المخرج سعد الشرايبي في ضيافة طلبة علم الاجتماع بفاس
فاس ـ أحمد سيجلماسي
في إطار أنشطة شعبة علم الإجتماع بكلية الآداب والعلوم الإنسانية ظهر المهراز بفاس، نظم طلبة ماستر “سوسيولوجيا النوع والمواطنة” لقاء مفتوحا مع المخرج السينمائي سعد الشرايبي، الجمعة الماضي بقاعة المناقشات ببناية القرويين.
اللقاء، الذي تخلله حفل توقيع كتابه “شذرات من ذاكرة سينمائية”، أطرته أسماء بنعدادة أستاذة علم الاجتماع و منسقة الشعبة بذات الجامعة، بمشاركة مكثفة وفعالة من طلبة وطالبات الماستر المذكور وبحضور عميد الكلية وبعض أساتذتها.
و ألقت بنعدادة كلمة ترحيبية باسم الطلبة وإدارة الكلية، احتفت من خلالها بالمخرج سعد الشرايبي والحاضرين.
بدوره تحدث الكتبي حسن بنعدادة عن سعة صدر المخرج الشايبي وسخائه الفني والثقافي وقبوله لفكرة المشاركة في هذا اللقاء بمجرد ما اقترح عليه ذلك أثناء لقائه به في إحدى التظاهرات السينمائية المنظمة مؤخرا بجامعة إبن طفيل بالقنيطرة.
من جهتها قدمت ضحى فداوي طالبة بذات الكلية، أستاذة الرقص بمكناس، قراءة بالعربية في كتاب سعد الشرايبي “شذرات من ذاكرة سينمائية”، الصادر بالفرنسية سنة 2020، حيث قربت الحاضرين من فصول الكتاب ومضامينه.
ودعت أسماء بنعدادة الحاضرين للمناقشة بعد أن طرحت جملة من الأسئلة، كأرضية للنقاش، تمحورت حول “السينما والسوسيولوجيا ومدى استفادة كل منهما من الآخر”، “طبيعة العلاقة بين السينما والواقع”، “السينما والنساء”، ثم “هل المبدع السينمائي محايد في تعامله مع الواقع المجتمعي؟ و غيرها من المحاور المتنوعة.
و اعتبر المخرج سعد الشرايبي أن السينما منفتحة على كل الفنون والمعارف بما في ذلك الأبحاث السوسيولوجية، فقبل أن يشتغل كمخرج على بعض المواضيع الكبرى والشائكة في أفلامه (مشاكل المرأة، سنوات الرصاص، العلاقة بالمستعمر الفرنسي…) يقوم بأ بحاث ويطلع على كتابات و دراسات ويتصل بمتخصصين من أجل الفهم أولا وتكوين فكرة واضحة وحقيقية عن الموضوع المرغوب معالجته في الفيلم، ثم بعد ذلك يبحث عن الشكل الفني الأنجع في تناوله لتحقيق المتعة والفائدة لدى المتلقي ودفعه إلى التساؤل والتفكير بعد مشاهدة الفيلم.
و أضاف أن السينما يمكنها كذلك أن تساعد الباحث السوسيولوجي في فهم بعض الظواهر الإجتماعية أو توجهه على الأقل إلى البحث فيها، خصوصا وأنها سيف ذو حدين قد توظف للتنوير أو للتخدير. وقد أفرز التركيز على السينما ووظائفها كموضوع للبحث العلمي تخصصات من بينها “سوسيولوجيا السينما”…
و لفت إلى أنه ليس مطلوبا من المخرج أن ينقل لنا الواقع كما هو أو يعيد إنتاجه، وإنما لابد أن يكون له موقف من هذا الواقع من خلال التفاعل مع ظواهره ومظاهره المتنوعة. وهذا الموقف لا يبنى إلا انطلاقا من أرضية ثقافية صلبة ومن رؤية شخصية للعالم. وإذا كان العلم يتسم بالموضوعية (نسبيا) فإن الفن (السينما نموذجا) يستدعي حضور الذاتية (ذات المبدع) بقوة. ولعل ما يضفي على العمل الفني (الفيلم، مثلا) قيمة فنية وفكرية هو مدى حضور ذاتية المبدع (أي بصمته) فيه.
و فيما يتعلق بالسينما والنوع، اعتبر أن هناك شبه هيمنة ذكورية على مختلف التخصصات السينمائية، في العالم كله، باستثناء التشخيص الذي تحضر فيه المرأة بقوة إلى جانب الرجل. إلا أن الوضع في بلادنا شهد في السنوات الأخيرة تحولا ملحوظا في المشهد السينمائي، بحيث أصبح عدد المخرجات والعاملات في الحقل السينمائي يتكاثر بشكل ملحوظ من سنة لأخرى.
وناقش الحاضرون أفلام سعد الشرايبي وجمهورها (النخبة أم عامة الناس؟)، متسائلين عن دواعي تأليف كتاب “شذرات من ذاكرة سينمائية”، واقع ومستقبل السينما بالمغرب، ودور الأندية السينمائية في نشر ثقافة الفيلم وتنمية الحس النقدي، طبيعة النقد السينمائي الممارس حاليا بالمغرب، هل للتحليل السوسيولوجي دور في العمل السينمائي؟، إلى أي حد تساهم السينما في تغيير الواقع المجتمعي؟، أسباب تقلص عدد القاعات السينمائية بالمغرب، الفيلم المغربي والمنصات الرقمية، التوثيق للذاكرة السينمائية بالمغرب… ومن خلال إجابات المخرج سعد الشرايبي على أسئلة الحاضرين ذكر أنه أفلامه ليست نخبوية بالدرجة الأولى وإنما هي موجهة للجمهور الواسع، وبالخصوص للمتلقي الإيجابي وليس السلبي، أي المتلقي الذكي الذي يتفاعل مع ما تطرحه من أفكار ورؤى ويستمر بعد مشاهدتها في التفكير والتساؤل حول القضايا الكبرى التي تتناولها.
كما أوضح أن كتاب “شذرات من ذاكرة سينمائية” هو بمثابة توثيق لنصف قرن من الممارسة السينمائية بالمغرب (1970- 2020) من جوانبها المختلفة، ليس من منظور التاريخ الرسمي وإنما من منظور ما كان يجري في الكواليس وتأثيره على واقع ومستقبل السينما ببلادنا.
كما اعتبر أن السينما في المغرب قطعت أشواطا وعرفت تحولات منذ لحظة الإستقلال إلى الآن، وأصبح للفيلم المغربي حاليا حضور محترم في جل المهرجانات السينمائية الأجنبية وفي القاعات السينمائية الوطنية، على ندرتها، معتبرا أن الطريق لا يزال طويلا لخلق صناعة سينمائية حقيقية في البلد.
و بالنسبة للأندية السينمائية بالمغرب قال إنها لعبت، خصوصا في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، دورا كبيرا في التربية على الصورة وفي دعم الفيلم المغربي والإنفتاح على التجارب السينمائية الرائدة في العالم، حيث تخرج منها العديد من عشاق السينما ونقادها ومبدعيها وغيرهم.
و ذكر أنه من بين أسباب تقلص عدد القاعات السينمائية بالمغرب عقلية مالكيها أو المشرفين عليها، الذين راكموا الثروات في عصرها الذهبي ولم يواكبوا التطورات التكنولوجية التي شهدها العصر، وأغلبهم ليسوا عشاقا للسينما.
ودعا إلى ضرورة الإنفتاح على المنصات الرقمية للترويج للفيلم المغربي، إلى جانب تحسين شروط العرض في القاعات السينمائية المتواجدة وبناء قاعات جديدة في مختلف مناطق البلاد غير المحظوظة سينمائيا، مع وضع سياسة واضحة لترويج أفلامنا في الداخل والخارج.
واعتبر بما لا جدال فيه من كون السينما تساهم في تنمية الوعي وإحداث التغيير الإجتماعي ولو بشكل ضئيل، لكن عبر الأفلام التي تخاطب ذكاء المتلقي وليس الأفلام التي تدغدغ عواطفه وتخاطب غرائزه بالدرجة الأولى.
و أشار إلى أن التوثيق مسألة حيوية بالنسبة لكل مجتمع، فعن طريقه يتم حفظ الذاكرة الفردية والجماعية، إلا أنه لا يحظى بالعناية المطلوبة في بلادنا، مبرزا أن الوعي بأهمية التوثيق هو الدافع إلى نشر كتاب “شذرات من ذاكرة سينمائية”.
و تأسف لكون “كل من هب ودب أصبح يمارس النقد السينمائي، خصوصا في بعض المنابر الصحافية، دون أن تتوفر فيه شروط الناقد الحقيقي، باستثناء قلة تتميز كتاباتها بتحليل الأفلام للوقوف على نقط قوتها ونقط ضعفها، معتبرا أن هناك نوع من التمييع للممارسة النقدية والفنية ببلادنا”.
جانب من الحضور
توقيع سعد الشرايبي لكتابه