره كيفما كان.
يؤكد سعيد على أن انعدام أماكن الترفيه و عدم توفر الشبكات الرقمية و محدودية البث التلفزيوني الذي لم يكن يبدأ برامجه قبل السادسة مساءا، كلها أمور من وجهة نظره ساعدت على حب القراءة. “كان الوقت بطيئا جدا خاصة أيام العطل الصيفية ومع انعدام وسائل الترفيه بالشكل الذي تتوفر فيه اليوم، كان الكتاب هو المتنفس و المؤنس الوحيد لتبديد حرارة خانقة و ملل قاتل”.
وينصح سعيد الآباء بترك أبنائهم عرضة للملل، لأن هذا الأخير، من وجهة نظره، يحفز الإبداع و الخيال لدى الأطفال، وهو يعتقد أن توفر وسائل الترفيه و التسلية هي من أعطت جيلا كسولا متواكلا لا يجب القراءة. وحتى الذين لديهم الفضول المعرفي، يقول سعيد، يقرؤون على الهواتف و يتصفحون كتبا رقمية، دون الرجوع إلى الكتب الورقية.
طرق لتشجيع الأطفال على القراءة :
هناك عدة طرق لحث الأطفال على القراءة، حسب ما يراه المختصون :
+ مصاحبة الطفل وتحديد وقت للقراءة.
+ إدخال روتين القراءة في برنامجه اليومي، مثلا قبل النوم.
+ عندما يصبح الطفل قادرا على القراءة، لا بأس من أن نطلب منه أن يقرأ بصوت مرتفع قصة من اختياره، وهنا على الوالدين أن يكونا صبورين أمام تمهله أو تعثره في القراءة و الأخطاء التي قد يرتكبها. لا بأس من إظهار بعض الحماس المفتعل إزاء ما يقوم به لتحفيزه على المزيد من القراءة.
+ اطلاع الطفل على الكتب المسموعة “أوديو”، لأن هذه الطريقة سوف تساعده على سماع الكلمات في الكتاب.
+ الحرص على كتابة رسائل قصيرة ووضعها على المبرد أو فوق مكتبه.
+ طرح أسئلة على الطفل بشأن ما يقرأه، فهو يساعده على الفهم و على التعبير عن آرائه و وجهة نظره.
+ تقديم شروحات حول أهمية القراءة كأن يطلب من الطفل قراءة بعض الوصفات الخاصة بالطبخ أو كتابة لائحة الطلبات و الحاجيات التي ينبغي جلبها من السوق.
+ اصطحاب الطفل للملتقيات و الأنشطة ذات طبيعة ثقافية.
+ إشراك الطفل في اختيار مكان مناسب للقراءة داخل البيت.
+ تشجيعه و منحه الحرية في اختيار ما يريد قراءته.
+ التوجه لأصحاب المكتبات وطلب رأيهم فيما يمكن أن يقرأه الطفل حسب سنه و ميولاته.