فسحة رمضان (2) : القاضي عياض.. القاضي النزيه و المتبحر في العلوم

مغربيات

على الرغم من أن تربة مراكش ممزوجة برفات عدد كبير من الأولياء الصالحين و العلماء، إلا أنه لم يحظ بالشهرة إلا سبعة منهم فقط هم أبو العباس السبتي، القاضي عياض، سيدي يوسف بن علي، الإمام أبو القاسم السهيلي، سيدي عبد الله الغزواني (مول القصور)، عبد العزيز التباع و محمد بنسليمان الجزولي، حتى أن مراكش سميت بمدينة سبعة رجال نسبة إليهم.

في الحلقات التالية نستحضر سيرة رجالات مراكش السبعة ..

هو القاضي عياض الذي ولد بسبتة سنة 476 للهجرة وتوفي بمراكش سنة 544 ه،  أحد الرجالات السبعة لمراكش. من أشهر كتبه الشفا في شرف المصطفىوهو واحد من أهم الكتب عن سيرة الرسول (ص)، حتى أنه قيل لولا القاضي عياض لما عرف المغرب، نظرا لما عرف به الرجل من براعة في الأصول و علم الكلام. كان متمكنا من الحديث و الفقه و الأصول و اللغة وغيرها. هو ثاني رجالات مراكش السبعة في الترتيب كما جاء عند أبي الحسن اليوسي في قطعته المشهورة بالعينية :

بمراكش لاحت نجوم طوالــع

جبال رواسي بل سيوف قواطـــع

فمنهم أبو يعقوب ذو الغار يوسف

إليه تشير بالأكف الأصـابـــــع

و نجل أبي عمران عياض الذي

إلى علمه في الكون تصغي المسـامع

و بحر أبي العباس ليس يخوضه

سواه كريم لا يزال يمـانـــــع

و نجل سليمان الجزولي ففضله

شهير و من يدعو إليه يســـارع

و تباعهم بحر الكرامة و الهدى

و سيدنا الغزواني نوره ساطـــع

أبا القاسم السهيلي دابا أضف لهم

إمام التقي و العلم بحره واســـع

فزرهم على الترتيب في كل حاجة

يسهلها المولى و عنك يدافــــع

نشأ القاضي عياض محبا للعلم متفوقا في مجالات المعرفة الواسعة، حيث استطاع أن ينال مكانة متميزة وسط أشياخ وقته في العلوم الدينية و اللغوية و الأدبية، وقد كتب فيها ما لم يكتبه سواه، مخلدا فيها اسمه ما ضمن له الخلود مثل :‫”مشارق الأنوار، المدارك، الشفا في شرف المصطفى، وغيرها، وقد أجمع كل من جادلوه على أن هذه الكتب بمثابة الشموس التي أنارت السماء المغربية و سائر الأقطار‫.

كان من أهم أئمة عصره و أعظمهم في الحديث. متمكنا من الشروط و الأحكام، حتى أنه اعتلى منابر الإفتاء و المناظرات وهو ابن الثامنة و العشرين من عمره، وتولى مناصب القضاء في الخامسة و الثلاثين، وهو المنصب الذي اشتهر به حتى ارتبط إسمه به وسمي بالقاضي.

حسب الروايات فإن الرجل كان قاضيا بغرناطة ثم في سبتة واشتهر بنزاهته واصطفافه إلى جانب الحق و العدل، ولم يكن ليزيح عنه حتى و إن كان طالب الوساطة ذا نفوذ، وهو ما جعله يحظى بمصداقية كبيرة وسمعة طيبة لدى الناس.

رغم كل ذلك فقد عاش القاضي عياض في آخر أيامه محنة مع الدولة الموحدية، فقد وصف الحافظ الذهبي ذلك في كتابه المشهور سير أعلام النبلاء حيث قال بلغني أنه قتل بالرماح لكونه أنكر عصمة ابن تومرت، كما أضاف أخبرني الشيخ الإمام أبو عمرو بن حاج أن قبر القاضي عياض بناحية باب أغمات من مراكش، بإزاء كنيسة كانت هناك. وكان لا يعرف لدروسه و استيلاء النصارى على مدفنه و ما حوله، حين أباحه لهم بعض الملوك. و أنه في سنة 712 هجرية أو قبلها أو بعدها بقليل أراد الله تعالى أظهر قبر، فغضب أبو يعقوب المريني على نصارى مراكش. و أباح أموالهم للمسلمين، فنهبت ديارهم، وتخيلوا أن النصارى يدفنون الحلي التي لهم مع موتاهم، حملهم ذلك على نبش القبور التي حول الكنيسة. فبينما هم كذلك إذ ظهرت علامة قبر القاضي وتاريخه، ففرح الفقهاء بذلك، و أمر القاضي أبو إسحاق بن الصباغ بتسوية ما حول القبر و إشهاره و إظهاره، و بنى عليه قبة عظيمة ذات أربعة أوجه، و ألزم الفقهاء بالتردد إلى هناك لتلاوة القرآن ليشتهر القبر.

About Post Author