“غرفة صديقات أجمل العمر” صالون أدبي نسائي يحتفي بالأدب و الفن و العلوم

مغربيات

هن مغربيات مهتمات بالشأن الثقافي و الفني جمعتهن سنوات الدراسة الجامعية فانخرطن في فعل ثقافي جاد وهادف اطلقن عليه اسم “غرفة صديقات أجمل العمر”. هذه الغرفة التي ضمت في البداية رفيقات رحبت فيما بعد بكل صديقات الأدب و الثقافة و الفن و العلوم ليلحقن بهذه التجربة المميزة. 

جاءت المبادرة الأولى من الكاتبة المغربية لطيفة حليم المقيمة حاليا بكندا، حين فتحت بيتها و دعت صديقات الجامعة (جامعة محمد بن عبد الله بفاس) للانضمام للغرفة التي أطلقن عليها اسم “غرفة صديقات أجمل العمر”، فأسست بذلك للقاء موسمي يجمع خيرة المثقفات و المهتمات بالشأن الثقافي و الفني بالمغرب، تارة يقدمن قراءات نقدية في كتاب صدر لصاحبته التي تصبح ضيفة يُحتفى بها، و تارة ينظمن معرضا للوحات فنانة تشكيلية أو مبدعة في مجال ما، مستمتعات بتبادل وجهات النظر و الخبرات كل واحدة في مجالها.

نقاش هادف 

عن هذه الغرفة تقول مؤسستها الكاتبة لطيفة حليم  : “غرفة صديقات أجمل العمر” انطلقت بالصدفة سنة 1996 . كانت عبارة عن سمر و سجال أدبي بداية كل شهر، بغرفتي  بشارع عقبة بحي اكدال بالعاصمة الرباط بالطابق الرابع ، وكنت بصدد تهييء دكتوراه الدولة التي ناقشتها سنة 2003 بجامعة محمد الخامس بالرباط.

لطيفة حليم

الغرفة  كانت تترأسها الدكتورة حياة جاسم ، جارتي بحي اكدال، حيث أن نافذة المطبخ بشقتي  تطل على نافذة مكتبها . و كانت تزورني صديقتي الناشطة الجمعوية الأستاذة دامية بنخويا لتنضم لنا . من خلال المناقشات والحوارات الأدبية و التي تخص الأدب النسائي ، تطورت الفكرة و استمرت الجلسات ، وكان الحضور النسائي متميزا ، ومن بينهن الدكتورة لطيفة الكندوز، ثم الشاعرة والفنانة التشكيلية عتيقة الصايغ،  و الدكتورة  والفنانة التشكيلية حكيمة الجراري ، السيدة مليكة جبرو، السيدة عائشة سباطة …وغيرهن من النساء المثقفات والناشطات الجمعويات . وعندما انتقلت من شقتي  بأكدال إلى حي الرياض، اتسع المكان واتسعت الغرفة و أصبحت أكثر نشاطا من تاريخ 2000 إلى غاية الآن .  بحضور الدكتورة ليلى ادريسي – متخصصة في الطب الباطني –  اقترحت أن يكون اسم الغرفة ” غرفة صديقات أجمل العمر”، فمنذ ذلك الحين تعددت الأنشطة الثقافية التي لا تخص نوعا بعينه ، بل شملت مختلف المجالات الإنسانية والفكرية والتاريخية .

ترى الكاتبة فوزية التدري إحدى الصديقات الوفيات للغرفة أن الحديث عن “غرفة صديقات أجمل العمر” لا يجوز دون الحديث عن صاحبتها ومؤسستها في أول الكلام، لطيفة حليم، امرأة اختارت أن تكون من النساء المختلفات فقررت أن تتقاسم وصديقات أخريات هذا الاختلاف. فتحت بيتها على مصراعيه لتستقبل ثلة من خيرة نساء المغرب قاسمهمن المشترك هو حب الآداب والعلوم والمعارف بصفة عامة. بغرفة لطيفة حليم لا مكان للثرثرة والتفاهات. بغرفتها تزهر عقول النساء ويتم تبادل الخبرات والمعلومات والنقاش الهادف.

فوزية التدري

وعن علاقتها بمؤسسة الغرفة لطيفة حليم تضيف : شخصيا تعرفت على سيدة الغرفة عن طريق “الفيسبوك” واشكر بادرتها الطيبة في الاتصال بي وزوجي بعد ذلك في حديقة المعارف المتنوعة، فالغرفة لا تقتصر على مناقشة الأعمال الأدبية فقط بل تهتم بكل عمل جميل من فنون وعلوم مختلفة.

 وتشير : كل لقاء ب”غرفة صديقات أجمل العمر” هو مكسب لي ولغيري من النساء، إذ انطلقت عدة مواهب منها وواصلت طريق الإبداع بتشجيع من صاحبتها وصديقات الغرفة. ما أعرفه عن الغرفة كونها انطلقت في زمن بعيد شيئاً ما، وهو ما يجعلني أطمح لأن أراها في حلة أكثر تنظيما، حتى تحظى بمستقبل أفضل وتوثق تجاربها في أوراق تشهد على كل اللحظات المشرقة التي عاشتها نساء عديدات مررن بها، وكان همهن هو أن يكسرن قاعدة الاجتماع من أجل تداول أحاديث يومية مملة وتافهة، فصنعن لحظات ناجحة تدعو حقا للفخر.

لبين الدعوة

كلما اقترب موعد اللقاء بادرت لطيفة حليم إلى توجيه الدعوة لصديقات الغرفة حتى لا يخلفن الموعد الثقافي، الذي جعلهن صوتا نسائيا يبصم حضوره بإسهامات و قراءات في  إنتاج كاتبة أو فنانة و كل محتفى بها. 

 تقول  الناشطة الحقوقية و الناقدة عائشة حسمي  إن “غرفة صديقات أجمل العمر” تشتق وجودها من الإبداع و تبحث عنه بين كل الفضاءات.  و تضيف : غرفة صديقات العمر ليست مكانا عاديا. هذا المساء أجالسها، رغم المسافات.  لطيفة حليم (صاحبة المبادرة) تختصر الأمكنة بعشق اللقاء، من كل الفضاءات تحتفي بالإبداع. لا تقرأ منفصلة عن صديقاتها، لا تغلق باب الممكن، تفتح باب بيتها أكثر من مرة في الأسبوع، يرتشف شوق الوطن رضاب الأرض، جارتها تعشق الغرفة. 

عائشة حسمي

وعن حضورها أول مرة لهذه اللقاءات تقول :  جاملت لطيفة بحضورها الأول، ها هي بيننا في كل اللقاءات، تدمن على القراءات بغرفة صديقتها وجارتها، المرونة صنعتها، “غرفة العمر” . تصلني دعوة لحضور لقاء آخر، من تكون شخصيته؟ تتزاحم التخمينات، إنها أستاذة العلوم، ماذا أفعل بالعلوم التي ودعتها يوم اخترت أن أقتفى أثر الأدباء، يبدو أن للعلماء رأي آخر ، أخذتنا أستاذة العلوم إلى عوالمها واندهشنا من شهادات المختبرات، يتحادث بغرفة صديقات أجمل العمر  التاريخ مع الأدب وتحلل السوسيولوجيا وتدقق الصحافة نقرأ في كتاب المحتفى بها، نأتي من كل الجهات، بغرفتنا يجمعنا شغف الجمال، نتسكع  بين حفريات النص، تتماسك أيادينا ونقوم بجولة بين ثنايا الحروف والكلمات، غرفة صديقات أجمل العمر تشتق وجودها من الإبداع وتبحث عنه بين كل الفضاءات.                    

احتفاء بالكاتبات و بالأدب

ففي مايو المنصرم،  تجمعت ثلة من صديقات الغرفة متخصصات في مجال الأدب و الفن و الطب و الإعلام، للاحتفاء بالكاتبة المغربية ربيعة ريحان بمناسبة صدور روايتها الأخيرة “الخالة أم هاني”، حيث كان آخر لقاء نظمنه لهذا الموسم.

وشكلت اللمة الأدبية، كما جرت به العادة في كل مناسبة تعقد فيه الصديقات لقاءهن ، مناسبة لتقديم قراءة في رواية “الخالة أم هانئ” التي زينت الجلسة وألهبت النقاش الأدبي بعد التقديم الذي خصصته لها  مهندسة اللقاءات الثقافية  لطيفة حليم، كما تبادلت الحاضرات وجهات النظر حول الكتاب الذي ناقشنه من كل الزوايا. 

وفي نفس اللقاء قدمت نفيسة الذهبي، قراءة مفصلة و تشريحا للرواية، وهي قراءة تناولت فيها جميع شخصيات الرواية، وبالأخص بطلات الرواية “شيماء” و “الخالة أم هاني” ثم أسفي المدينة، وكان لهذه القراءة جميل التأثير على الحاضرات بالغرفة وعلى نفسية الكاتبة بالضبط. وقد أعقب هذه القراءة مداخلات هامة لكل من عائشة العلوي لمراني و عائشة حسمي  نعيمة أكناو و الإعلامية أسمهان عمور،  و كلهن صديقات وفيات للغرفة، الأمر الذي فتح شهية التساؤلات والنقاش، خاصة بعد كلمة الكاتبة ربيعة ريحان والتي تحدثت من خلالها عن إصدارها الجديد، وعن دوافع الكتابة لديها بشكل عام، وعن دور ذكريات الطفولة.

وأشارت ريحان إلى شدة الانتماء والارتباط بالمدينة مسقط الرأس في خلق الدافع القوي للكتابة وتفجير طاقة الإبداع والتخييل، الأمر الذي يوضح مدى اهتمامها بمدينتها آسفي وحرصها على ذكرها في أغلب نصوصها السردية، خاصة وأنها تلقت سؤالا هاما من الدكتورة نجاة النرسي عن سر تعلقها بالمدينة، وما إذا كانت قد أوفتها حقها في أعمالها السردية أم أنها ستستمر في العرفان لها في أعمالها القادمة.

وتفرع عن اللقاء الأدبي في تفاعله مع رواية “الخالة أم هاني”  حديث شيق عن سبب اندحار مدينة أسفي التي لقبها ابن خلدون ب”حاضرة المحيط” وعن تدهور أحوال مدن مغربية عديدة، أعقبتها مداخلات لنفيسة الذهبي، و  رشيدة افيلال ، و كذلك ماريا غاندي، و مليكة الغبار و ليلى الإدريسي، كما أشادت الحاضرات بنص رواية “الخالة أم هاني ” للكاتبة ربيعة ريحان التي خلقت الحدث الأدبي والاجتماعي في ذلك اللقاء، الذي انعقد في جو تسوده المحبة الصادقة والشغف بالأدب والمعرفة.

About Post Author