ثلاث سنوات على جريمة إمليل.. السكان يستعيدون تفاصيل محنتهم التي تفاقمت مع الجائحة
مغربيات
ثلاث سنوات مرت على الحادث المروع الذي ذهبت ضحيته سائحتان اسكندنافيتان (الدنمارك و النرويج) كانتا في طريقهما إلى جبل توبقال بمنطقة إمليل ( 82 كيلومترا جنوب مراكش)، على يد أشخاص متطرفين. لم تكد المنطقة تشفى و تستنهض قواها لتستعيد الحياة، حتى جاءت الجائحة التي كانت أكثر شراسة من الجريمة المروعة، حيث شلت القطاع السياحي بالكامل، و الذي يعتبر مصدر العيش الحيوي لساكنة المنطقة. كيف عاش سكان إمليل الحادث المروع الذي لم يعرفوا مثله من قبل و كيف تدبروا أمور عيشهم أثناء الجائحة؟ “مغربيات“ زارت المنطقة لاستطلاع رأي سكان المنطقة..
لازال الحادث يثقل بتفاصيله على سكان إمليل، يستنكرون و يتذكرون كيف حلت بهم الكارثة ذات صباح من دجنبر سنة 2018 حتى كادت أن تعصف بمصدر رزقهم، الذي يعتمد في 90 في المائة منه على النشاط السياحي، وبعض الزراعات الموسمية (الجوز، الكرز، التفاح..).
على بعد 10 كيلومترات من مركز إمليل، في اتجاه قمة توبقال (أعلى قمة بشمال إفريقيا 4165 مترا) و عند منطقة شمهروش تحديدا، سيعثر مرشد سياحي، صباح 17 ديسمبر 2018، على جثتين الشابتين راحتا ضحية جريمة مروعة اهتزت على إثرها المنطقة، بينما كان في طريقه إلى أعلى الجبل رفقة سياح أجانب، ليعودوا أدراجهم، ويقوم بإخبار السلطات عن الحادث، لتتناسل بعد ذلك الحكايات حول مرتكبي جريمة لم تعرف المنطقة عبر تاريخها مثيلا لها.
السياحة مصدر العيش
أغلب الذين يمارسون الإرشاد السياحي هم من أبناء المنطقة، الذين كانوا أطفالا صغارا يرافقون مرشدين كبار من أقرابائهم (الأب، الأخ أو العم) حتى تعلموا أصول المهنة. معرفتهم الدقيقة للمنطقة ومسالكها الوعرة و إلمامهم بعدد من اللغات الأجنبية (الإنجليزية، الفرنسية، الإسبانية أو الألمانية) أكسبهم ثقة السياح وجعلهم خير رفقاء لهم في رحلة الصعود إلى قمة توبقال و استكشاف المنطقة.
“كاوكاو“ واحد من شباب المنطقة في الثلاثين من عمره، تعلم مهنة الإرشاد السياحي من عمه الحسين، الذي تحدث عن آثار الحادث على المنطقة و عن المهنة التي تعلمها في مركز للإرشاد السياحي بمنطقة أزيلال (شمال مراكش).
عن آثار الجائحة يقول “كاوكاو“ ل“مغربيات“ : هذه السنة الحمد لله انتعشت المنطقة بفضل السياحة الداخلية، حيق امتلأت دور الضيافة و الفنادق غير المصنفة عن آخرها خلال رأس السنة. سنة 2020 كانت قاسية على الساكنة و المشتغلين في قطاع السياحة. فتاة ودون سابق إشعار ما كدنا نستفيق من هول الجريمة النكراء، حتى هبت رياح الوباء الذي عزل المنطقة.
أغلب العاملين في الإرشاد السياحي و في دور الضيافة لم يجدوا ما يسد رمقهم باستثناء المبلغ الذي خصصه صندوق التقاعد الاجتماعي(2000 درهم)، فيما الباقون لم يجدوا أمامهم إلا بيع ما كانوا يحصلون عليه طيلة سنوات طويلة من العمل.
الحسين أقدم مرشد سياحي بالمنطقة (75 سنة) « كنت ببيتي حين وصلني الخبر. قلت حينها إن مرتكب الجريمة غريب عن المنطقة »الحسين الذي لم يعد يمارس مهنة الإرشاد السياحي بسب تقدمه في السن، لم يكن الوحيد الذي استبعد فرضية أن يكون القاتل من أبناء إمليل، بل غيره كثيرون ممن أجزموا على أن أهالي المنطقة ودودون و متسامحون و لا يمكن أن يؤذوا ذبابة.
يضيف الحسين « قضيت 30 سنة أرافق سياحا من جميع أنحاء العالم إلى قمة توبقال، ولم يسجل قط أن تعرض أي منهم لأذى، اللهم في حوادث عرضية. لازلت أحتفظ بالكثير من الصداقات مع بعضهم إلى غاية اليوم. يزورون المنطقة من حين إلى آخر و يقيمون بيننا كما لو كنا أهلهم وكانوا أقرباءنا».
كغيره من الكثيرين لازال الحسين يشعر بغصة في نفسه، بسبب الجريمة البشعة التي هزت المنطقة حتى أضحت كابوسا لأي سائح يمكن أن يفكر في زيارتها.
يؤكد الحسين أن عدد السياح الوافدين على المنطقة و الذين يصل عددهم تقريبا إلى 15 ألف سائح سنويا، لم يتضاءل بسبب الحادث، بالعكس فعدد من السياح الأصدقاء فضلوا قضاء عطلتهم بالمنطقة تضامنا مع سكان خبروهم و عرفوهم خلال زيارات سابقة، ولوم يساورهم الشك في أن مرتكبي الحادث غرباء عن المنطقة.
يقول الحسين إن الله لم يرد بهذه المنطقة سوءاً لتنكشف سريعا خيوط الجريمة ويتبين أن الجاني لم يكن من أبناء المنطقة. بعد أن عثرت مصالح الأمن أثناء تمشيط المنطقة على بطاقة تعريف (الهوية) خاصة بأحد المتورطين في الجريمة بالقرب من مكان وقوع الجريمة.
يشير “كاوكاو“ على أنه و على الرغم من هول الجريمة، إلا أن العديد من السياح و الصحافيين و المستطلعين كانوا يتوافدون على المنطقة بشكل كبير، من أجل الوقوف على ما وقع، وهو ما أنعش المنطقة سياحيا، حيث تحولت لوجهة يقصدها العديدون، عكس فترة الجائحة التي شلت السياحة تماما، و لولا السياحة الداخلية و توافد مواطنين مغاربة على إمليل لعاش سكانها أسوء فترة.
دعم السياح للمنطقة
على الرغم مما صرح به مرشدون سياحيون من كون الإقبال على المنطقة لم يتأثر بما حدث، إلا أن بعض الفنادق ودور الضيافة عرفت كسادا، وهو ما أرجعه أصحابها للحادث المأساوي، الذي قلص من عدد السياح الوافدين على السياحة الجبلية، في وقت سابق.
يقول لحسن مسير دار للضيافة بالمنطقة « لا يمكننا أن ننكر بأن الجريمة التي وقعت قبل ثلاث سنوات قلصت من عدد السياح الوافيدن، خاصة الإسبانيين و الألمان و البولونيين، اللهم أصدقاءنا الذين اعتادوا قضاء عطلتهم في هذا المكان. هؤلاء لم يخلفوا موعدهم مع إمليل رغم علمهم بالحادث، لكن الجائحة كانت أقسى علينا، حيث أنه في السابق رغم وقوع الجريمة المروعة إلا أن أصدقاءنا كانوا أوفياء في زيارتنا لأنهم يعرفون أننا مسالمين و لا نؤذي أحدا، لكن الوباء منع الأصدقاء وغير الأصدقاء من المجيء للمنطقة، وهو ما انعكس علينا بشكل ملفت »
مباشرة و بعد وقوع الجريمة المروعة التي راحت ضحيتها السائحتان، فضل عدد من السياح الأجانب و المغاربة أن يقضوا عطلهم بالمنطقة تضامنا مع سكانها، لأنهم يعرفون جيدا أن أهل إمليل لا يمكن أن يؤذوا أحدا، سيما و أن عددا من السكان يستقبلون في بيوتهم المتواضعةعابري السبيل الذين لا يتمكنون من اقتناء فنادق أو دور الضيافة.
أما ابراهيم وهو صاحب “بازار“ فيؤكد أن الفترة ما بين شهر مارس وماي تعد موسم الذروة، في حين يضعف النشاط السياحي الجبلي خلال يونيو، يولويز و غشت، مؤكدا أن هاتين السنتين عرفتا كسادا كبيرا مقارنة بالسنوات الماضية بسبب الجائحة.
يؤكد “كاوكاو” أن النشاط الفلاحي، على الرغم من أهميته في المنطقة، إلا أنه لا يكون إلا موسميا. فبالنسبة لبعض المنتوجات كالجوز و التفاح و الكرز (حب الملوك) لا تكون إلا مرة في السنة (صيفا)، و بالتالي لا يمكن لمن يمارسون هذا النشاط أن يعتمدوا على عائدات تسويقها لتدبير معيشتهم طيلة السنة.
رغم بعض الكساد السياحي الذي ضرب المنطقة، إلا أن أبناءها يؤمنون بأن هذه الرقعة من الأرض التي تفجرت فيها ينابيع المياه، حيث على جنبات طرقاتها أشجار الثمار وتغمرها بكساء الطبيعة الذي جعلها تبدو كما لو أنها قطعة من الجنة فوق الأرض، لا يمكن لأحد أن يحرمها مما حباها الله من جمال و طيبة وسخاء، وهو ما يؤكده أحمد بائع لمعدات جبلية بقوله « ويمكرون ويمكر الله و الله خير الماكرين ».