المهن النسائية بالمغرب في ظل جائحة كوفيدـ19.. مآسي وتراجع عن المكتسبات
من زاوية ديمغرافية تشكل المرأة نصف المجتمع، غير أن هذا الحضور العددي لا يعكس انتشارا تناسبيا ولا عادلا بين المرأة والرجل في نسيج الأنشطة المجتمعية وفي مقدمتها النشاط الاقتصادي. ولا شك أن توزيع المهن والوظائف داخل مجتمع ما لا يخضع فقط لبنية النظام السياسي والإداري للدولة بل يجد تفسيره كذلك في جملة من التمثلات والموروثات التقليدية عن دور و طبيعة الوظائف التي حددها المجتمع للمرأة انطلاقا من طبيعتها الفيسيولوجية والعاطفية. ولا يمكن نفي هذا الواقع حتى في المجتمعات التي تنعم بقسط وافر من الديمقراطية وقيم الحداثة. ويكفي هنا أن نعطي المثال بمهن التمريض والسكرتارية والمساعدة المنزلية ومهن أخرى حيث تهيمن فيها المرأة على حوالي ثلثي هذه الوظائف عبر العالم.
لقد شكلت جائحة كورونا انتكاسة حقيقية للوضعية الحقوقية للمرأة عبر العالم وعرت واقعا مريرا كشف عن عودة الحيف والتمييز والإقصاء الذي ناضلت ضده الحركات النسائية والحقوقية لعقود طويلة من الزمن. في هذا المقال سنسلط الضوء على بعض الآثار السلبية لجائحة كوفيد19 على المرأة والفتاة ولاسيما المعاناة النفسية وعدم الاستقرار الاجتماعي وتضرر المهن النسائية، وما خلفته هذه الآثار من إعادة النقاش الى المربع الأول حول مقاربة النوع والمساواة والعدالة الجندرية وجدوى وفعالية التشريعات المرتبطة بها.
المرأة في ظل كرورونا عبر العالم
يرسم التقرير الأخير لمنظمة الأمم المتحدة صورة قاتمة عن وضعية المرأة والفتاة في ظل جائحة كورونا واعتبر أن المرأة تضررت أكثر من الرجل بسبب مخلفات كورونا على الاقتصاد وعلى عيش المواطن بصفة عامة. فكل التقارير والإحصائيات الصادرة الواردة على الهيئة من منظمات حكومية وغير حكومية تؤكد تشابه المعاناة والأضرار المادية والنفسية مع فارق بين بلدان الشمال وبلدان الجنوب. وأكد التقرير الصادر نهاية 2020 على ارتفاع كبير في حالات العنف المنزلي ضد المرأة وارتفاع حالات التحرش الجنسي ومختلف أشكال العنف في الأماكن العامة وكذا على الانترنيت بسبب انشغال السلطات الأمنية بالاستجابة الفورية للتغييرات التي فرضها وباء كوفيد 19. وأبرز التقرير كذلك أن التوترات الاقتصادية والاجتماعية إلى جانب القيود المفروضة على التنقل والسكن الضيق أدت إلى تصاعد حالات العنف القائم على النوع الاجتماعي إذ تجاوز الرقم المسجل قبل 2019 الذي وصل إلى امرأة من كل ثلاث نساء، كما سجل زيادة في حالات الاستغلال الجنسي وزواج الأطفال وخاصة في أوساط النساء والفتيات اللواتي يعشن في الاقتصادات الهشة ومخيمات اللاجئين.
وحسب منظمة “أوكسفام” الدولية، أدت أزمة كورونا إلى خسارة في دخل النساء في جميع أنحاء العالم بما لا يقل عن 800 مليار دولار في سنة 2020، أي ما يناهز مجموع الدخل المحلي الخام لدول شمال أفريقيا، علما أن هذه التقديرات لا تتضمن دخل النساء اللواتي يعملن في القطاعات غير الرسمية وغير المهيكلة، وبالتالي فإن الرقم الحقيقي سيكون أكبر من هذا الرقم المعلن. كما أن النساء عبر العالم فقدن أكثر من 64 مليون وظيفة سنة 2020 بمعدل خسارة يناهز 5٪ في مقابل 3.9٪ فقط للرجال.
المرأة في ظل كرورونا بالمغرب
يشير التقرير الذي أجرته المندوبية السامية للتخطيط بالمغرب في سنة 2021 لتقييم تأثير الأزمة الصحية والتداعيات الاقتصادية والاجتماعية المترتبة عن الإجراءات المتخذة لمواجهتها والتخفيف منها، بالإضافة إلى البحث الوطني حول المقاولات لتحديد الأضرار التي تعرض لها الاقتصاد الوطني من خلال فحص تداعيات الأزمة على عينة من الأسر المغربية خلال فترة الحجر الصحي، أن الأسر التي تعولها نساء عانت أكثر من تلك التي يعولها رجال سواء من حيث التباينات الواضحة في الولوج الى الرعاية الصحية أو التعليم عن بعد بالنسبة للأطفال المتمدرسين، أو في الحفاظ على الدخل وحتى في الاستفادة من المساعدات التي قدمتها الدولة. وفيما يخص متابعة التعليم عن بعد عزى التقرير الصعوبات التي تواجه الأطفال في الأسر التي تعولها نساء الى قلة توفر أدوات التدريس وقلة الإمكانات والوقت وتدني المستوى التعليمي للنساء المعيلات. من جهة أخرى برر التقرير ضعف ولوج النساء إلى المساعدات العمومية والتعويضات عن فقدان الشغل إلى تدني نسب النساء المسجلات في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي اللواتي يكتفين بتلقي الإعانات العائلية التي تكون في الغالب غير منتظمة.
المهن النسائية بالمغرب هي المهن الأكثر تضررا بآثار جائحة كوفيد_19
لم تشكل جائحة كورونا فقط رهانا صحيا طارئا، ولكنها أحدثت صدمة قوية في المجتمع وفي السير العادي للأنشطة الاقتصادية إذ وجدت المرأة نفسها في قلب عاصفة مروعة قلبت حياة الكثير منهن، وخاصة ما تعلق بالآثار الكارثية على مصادر عيشهن. وعلى الرغم من المجهودات التي قامت بها الدولة في سبيل التخفيف من أعباء النساء والرجال على السواء من منعدمي أو محدودي الدخل، إلا أن واقع الحال عرى عن كثير من المآسي المتعلقة أساسا بالمهن النسائية التي تضررت بشكل كبير، علما أن هذه المهن تؤدي أدوارا مجتمعية وإنسانية و اقتصادية في غاية الأهمية بالنظر لطبيعة هاته الوظائف المرتبطة بالرعاية الاجتماعية في الخطوط الأمامية لمناطق الخطر، و وظائف الترفيه والتنظيم في حفلات الزفاف والمآتم، ومهن الحرف اليدوية التقليدية والمهن غير المهيكلة بالمصانع السرية ودكاكين البيع والشراء لمختلف السلع والخدمات الشعبية. ويمكن أن نسجل هنا عددا كبيرا من المهن التي توقفت نهائيا أو تراجع نشاطها بشكل كبير أثناء الحجر الصحي ومنها نشاط عاملات النظافة والخادمات المنزليات ونادلات المقاهي والفنادق والحفلات الخاصة والمستخدمات بالمصانع الصغيرة، كما شُل نشاط النساء المشتغلات في مجال تنظيم الحفلات مثل” النكَافات” ومصففات الشعر والمزينات وبائعات ألبسة وحلي العرسان، والخياطات و الطرازات والطباخات ومتعهدات الحفلات والعاملات بالأجواق النسوية العصرية والتقليدية والعاملات بالحمامات الشعبية، والكثير من المهن الوسيطة والهامشية المنبوذة اجتماعيا حيث تشتغل الفتيات والنساء دون أي حماية قانونية مقابل مداخيل زهيدة.
تدابير استعجالية كفيلة بجبر الأضرار :
لقد دفعت تداعيات أزمة كورونا الكارثية على الاقتصاد حوالي 170 دولة عبر العالم الى تخصيص ما يناهز 9000 مليار دولار لإعادة الحياة إلى الاقتصاد والتخفيف من آثارها الوخيمة على الشغل والتعليم والاستقرار الاجتماعي والنفسي للأسر، غير أن هذه الجهود تبدو لحد الآن غير كافية لجبر الأضرار الذي لحقت بالنساء إبان وبعد الجائحة، ويتعين على الحكومات والجمعيات المدنية والهيئات الحكومية والحقوقية التدخل لإعادة الاعتبار للنساء لحمايتهن من كل الطوارئ القادمة بوضع تشريعات متقدمة وجريئة ووقائية لإنقاذهن من وضع الهشاشة ووضع حد لتكريس الفوارق الجندرية من خلال تثمين المهن النسائية والعمل على إدماجها في الاقتصاد المهيكل، وتعزيز مبادئ المناصفة عبر تضمينها ومأسستها في كل مراحل إعداد وتنفيذ السياسات العمومية. وإذا اتفقنا على أن إلزامية تعليم الفتاة وإصلاح الترسانة التشريعية الخاصة بالحقوق النسائية يشكلان مدخلا لحماية المرأة، فإن الرفع من وتيرة التحول الرقمي والاعتماد على أنظمة معلوماتية و ذكية في تدبير المرافق العمومية كإجراء استعجالي بمقدوره تجاوز الكثير من العوامل المعيقة لحماية المرأة، خاصة ما يتعلق بإثبات هويتها في السجلات الرسمية وسجلات الحماية الاجتماعية وتسهيل حصولها على المساعدات من خلال البطائق الاليكترونية وإعادة إدماجها في سوق الشغل بناء على مؤهلاتها ووضعيتها الاجتماعية.
سعيد الحجي طالب باحث في سلك الدكتوراه في القانون العام والعلوم السياسية
جامعة محمد الخامس، أكدال الرباط