شامة .. “كرابة” تعيد الحياة إلى مهنة لم تعد موجودة

مغربيات

بعد أن اختفى الكراب الذي كان يؤثث الفضاء العام، سواء في الأسواق أو الأزقة و الدروب، ظهرت “شامة تميم” سيدة على مشارف الخمسين تحمل قربة ماء بشوارع العاصمة الرباط. البادرة لاقت إقبالا كبيرا من طرف المارة الذين لا يترددون في الارتواء من الأواني النحاسية اللامعة، خاصة في أوساط الشباب، أو التقاط صور معها للذكرى مقابل دريهمات قليلة، لكن شامة تجد فيها البركة التي جعلتها تمشي على درب والدها الذي كان واحدا من أشهر الكرابة بالمدينة.

مغربيات التقت بشامة تميم للحديث عن مزاولتها لهذا النشاط و عن الإكراهات التي تواجهها..

لم يكن هذا هو النشاط الأول لشامة، فقد كانت من قبل تفترش رقعة صغيرة بشارع الحسن الثاني المعروف بديور الجامع بالرباط لتعرض عليها بعض أدوات الاستحمام البسيطة (أكياس، صابون، أمشاط..) قبل أن تحول نشاطها فيما بعد لبيع شربة ماء لمن يطلبها.

بسبب شظف العيش و قلة ذات اليد، تضطر شامة للخروج من بيتها الكائن بحي الملاح كل صباح، تاركة خلفها زوجا بالكاد يوفر لقمة عيش من بيع أشياء بسيطة يفترش بها الأرض بالمدينة، و ثلاث بنات أصغرهن في الرابعة عشرة من عمرها، ولا تعود إلا عند العاشرة ليلا بعد أن يكون التعب قد هدها من كثرة الوقوف بالشارع تحت لسعات الجوع و البرد القارس.

تقول شامة لمغربيات” : عندما تعبت من بيع أشياء بسيطة و لاحظت أن الناس لا ترغب فيها، جاءتني فكرة أن أحيي حرفة والدي التي امتهنها طوال حياته. صحيح أن تكرابت في السابق كان لها شأن و كان الناس يقبلون على الكراب الذي كانت له مكانة مهمة بين المارة، لكني مع ذلك قلت لما لا أجرب حظي فيها ربما يجيب الله التيسير. ثم تضيف في البداية كنت ألاحظ اندهاش المارة من الزي الذي أرتديه، و مع مرور الوقت بدأوا يتعودون على رؤيتي ومنهم من أصبح لا يتردد في التقاط صور معي، لكن بعد ذلك أصبح بعضهم يطلب شربة ماء، خاصة في فصل الصيف مع ارتفاع درجات الحرارة.

تعرف شامة جيدا أن بعض الناس يتوجهون صوبها لتقديم المساعدة دون حتى أن يشربوا من الأواني النحاسية اللامعة التي تحرك عطشهم ومع ذلك يظلون متوجسين من الشرب، خاصة في ظل الجائحة، خوفا من العدوى. كلما نفذت كمية الماء المخزنة بالقربة، سارعت شامة لأقرب محطة بنزين لملئها وحملها لساعات وهي تنتظر أن يمر عابر ليطلب شربة ماء و ينفحها بدريهمات قليلة لكن تقول عنها شامة : الحمد لله هناك تعاطف من العابرين تجاهي ألمسه في ابتساماتهم حتى إن لم يعطوني شيئا.

لا تطمح شامة في أكثر من الستر لها و لبناتها، رغم ظروف عيشها الصعبة، حيث إنها تكتري بيتا صغيرا بحي الملاح، و تعيل أسرة بكاملها، بالإضافة إلى شقيق من ذوي الاحتياجات الخاصة يعيش معها في نفس البيت، إلا أنها لا تتخلى عن ابتسامة لا تفارقها، متخذة من القناعة و الرضى زادها لمواجهة قسوة الحياة.

About Post Author