فتيحة أوجيب.. وعي مبكر بالقضية النسائية و انخراط في الميدان
مغربيات
في مرحلة مبكرة من حياتها، تفتح وعي فتيحة أوجيب على ثقافة حقوق الإنسان و رفض الحيف الذي تعانيه النساء في المغرب، لتجد نفسها منخرطة في العمل على مناهضة العنف و الظلم الذي يطال النساء. بالإضافة إلى كونها أم لثلاثة أطفال و طالبة باحثة في سلك الدكتوراه بدار الحديث الحسنية، فهي تعمل بشكل دؤوب على التحسيس بأهمية محاربة العنف في أوساط الشباب.
“مغربيات” اتصلت برئيسة الشبكة الوطنية لمناهضة العنف ضد النساء “تمكين“ فتيحة أوجيب للحديث عن الشبكة و دورها في مناهضة العنف الذي تزايد بشكل ملحوظ خلال فترة الحجر الصحي..
“تأسيس الشبكة الوطنية لمناهضة العنف ضد النساء “تمكين“ جاء نتيجة اشتغالي في المجال المدني، حيث كانت البداية مع الشباب من خلال تأطيرهم في الثانويات و الإعداديات حول مجموعة من القضايا، منها : التواصل، محاربة المخدرات و أضرارها، الأمراض المتنقلة جنسيا..وغيرها“ هكذا تحدثت أوجيب عن انخراطها المبكر في مناهضة العنف، أما اهتمامها بالمرأة و الإشكالات التي تعاني منها هذه الأخيرة، فقد شكل قضية أثارت اهتمامها منذ مرحلة مبكرة من حياتها.
انخراط مبكر في العمل الاجتماعي
تقول فتحية أوجيب ل“مغربيات“ “ منذ الصغر لاحظت أن هناك حيف تعانيه النساء، كما كنت متتبعة لدينامية مجتمعية تناهض و تعمل من أجل رفع هذا الحيف. طبعا هذه الصورة الدونية التي كنت أرى النساء يعانين منها و يكرسها الواقع، رفضتها بشدة. ثم تعرفت أن هناك حركة نسائية في مجتمعنا تعمل على الحد من هذه الظاهرة ومحو هذه الصورة“
بعد ذلك بدأت قناعة تترسخ لدى فتيحة بضرورة تأسيس إطار يمكنها من العمل على الحد من كل أشكال التمييز و الحيف التي يطال النساء في مجتمعنا، كما تؤكد هي نفسها بالقول “فكرة تأسيس الإطار جاءت انطلاقا من جمعية قائمة الذات، حيث أنه غالبا ما تكون المرأة المعنية في حاجة إلى تدخل العديد من الجهات، سيما إذا كانت المعنية أُمََا، حيث أطفالها يحتاجون لمتابعة و مواكبة نفسية، أو أنها هي نفسها تحتاج لتنمية قدراتها الذاتية لمساعدتها على كسب لقمة العيش، بعد أن يكون قد لفظها حضن بيت الزوجية، خاصة و أن بعض المعنفات ينتمين لفئات اجتماعية هشة“.
انطلاقا من هذه الفكرة جاء تاسيس الشبكة الوطنية التي تضم مجموعة من الجمعيات التي تتواجد لأزيد من عشرين سنة في العمل الميداني، وكلها جمعيات على اختلاف مجالات اشتغالها، إلا أن موضوع مناهضة العنف ضد النساء يوحدها جميعها.
بعد تأسيس الشبكة، تضيف الرئيسة، انخرطنا في تأسيس مراكز الاستماع و نظمنا دورات تكوينية لفائدة الأشخاص الذين يشتغلون في الاستماع. هذه المراكز كان لها دور أساسي في استقبال النساء ضحايا العنف، و يضم كل مركز منسقة و مستمعة و مختص نفسي و محامي أو محامية، وقد تمكنا، أخيرا، من ممارسة الوساطة الأسرية.
و لأن أغلب النساء المعنفات يفتقرن للتمكين الاقتصادي، فهن يطلبن تدخل المركز من خلال إخضاع الزوج للالتزام بعدم التعرض مرة أخرى لها؛ هذا الالتزام، توضح أوجيب، تستعمله الزوجة المعنية في حال تعرضت للعنف من جديد، حيث يصبح حجة ضد الزوج المعنف.
الوساطة الأسرية
تشدد أوجيب على أهمية الوساطة و التدخل و إصلاح ذات البين، خاصة في وجود خلافات عادية بين الزوجين بعيدا عن العنف، حيث يبقى الحفاظ على الأسرة الغاية الفضلى من الزواج.
هذه المراكز تشير إلى أنها تساهم في الكثير من الأحيان في رفع اللبس و توضيح بعض الأمور التي تكون ملتبسة على الزوجة، التي تقتنع بعد جلسات معها بان المشكل لا يتطلب كل ما كانت ترمي إلى المضي فيه.
لم تكتفي الشبكة بهذه المراكز بل إنها أنشأت مراكز حتى داخل الأندية النسوية، حيث الفتيات اللواتي يرتدن هذه الفضاءات لتعلم بعض الحرف اليدوية (الطرز، الخياطة..) بعد انقطاعهن عن الدراسة هن في حاجة للاستماع لهن و توجيههن لكونهن يشكلن نساء الغد.
مشروع لأجلك..
وقد سبق للشبكة كذلك أن أنجزت مشروعا رائدا بتعاون مع مجلس عمالة الدار البيضاء يحمل اسم “مشروع لأجلك“، وهو مشروع للارتقاء بالنساء و يستهدف الفتيات اللواتي ينتمين للفئات الهشة وهن فتيات الأندية النسوية و مركز حماية الطفولة “عبد السلام بناني“ من خلال مواكبتهن عبر برنامج تربوي متكامل يتضمن الجانب التربوي و التثقيفي و التوعوي و التنموي..
و لتحقيق الأهداف المتوخاة من مناهضة العنف ضد النساء، ارتأت الشبكة ضرورة نشر ثقافة حقوق الإنسان، وهو ما دفعها للدخول في مشروع سنوي بشراكة مع وزارة العدل بجهة الدار البيضاء سطات؛ هذا المشروع الذي تشارك فيه كل الفعاليات المعنية من مجتمع مدني و حقوقيين و إعلاميين، من خلال تنظيم ندوات و دورات تكوينية للتحسيس بأهمية ثقافة حقوق الإنسان في الحد من العنف المبني على النوع الاجتماعي، أو وعبر ورشات تتناول قضايا مثل “مسار المغرب في النهوض بوضعية النساء“ أو “الوساطة الأسرية و الوسائل البديلة لحل نزاعات الخلافات الأسرية “ أو “نحو مواكبة مدنية فعالة للقوانين الجديدة مثل قانون مناهضة العنف 130/13 و قانون الاتجار بالبشر“باعتبار أنها قوانين جديدة يجب تعريفها للفاعلين في المجال.
تزايد حالات العنف الزوجي
وقد انكبت الشبكة خلال هذه السنة على الاهتمام بالعنف المنزلي، بسبب تزايد حالات العنف داخل البيوت من جراء تداعيات الحجر الصحي، وهو ما أقرته الخلية التي أنشئت لهذا الغرض ، حيث المراكز أقفلت أبوابها بسبب الحجر الصحي و لم تعد تستقبل النساء ضحايا العنف. وقد كانت الشبكة، تؤكد أوجيب، واحدة من الجمعيات الأوائل التي أخذت على عاتقها تتبع حالات العنف عبر منصة رقمية “خلية كوفيد ـ19 لمواكبة النساء و الفتيات ضحايا العنف“، مزودة بمجموعة أرقام هواتف لأساتذة محامين و مختصين نفسيين، هذه الخلية كانت تتلقى اتصالات من مختلف مناطق المغرب عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ما حقق انتشارا واسعا للمنصة. الاتصالات التي كانت تتلقاها الخلية لم تكن تقتصر على حالات العنف، بل شملت كذلك طلب مساعدات طبية عاجلة لنساء أو فتيات تعرضن لحوادث منزلية، خاصة في غياب أي شخص يمكن أن يتطوع لنقلهن للمستشفى في ظل الجائحة.
التقرير الذي صدر عن الخلية في نهاية فترة الحجر الصحي أبان على أن 82٪ من مجموع الاتصالات التي تلقتها الخلية تتعلق بالعنف الزوجي، و كانت أقسى أشكاله هي الطرد من بيت الزوجية، مع ما يترتب عن ذلك من مخاطر يشكلها التواجد في الشارع، حيث يعد الأمر خرق لقانون الطوارئ الصحية.
تقول رئيسة الشبكة بهذا الصدد “ بالنسبة لوضعية هؤلاء النساء اللواتي وجدن أنفسهن في الشارع خلال فترة الحجر الصحي، كان لابد من إيجاد مكان يأويهن و يحميهن من مخاطر الشارع و التعرض للعدوى، وهو ما جعل مهمتنا شاقة“، و “الغريب“ تضيف أوجيب أنه و بحسبما هو معروف في العلوم الإنسانية من كون الأشخاص الذين عاشوا أزمات و كوارث و حروب يتضامنون و يتحدون فيما بينهم، غير أن فترة الجائحة أظهرت عنفا غير مسبوق ضد الزوجات في بيوتهن“.
تحرص الشبكة الوطنية “تمكين” من خلال عملها الدائم، سواء الميداني أو التحسيسي و التوعوي على التخفيف من ظاهرة العنف ضد النساء، و إن كانت تعي أنها ظاهرة عالمية و يصعب القضاء عليها، لكنها تؤمن بأن الحد من الروافد التي تغذي هذه الظاهرة من شأنه أن يحد منها، كتحسين صورة المرأة في الإعلام و في الأمثال الشعبية التي تكرس النظرة الدونية للمرأة دون أن ننسى صورة المرأة نفسهالذاتها أحيانا و التي لا تخرج عن هذا الإطار، و التي تعود أساسا للذهنية التي ترسخت لديها عبر التربية التقليدية التي تلقتها.