فسحة رمضان (1) : أبو العباس السبتي.. صاحب الجود و مؤسس مذهب الصدقة
مغربيات
على الرغم من أن تربة مراكش ممزوجة برفات عدد كبير من الأولياء الصالحين و العلماء، إلا أنه لم يحظ بالشهرة إلا سبعة منهم فقط هم : أبو العباس السبتي، القاضي عياض، سيدي يوسف بن علي، الإمام أبو القاسم السهيلي، سيدي عبد الله الغزواني (مول القصور)، عبد العزيز التباع و محمد بنسليمان الجزولي، حتى أن مراكش سميت بمدينة سبعة رجال نسبة إليهم.
في الحلقات التالية نستحضر سيرة رجالات مراكش السبعة ..
حظي الشيخ أبو العباس السبتي، وهو أحمد بن جعفر الخزرجي، ولد بسبتة عام 524 للهجرة وتوفي سنة 601 هجرية، بشهرة لم ينلها غيره من الرجالات الستة الآخرين على الإطلاق بفضل مذهبه الذي اشتهر به حتى ذاع صيته و وصل إلى خارج المغرب.
كانت مدينة سبتة في وقته من أكبر عواصم العلم والحضارة في الغرب الإسلامي، و قد كانت عامرة بالعلماء والتجار والزهاد الذين ما تزالقبور بعضهم معروفة في هذه المدينة. قال أبو العباس عن بداياته : أول أمري أني كنت يتيما، وكانت أمي تحملني إلى نساجي الحرير، فأفر منهم إلى مجلس الفقيه أبي عبد الله الفخار، فتضربني، إلى أن قال لها الفخار: لم تضربين الصبي؟ فقالت إنه يتيم ويَأبَى أن يعمل شغله، وليسعندي شيء، فقال لي الشيخ: يا بني، لم لا تفعل ما تأمرك به أمك؟ فقلت له: إنما أحب هذا الكلام الذي أسمعه منك، فقال لها: اتركيه، وأناأدفع عنك للمعلم الذي يقرئه أجرته. فقرأت القرآن إلى أن حفظته، ثم قرأت الأحكام. قال: لما بلغ سني عشرين عاما رحلت إلى مراكش، وأقمت في الجبل المطل عليها المسمى
‘إيكليز”، والمدينة يحاصرها الموحدون“. ومعلوم أن حصار الموحدين لمراكش على يد عبد المؤمن، وقع ابتداء من شهر محرم عام (541 ه).
يعد الشيخ أبو العباس السبتي من أبرز هؤلاء الرجال السبعة، وقد نال هذه الحظوة، بفضل المذهب الذي تبناه هو مذهب الصدقة و اعتبرها جوهر الإسلام، حيث في جميع أركانه نجده مبنيا على الإحسان و على الصدقة وهذا الجانب هو من جعل من أبي العباس السبتي القطب الكبير لهؤلاء الأولياء.
أبو العباس السبتي لم يكن مجرد شيخ متصوف زاهد، بل كان عالما يدرس الحساب و النحو، ويأخذ على ذلك أجرا، كانت له منحة من بيتالمال مع طلبة الحضر، كان جميل الصورة حسن الثياب فصيح اللسان،مستحضرا للأدلة من السنة والقرآن،
وقد تنبه وفق مذهبه الصوفي إلى أن الإحسان هو أعلى درجات الإيمان. ارتبط بالمراقبة الدائمة و أيضا بالجود و الكرم. وفي ذلك نوع من المحاكاة للفعل الإلهي، فالله سبحانه و تعالى يكرمك بدون أن تطلب منه، وهذا يعتبر قمة الكرم، كما يكرم الكائنات بدون تمييز لعقيدتها أو مذهبها، وهو النهج الذي سار عليه أبو العباس السبتي الذي كان يعتبر أن الصدقة يجب أن تكون لجميع الناس، يهودا و مسيحيين و مسلمين، و هو المبدأ الذي جعل الرجل يتنبه في زمن سابق لما يتنبه له اليوم الناس من التضامن و التكافل الإجتماعي و غيرها، لذلك فجميع المرضى في زمانه و جميع المعوزين وذوي العاهات كانوا يعيشون من هذا المذهب و لازالوا إلى غاية اليوم، فضريحه لازال يعج بالعميان و الفقراء و المرضى، لازالو يعيشون في هذه الأجواء، وهذا ما جعل هذا الرجل ذا مذهب قوي لأنه زاوج فيه ما بين الجانب الروحي و أيضا البعد الإجتماعي، حتى أن لسان الدين بن الخطيب حينما أراد أن يتحدث عن مراكش قال « هي البرج النير العالي“ أي مدينة الشمس، ثم قال عنها هي “ تربة الولي” ، ويقصد بقوله أبو العباس السبتي. لأنه يعتبر قطب الأولياء في مدينة مراكش،
“إن البعد الإجتماعي كان حاضرا بقوة لدى الرجالات السبعة، وعلى رأسهم أبو العباس السبتي الذي قال ” أصل الخير في الدنيا والآخرة الإنفاق، وأصل الشر في الدنيا والآخرة البخل “.
وقد دفعت شهرته أبا الوليد ابن رشد يرسل أحدا لتقصي مذهبه و التعرف عليه بعد أن ذاع صيته : حدث أبو القاسم عبد الرحمن بن إبراهيمالخزرجي قال : بعثني أبو الوليد بن رشد من قرطبة وقال لي إذا رأيت أبا العباس السبتي بمراكش فانظر مذهبه واعلمني به، قال فجلست معالسبتي كثيرا إلى أن حصلت على مذهبه فأعلمته بذلك، فقال لي أبو الوليد: “هذا رجل مذهبه أن الوجود ينفعل بالجود”