عبد الرحمان آيت يحيى: القهر الاجتماعي من أهم أسباب الانتحار ببلادنا
أجرت الحوار : آسـيـة بـوطـي.
اكتست ظاهرة الانتحار في الآونة الأخيرة أهمية كبيرة، بسبب تزايد نسبة المقدمين على هذا الفعل المعقد، المرفوض اجتماعيا و عقائديا، حيث يتعرض المقدم على الانتحار ل”نعوت تنتمي لحقل التشفي و الشماتة اللغوي، علما أنه مبني على سوء إدراك حقيقة المنتحر.. »… هل الانتحار جبن أم شجاعة؟ كيف ينظر المجتمع للمنتحر؟ وهل كان بالإمكان طرق أبواب أخرى قبل الوصول لوضع حد لأسمى شيء في الوجود وهو الحياة؟ تلك أسئلة من ضمن أخرى يجيب عنها الدكتور عبد الرحمان أيت يحيى الأخصائي النفساني بالمستشفى الجامعي محمد السادس بمراكش..
“مغربيات” : حسب شوبنهاور الموت هو الهدف الأسمى للحياة. إذا حسب فلسفته فإن لجوء المرء للموت هو فعل فلسفي مقدس حيث أنه اختار تحقيق أسمى هدف للحياة . من هذا المنطلق و حسب رأيكم فهل فعلا يعتبر الانتحار ضعفا وليس شجاعة؟
في الحقيقة النفسية، الانتحار يشكل سرا.. سرا يمكننا وصفه بالمبهر أو الرائع في الحياة البشرية ،كون الانتحار هو نوع من الفدائية . كما يمكننا أن نعطي مثالا بالأم التي في حال تعرض ابنها للأذى، فسوف تضحي لأجله. هكذا هو الحال عندما تعرض نفسك للأذى. تضحي لأجلها.
الانتحار عملية جد معقدة. من جانب يمكننا اعتبار الانتحار شجاعة ، لأنك بأخذك لحياتك فأنت ترحم نفسك من نفسك. لا نناقش بعد إن كان حلا أم لا… و بالتالي فهذه العملية فيها نوع من الشجاعة. بغض النظر عن طرح السؤال الغيبي، إن كان الإنسان ( الذي انتحر) قد ارتاح فعلا أم لا بعد الموت. كون أن أسئلة كـ “هل هناك حياة بعد الموت ؟ هل هناك راحة بعد الموت ؟” هي أسئلة فلسفية غيبية.
لكن فقط الإقدام على أخذ الحبل و ربطه في مكان مرتفع و وضعه حول العنق و دفع الكرسي بعيدا ، هو فعل شجاع بحد ذاته. و لا ننسى أن بذلك فقد حاول الشخص إراحة نفسه من نفسه ، بعد أن وصل لمرحلة لا يستطيع فيها تحمل حجم الألم و التعايش مع القدر الكبير من الفراغ ليرحمها بالانتحار من العذاب. هنا، نجد فسحة صغيرة حيث سنطرح بعض الأسئلة : هل الانتحار هو فعلا الوسيلة الوحيدة لرحمتها؟ هل فعلا نفسك وصلت لمرحلة متقدمة من العذاب حيث يبقى الحل الوحيد أمامك هو الانتحار؟ ثم هل لا ترى أن في هذا التمثل أو المقياس بعض التضخيم لكمية الحزن الذي تشعر به ؟
تقييمنا في هذه الحالات يكون تقييما ذاتيا، و هذا ينطبق كذلك على الأمراض العضوية. مثلا، إن أخذنا ثلاثة أشخاص و أصبناهم بجرح بواسطة سكين، واحد منهم سيغمى عليه و واحد سيبكي وواحد لن يبالي كثيرا… هكذا هو التقييم النفسي، و الذي يقترن به احتمال الخطأ و التهويل أو التهوين . و يكون هذا الأخير خطيرا عندما نتكلم عن الانتحار حيث أنه لا مجال لتصحيح الخطأ إن ارتكب. فبدل رحمة نفسي، فسأكون قد ظلمتها لأنني لم أبحث لها عن جميع الفرص أو الحلول الممكنة. هذا بالنسبة للانتحار التراكمي، أي عندما يتراكم الحزن لمدة طويلة ، من بضعة أشهر لسنوات، و هو يرتبط ارتباطا أساسيا بالاكتئاب، بينما هناك بعض الحالات التي ترتبط بأمراض عقلية، لكنها حالات نادرة. بالنسبة لانتحار رد الفعل الذي يكون ناتجا عن الصدمات النفسية ، فضيحة مثلا ، موقف صعب، صدمة عاطفية… يكون الحل هو الانتحار، في هذه الحالة يمكن اعتبار الانتحار جبنا (نسبيا).
بغض النظر عن كونه جبنا أم شجاعة ، هل يعتبر الانتحار خطيئة أو فعلا مستنكرا كونه، حسب شهادات من حاولوا الانتحار أو حسب الرسائل التي تركها وراءهم المنتحرون، هو نهاية للعذاب الدنيوي الذي لم يجدوا مفرا منه غير إنهاء حياتهم ؟
أسئلتك الفلسفية جد معقدة !(يضحك) إشكاليتان مهمتان قمت بطرحهما! (الانتحار بين الجبن و الشجاعة ، و الانتحار كخطيئة ) أولا الخطيئة هي تقييم حكم مرتبط ببنية عقائدية معينة . الإسلام، المسيحية، اليهودية، البوذية… و طبعا هناك ثقافات تقدس الانتحار، معتبرة الإقدام عليه شجاعة. الثقافة المغربية الإسلامية على سبيل المثال تعتبره جريمة و خطيئة. هذا إن تكلمنا من المنطق الديني.
بالنسبة للمنطق النفسي ، الانتحار ليس خطيئة بل شجاعة. لأنك بإقدامك عليه فقد خلصت نفسك من الألم لتريحها! إنه نوع من الفدائية. لكن هذه الفدائية نفسها تطرح علينا سؤالا : هل تقييم الفرد لها صحيح أم لا؟ و كيف نجيب عن سؤال التقييم هذا ؟ الجواب هو من الحالات التي فشلت في عملية الانتحار. صراحة، إنه لأمر مبهر النجاة من الانتحار، و قد جالست العديد من الحالات التي نجت منه. هناك حالات نجت حتى من ثلاث لأربع محاولات … السؤال الإشكالي الكبير والمهم هنا هو : هل يحس الناجي بالسعادة أم الحزن و التعاسة بعد فشل المحاولة؟ إن كان إحساسا بالحزن فهذا يعني أن انتحاره كان شجاعة لكنه فشل فيه. لكن إن أحس بالسعادة فهذا يعني أن تقييمه لمستوى حزنه خاطئ ، و أنه بدل الانتحار، كان عليه طرق أبواب أخرى.
الرغبة الغريزية في الحياة يمكن أيضا أن تلعب دورا في إحساس الشخص الذي حاول الانتحار بالندم .
ردود الفعل الغريزية لا يمكن أن نقيم على أساسها إحساس الشخص بالندم، لأننا لو قمنا بضرب قط أو محاولة قتله هل سيحاول الهرب؟ هل سيحس بالألم ؟ طبعا ! تماما، لكنه سيكون ألما فيزيائيا و رد فعل غريزي كونه لا يملك ألما تمثليا أي رمزيا لأنه لا يملك إدراكا بما يشعر به، هكذا تشتغل الغرائز… ففي منطق الحيوان، إن كان هذا الأخير جائعا و لم يكن لدينا ما نطعمه فقد يكون قتله رحمة به، و بالتالي فان الغرائز ليست مقياسا للندم عند الإنسان.
مختصر القول إن الانتحار عملية فدائية ، إن تحدثنا عن الانتحار الذي تراكمت دوافعه. و كما قلت سابقا فانتحار الصدمة هو جبن كون أن فيه نوعا من الهروب من الواقع. إضافة إلى أن عملية الانتحار هذه يكون غير مخطط لها، تكون فجائية ، كالقفز من مكان مرتفع أو الشنق…
في طرق الانتحار قراءات أخرى مهمة، لكن الإشكال الأهم هو: إن نجا شخص ما من الانتحار، هل سيشعر بالندم لفشل المحاولة أم سيشعر بالندم بسبب المحاولة نفسها؟ بما أن الإقدام على محاولة الانتحار مبني على تقدير المنتحر لحالته، و هو تقييم ذاتي محض فإنه من الناحية العملية فالانتحارهنا استسلام و ليس شجاعة . و سيطرح على ذلك الشخص دائما سؤال : هل طرقت الأبواب كلها ؟ فمهما كان متأكدا فهو لا يعلم إن كان فعلا قد طرق الأبواب جميعها، و بالتالي فانتحاره لا يمكن أبدا أيكون شجاعة، بل هو استسلام. أتمنى أن تكون رسالتي قد وصلت.
طبعا دكتور! للفرد حرية اختيار مسار حياته، لماذا فجأة عندما نتكلم عن الانتحار يصبح الأمر متعلقا بالمجتمع ككل و لا يعتبر فقط “اختيار الفرد مسارا لحياته، ألا و هو وضع حد لها” ؟
للإجابة على هذا السؤال سألتجئ لإحصائيات قامت بها منظمة الصحة العالمية ، و التي تشير إلى ارتفاع لحالات الانتحار بمعدل مهم بين سنة 2002 و2012 . لك علم بهذه الإحصائية أليس كذلك ؟
أجل، طبعا. هي إحصائية خرجت نتائجها سنة 2014، أدلت بأن هناك ارتفاعا من 2.7 الى 5.3 حالة انتحار في كل 100000 نسمة .
تعلمين بهذه الإحصائيات . جميل. كما تعلمين فهناك تضاعف لظاهرة الانتحار، و المجتمع كبنية لا يمكن أن يكون داخله ظاهرة أو سلوك و لا يكون عليه تمثلا. لماذا؟ لأن هذا التمثل يصبح هو ميزاننا الذي نشتركه جميعا و الذي على أساسه نقيم الأشياء، و عندما نشترك فيه ، نصنع له لغة و كلمات تدل عليه و نحن نتداوله وبهذا فنحن نملك صورة ذهنية عليه . “حشومة، شمكار، باز…” الأمريكي مثلا لن يستطيع فهم معنى هذه الكلمات، لكن المغربي يستطيع. كذلك هو الحال بالنسبة للانتحار، نقول “الله يستر، قتل راسو” … طبعا هي جريمة، لكن هذا ليس المقياس الأساسي ، بل المقياس هو : لماذا يدفع المجتمع الفرد إلى أن ينتحر؟ بمعنى أننا كمجتمع لم نوفر لهذا الفرد مكانا بيننا. لم نوفر له الظروف المناسبة للحياة التي لا تجعله يختار الانتحار.
لنأخذ كمثال شابا في 28 من عمره ، أراد الزواج من الفتاة التي يحبها لكن عائلته فرضت عليه الزواج من ابنة خالته . رفضه لهذا المصير دفعه للانتحار، من المذنب هنا؟ عائلته طبعا، لأنها ألزمت عليه ، إكراها ، أمرا لا يوافق عليه. إذا السؤال موجه للمجتمع : هل قدمنا للمنتحر جميع الفرص الممكنة للاندماج؟ من هنا نستنتج أن هناك قهرا اجتماعيا، و في هذه الحالة يعتبر الانتحار شجاعة.
في المغرب ، حسب دراسة أجرتها وزارة الصحة سنة 2007 فإن 16٪ من الشريحة التي شملها البحث (15 سنة فما فوق) تفكر في الموت و الخلاص من الحياة،سواء بالانتحار أو الموت العادي، حسب معرفتكم السيكولوجية الواسعة ، هل هناك سبب أو أسباب مشتركة متعلقة كانت بالثقافة المغربية أو بالتربية و التي قد تدفع المواطن المغربي للانتحار؟
تفكير المواطن المغربي في الانتحار ناتج بنسبة كبيرة على القهر الاجتماعي. ليست له أي علاقة بالجانب الفلسفي أو الفكري، بالعكس لحسن الحظ أن المعتقدات الدينية منعت الكثير من الحالات من الانتحار مع أنها وصلت لمرحلة متقدمة جعلتها على حافة إنهاء حياتها ، و هذا يمكن اعتباره جانبا إيجابيا. الدافع الحقيقي هو القهر الاجتماعي كما قلت سابقا ، و الذي يمكن أن يتمثل في عدم توفر فرص الشغل، الفقر، ضعف المنظومة الصحية أو منظومة التعليم… تخيلي معي مؤخرا انتحر أب بمدينة تنغير بسبب إحساسه بالعجز أمام حال ابنته الصحية المصابة بمرض في القلب (أو السرطان ، لست أذكر جيدا) و التي يتطلب شفاؤها مبلغا كبيرا من المال الذي ، بحالته المادية الضعيفة ، لا يستطيع توفيره، ما جعله يقدم على الانتحار الذي كان في نظره حلا من الحلول.
غير القهر الاجتماعي، يوجد مفهوم “الشوهة ” أو الفضيحة، كون أن مجتمعنا المغربي يحب مثل هذه المفاهيم و يستهلكها بكثرة، فهي أيضا من بين أكبر أسباب الانتحار في المغرب.
هل يشمل الإنتحار جميع الفئات العمرية بنفس النسبة ؟ إن كان الجواب هو “لا” فمن هي الفئة المنتشرة فيها ظاهرة الإنتحار هذه بكثرة؟
ان كنت أتذكر جيدا دراسة منظمة الصحة العالمية، فالفئة التي تعرف أعلى معدل للانتحار هي فئة الشباب ما بين 23 سنة و 40 سنة ، لكن من الجانب النظري فان كل الفئات معرضة للانتحار. طبعا نعتبر أن الفئات الأكثر تهورا هي الشباب و المراهقين ، لكن تبقى هذه فقط ارتسامات أولية كون أنه لا توجد إحصاءات محلية تزودنا بمعلومات دقيقة حول الموضوع…
جوابكم سينقلنا إلى السؤال التالي : هل هناك أي سجل وطني للوفايات بسبب الانتحار في المغرب ؟ كون أنه حسب البحث الذي أجريته في الموضوع، توصلت إلى أن الدولة لا تقوم بهذ النوع من الإحصاء. كل ما وجدت هو إحصاءات أدلت بها منظمة الصحة العالمية سنة 2014 و أخرى سنة 2016 .
حسب اطلاعي و بحثي في الموضوع، لا يوجد أي سجل وطني على أساسه يمكن القيام بأي دراسات أو أبحاث حول موضوع الانتحار، كإحصائيات مرض السل أو السكري التي تدلي بها وزارة الصحة سنويا. لكن عموما لا توجد معطيات حول الموضوع حسب اطلاعي.
لماذا في نظركم هذا التحفظ في الإحصاءات من طرف الدولة؟ هل هو بسبب أن الانتحار لا يزال واحدا من الطابوهات أم أن هناك أسباب أخرى …؟
هل السبب هو أن الانتحار يعتبر من الطابوهات ؟ لا أعتقد ذلك. لا أظن أن الانتحار يعتبر من الطابوهات في المغرب، بقدر ما يعتبر وصما جاهزا لحكم الناس .” فلان انتحر إذا لم يقبل قضاء الله” أو “لا يؤمن بقدر الله و مثواه جهنم” كما ترين ، هناك نوع من التشفي و الشماتة ، خصوصا عندما نتكلم عن انتحار رد الفعل الناتج عن رفض حقيقة ما أو هروبا من شبهاتها مثلا… و بالتالي لا يمكن اعتباره من الطابوهات أي المواضيع التي لا تناقش، بالعكس تماما فهو على أفواه الناس ، لكن بكلمات تنتمي لحقل التشفي و الشماتة اللغوي كما أنه مبني على سوء ادراك حقيقة المنتحر. يمكنني أن أقول أن الانتحار في تمثلاتنا الاجتماعية يعتبر مفهوما “مخيفا” ، كما هو الحال مع مرض السرطان أو بعض الأمراض الخطيرة الأخرى ، حيث أن الحديث حول مثل هذه المواضيع يشكل لنا تحديا صعبا على المستوى النفسي. و هو ما يدفعنا لسؤال أنفسنا إن كان بإمكاننا الانتحار يوما ما، كلنا معرضون للانتحار ، أليس كذلك؟
طبعا! لكن لكل أسبابه الخاصة و نوع انتحار مختلف ، فأنواع الانتحار تختلف أيضا .
أجل، هناك أنواع مختلفة من الانتحار، مثلا انتحار الفدائية ، أي عندما يضحي شخص ما بنفسه لأجل وطنه أو محبوبه أو عندما تفدي أم ابنها بحياتها… أنواع الانتحار متعددة و كثيرة لكن انتحار الفدائية هو أعظم ما يمكن أن يصل إليه الإنسان في حياته و سلامته النفسية . ومن الناحية الفلسفية أيضا، تعتبر التضحية من أجل هدف ما فعلا مقدسا و عظيما.
هناك مقولة ل”تشيغيفارا” تقول : “من ليس لديه قضية يموت لأجلها فليس له قضية يستطيع الحياة لأجلها“. أي إن كنت لا تملك هدفا مقدسا تستطيع أن تدفع حياتك ثمنا لأجله فانك فقط تعيش داخل دوامة من الاجترار بدون اتجاه محدد و في حياة لا معنى لها.
هل يمكننا انطلاقا من هذا المنطلق أن ننصح الناس بفعل ما يجدونه هم مناسبا أو ما يظنونه صحيحا، كون أن الفرد نفسه هو الوحيد القادر على تحديد موقفه عندما يتعلق الامر بالانتحار ، و أن ما سيحدث بعد الموت مجهول تماما لدرجة أن البعض يظن أنه دليل على الراحة الأبدية ؟
إن قمنا بالتحدث بمنطق الاحتمالات، سنسأله (الشخص المقدم على الانتحار الناتج عن تراكم الحزن و الألم) إن كان قد جرب طرق جميع الأبواب كما قلت سابقا، و طبعا سيجيب بأنه فعل. لكن الإشكال المحوري هنا هو : عندما تكون في قمة الاكتئاب، هل ترى فعلا جميع الأبواب؟ طبعا كلا.
في هذه الحالة نسأله أن يتقدم للعلاج أولا ليستطيع رؤية تلك الأبواب بوضوح و لاحقا إن قرر الانتحار فسنعتبره شجاعا. لا أحد يقدم على الانتحار بسبب اليأس و هو في قمة الزهو و السعادة، أو في طريقه إلى تحقيق ذاته، ذلك لأن الغريزة ستمنعه. في هذه اللحظات تحضر الأفكار الانتحارية البديعة ألا و هي أفكار الفداء المتعلقة بقضايا الوطن أو الكرامة أو الحب الخ.
إن قمنا بإعادة إحياء جميع المنتحرين، سنجد أن أغلبهم قد شعروا بالندم، ليس لأن مصيرهم جهنم مثلا لأن هذا في علم الغيب… لكن إن عاد المنتحر للحياة ليرى أن الحل كان أمام ناظريه فسيشعر بندم كبير. كحال ذلك الأب الذي انتحر لأنه لم يجد لعلاج ابنته سبيلا. أظن من يطرق فعلا جميع الأبواب فلن تخيبه الحياة أبدا، لأنه منطق صحي في التفكير، يصحح الاعتبارات اللحظية التي من شأنها تظليلنا عن الطريق الصحيح. و بالتالي سيؤدي هذا إلى صنعك حظك الجيد بيدك ، فأنت الذي تذهب إلى حظك ليس هو من يأتي اليك.
قلتم سابقا أن أعظم ما يمكن أن يصل إليه المرء في حياته هو الفدائية ، معتبرينها انتحارا ناتجا عن شجاعة كبيرة. هل بقولكم هذا تنتقدون المعتقدات الدينية التي التي تجرم الانتحار ؟
الانتحار الفدائي من أعظم ما وصلت إليه البشرية في تاريخها، فتضحية أبناء وطن ما بنفسهم لأجل وطنهم هو ما جعل هذا الأخير يتقدم و يتطور ، لذا لا يمكن أبدا تجريم هذا النوع من الانتحار.
لكن من جهة أخرى، من وجهة نظر الخبرة النفسية، ساهم المعتقد الديني في منع الكثير من من يعتنقونه من الانتحار. لذا إن تكلمنا من منطق براغماتي فهذه الأفكار قد قدمت بعضا من المساعدة، بغض النظر عما إن كانت صحيحة أم خاطئة، فعمليا نحن ك”براغماتيين” سنأخذها فقط من منظور أنها قد ساعدتنا نوعا ما. ما إن تكلمنا بفكر حقوقي صرف، فلا يجب أن يكون هناك أي تجريم للانتحار مادام لكل فرد الحق في أن يفعل ما يشاء بنفسه، بخلاف مواضيع أخرى كالإجهاض و التي تتعلق بشخص آخر أيضا.