سهيا العلوي مهندسة معمارية ‪مسكونة بتصميم الأثاث‬

مغربيات

بدأت سُهيا العلوي مشوارها المهني كمهندسة معمارية اشتغلت في عدد من المشاريع الهامة بالعاصمة الرباط، ضمن فريق عمل بمكتب للهندسة المعمارية، منذ تخرجها من المدرسة الوطنية للهندسة المعمارية بالرباط سنة 2016. وكانت آخر محطة لها، هو عملها في واحد من أهم المشاريع التي عرفتها العاصمة مؤخرا صومعة محمد السادسعلى ضفاف أبي رقراق، وهي البناية التي تمتد على ما يفوق 50 طابق. قبل أن تغادر سفينة الهندسة المعمارية نحو عالم تصميم الأثاث و الديكور..

مغربياتالتقت المهندسة الشابة سهيا العلوي للحديث عن عالم الديكور و الأثاث و عن طموحها في إنجاز مكتب للدراسات الهندسية من البناء إلى غاية التجهيز..

درست سهيا، وهي طالبة بالمدرسة الوطنية للهندسة المعمارية، بعض المواد الفنية التي تتطلب مؤهلات تعتمد على روح الابتكار و الإبداع، بعيدا عن التقليد و تقبل السائد من الموديلاتالرائجة في السوق، وهو ما حفزها لتنحو هذا المنحى، حيث أصبحت اليوم تقود مشروعا ناجحا بمراكش، كمصممة لأثاث لا وجود له إلا في مخيلة تنضح بالابتكار و التصاميم الفريدة التي أصبح يطلبها العديدون من عشاق الأثاث العصري الفاخر.

تقول سهيا لمغربيات” : أثناء عملي كمهندسة معمارية لما يناهز خمس سنوات تقريبا، حيث شاركت في إنجاز مشاريع بمعايير عالية الجودة، لاحظت أن زبناء هذا النوع من التصاميم، يطلبون أثاثا غالبا لا يوجد في السوق، و إن وُجد فيكون بأثمنة مرتفعة جدا. بالنسبة لقطع الأثاث هناك النموذج المتداول العادي الذي نجده في الأسواق و الذي غالبا ما يكون متشابها، وهناك نوع آخر يتطلب خلقا و إبداعا، وهنا وجدت ضالتي..”

الهجرة نحو التصميم

أمام الضغط الذي كانت تفرضه شخصيتها المبدعة، لم تجد سهيا بدا من ترك مكتب الهندسة الذي اكتسبت فيه الكثير من المهارات، لتعانق عالما آخر فتح أمامها آفاقا أخرى لإظهار علو كعبها في مجال تصميم الأثاث العصري و الأنيق، بداية من خلال ورشة صغيرة ببيت جدتها بالرباط، معتمدة على زبناء محدودين، ثم انتهاء بامتلاكها لورشة أكبر رفقة فريق من العمال الحرفيين.

تقول سهيا : “انخراطي ضمن الفريق الذي أشرف على إنجاز صومعة محمد السادس، المعلمة المعمارية الفريدة، ساعدني لاكتساب الكثير من لمهارات، لكني مع ذلك وجدت نفسي أضيق ذرعا يوما بعد يوم من عمل يتكرر و يفتقر إلى روح الإبداع، و لا يستجيب إلا لطلبات السوق، لأنصرف كليا عن المعمار و أتفرغ بشكل كلي لتحقيق الأفكار التي كانت تناديني و أنا لا أستطيع أن أحبسها..”

في البداية كانت سهيا تصنع قطع أثاث (طاولات، مرايا، كراسي..) في ورشتها الصغيرة ثم تضع صورها في صفحتها على موقع أنستغراملتفاجأ بتجاوب غير متوقع من زبناء متعطشين لهذا النوع من الأثاث المفقود في الأسواق.

أمام هذا التجاوب الذي لم تتوقعه، أصبحت تعمل على كسب بعض الخبرات في مجال التسويق الرقمي، حتى تتمكن من تحقيق الانتشار و التعريف بتصاميمها الذي كان لايزال يتلمس أولى خطواته نحو الوصول إلى أكبر عدد من الزبناء.

مع توسع المشروع وجدت سهيا نفسها تبحث عن ورشة أكبر و يد عاملة تساعدها على تلبية طلبات الزبناء التي كانت تتزايد يوما بعد يوم.

الوجهة.. مراكش

مشاركتها في برنامج للسفارة الأمريكية جعلها تتعرف عن قرب على العاملين في المجال بمراكش، وبهذا الصدد تقول سهيا العمال في مراكش لا يشبهون باقي العمال في أي مكان آخر, هنا لهم خبرة طويلة في العمل مع مصممي الأثاث، و تنفيذ الأفكار التي يمكن أن تطرد النوم من عين المصمم لتجد لها طريقها سهلا في يد هؤلاء العمال الذين يستوعبون التصاميم بسرعة و لا يجدون صعوبات كثيرة في تنفيذها“.

كانت سهيا تقوم برحلات إلى مراكش بحثا عن يد عاملة من نوع خاص، حتى تخرج قطعة الخشب التي بيديها وتحولها إلى تحفة فنية.تفاصيل دقيقة كانت تجعلها تدخل في جدال مع العاملين الذين يعتبرون أن المسمار في أسفل الطاولة ليس ضروريا إخفاؤه، بينما تحرص هي على أدق التفاصيل لإتمام العمل دون أن تشوبه أية نواقص.

قطع الأثاث التي تصنعها تصبح فيما بعد قطعا من روحها، فهي كانت أفكار قبل أن تتحقق و لطالما استولت على حيز كبير من منامها، قبل أن تجد طريقها للتنفيذ.

تؤكد سهيا كنت دائمة التردد على مراكش من أجل إتمام بعض الأعمال و التفاصيل التي لم يكن الحرفيون في الرباط قادرين على إنجازها، و من هنا توطدت علاقتي بهذه المدينة التي أعتبرها ملهمة للعديد من المصممين و المبدعين في شتى المجالات.. هذه المدينة إنما وجدت لتحتضمن عشاق الفن و الإبداع و الابتكار..”

الحس الايكولوجي

تتميز قطع الأثاث التي تصممها سهيا بكونها تحافظ على طبيعة الخشب، سواء من حيث شكله أو لونه، دون أن تغير فيه الكثير من ملامحه الأولية، وهو ما يعطي انطباعا باأنه مستوحى من الطبيعة، حيث لا تتعرض القطع الخشبية بين يدي هذه الفنانة إلى أي نوع ن التشويه، يفنطبق عليها القول الجمال يكمن في البساطة“.

الحس الايكولوجي حاضر بقوة لدى هذه المصممة التي تعتبر أن حب الطبيعة كان دافعها الأول لأن تستثمر كل قطعة بين يديها و تحولها ليس لقطعة أثاث عادية و لكن لتحفة فنية.لا شيء يُهمَل لديها. كل متلاشية يمكن أن تتحول إلى شيء ذي قيمة، وهذا هو التحدي الذي رفعته منذ دخولها هذا المجال.

حتى بحثها لنيل دبلوم الهندسة كان حول طرق كيفية إعادة استعمال المواد المهملة“. هذا البحث سيمكنها من المشاركة في العديد من البرامج داخل المغرب و خارجه، خاصة بفرنسا، كما سيساعدها من اكتساب معارف جديدة و الاستفادة من خبرات لمصممين سبقوها في المجال.

منذ البداية عاهدت سهيا نفسها على أن تحول القطعة المهملة التي يفكر كل من رآها أنها لا تصلح لشيء، إلى قطعة تسترعي الانتباه بل و الإعجاب أحيانا. صحيح أن هذه الفلسفة التي تستمد وجودها من التعريف الذي يطلقه البعض على الفن من كونه تصوير جميل لشيء عادي.تقول سهيا في الورشة التي أعمل فيها لا مكان للمتلاشيات، لا نتوفر على قمامة، لأن كل قطعة لها قيمتها و يمكن الاشتغال عليها وتحويلها لشيء جميل..”

ما يعتبره العديد من صناع الأثاث و الديكور عيوب في الخشب أو المواد التي تستعمل، تعتبره سهيا حافزا للإبداع ومجالا خصبا للتحدي و ابتكار أفكار جديدة، تؤكد هذه الفلسفة التي أعمل بها تجعل كل قطعة أثاث فريدة واستثنائية و لاتشبه سابقاتها، لكل منها بصمتها الخاصة لأنني أحرص على أن أمنحها لمسة خاصة كما لو كانت بها روح..”.

تؤكد أنها لا تستطيع أن تضع قطعة أثاث بمنزلها دون أن يكون باستطاعتها أن تنسج معها علاقة من نوع خاص، كما لو كانت كائنا حيا يتفاعل مع المحيط.

شجرة مكان كل طاولة

في ضيعة إيكولوجية بضواحي مدينة تيفلت، تساهم سهيا بزرع الأشجار: شجرة مكان طاولة. تضيف سنحاول أن نقوم بنفس العملية في ضيعات إيكولوجية متفرقة، صحيح أن الخشب الذي يستعمل في صناعة الأثاث لا يعتمد إلا على الأخشاب التي تكون قد فقدت الحياة، لكن مع ذلك نحن نرفع شعار مكان كل طاولة شجرةحتى نساهم في الحفاظ على البيئة، فالغابات هي الرئة و هي التي تمنحنا هذه المادة الحيوية..”

وعن الزبناء تقول سهيا نعمل حاليا مع زبناء خاصين، نسبة كبيرة منهم مغاربة، حيث في السابق كانت هذه الطاولات و الكراسي و الأرائك تُجلب من إندونيسيا و أمريكا، لكننا اليوم أصبحنا نعمل وفق مبدأ “Circuit court” وهو ما يجعل الطاقة التي تهدر من أجل إيصال منتوج معين إلى غاية الزبون ضعيفة، كما يساعد على خلق فرص شغل لأشخاص قريبين من محيطك.

تستعد سهيا، حاليا، رفقة فريق عملها لتقديم طاولة طولها أربعة أمتار بمركز حاضنة المقاولات الناشئة “EBF”، وهي تستعيد تفاصيل الفرحة التي عمت الورشة بعد استكمال أطوار صنع هذه الطاولة التي تعتبرها إنجازا مهما في مسارها المهني.

لازال في جعبتها الكثير من الأفكار التي لم تجد بعد طريقها إلى الوجود، كما لازالت تحلم بأن تفتح مكتب هندسة، يشرف على المشاريع من التصميم و البناء إلى التجهيز.

About Post Author