اكتئاب ما بعد الولادة.. الأسباب و طرق العلاج و الوقاية
مغربيات : ليلى جباري
يشكل اكتئاب ما بعد الولادة، واحدًا من أكثر أنواع الاكتئاب غرابةً، حيث يندهش البعض من وجود أمٍّ ترفض طفلها.
تصاب امرأة من بين كلّ عشرة نساء باكتئاب ما بعد الولادة بعد مجيء الطفل. إذا لم تتم معالجته، يمكن أن يدوم لعدة أشهر، أو أحيانا أطول من ذلك، يحدث هذا النوع الخاص من الاكتئاب غالبًا بوضوح بعد مرور 3 إلى 6 شهور على الولادة دون سبب واضح، وفي هذه الحالة يصبح من الضروري تدخل خبير أو خبيرة مختصة لتقديم الدعم والمساندة، حيث غالبًا ما تؤدي هذه الحالة النفسية الفاترة إلى عدم القدرة على التعامل مع مواقف الحياة اليومية ومع الطفل الرضيع، قد يكون هناك سبب واضح لذلك، وفي الغالب لا توجد أيّة أسباب بشكل خاص.
في الوقت الذي كانت الحامل تتطلع فيه بلهفة لمجيء طفلها خلال أشهر الحمل، قد تشعر بأنّها غير قادرة على تقبل كونها أصبحت أمّا. في المقال التالي سنتعرف على أسباب اكتئاب ما بعد الولادة، أعراضه والوقاية منه.
اكتئاب النفاس او اكتئاب ما بعد الولادة هو حالة مرضية تصيب 50 بالمئة من النساء بعد الولادة وتبدأ بعد الولادة بأيام او أشهر قليلة. ويظهر كأنه امتداد للاضطراب المزاجي الذي يحدث بعد الولادة وأحيانا تكون الصورة واضحة منذ البداية بسبب شدة الأعراض التي تعاني منها المرأة المصابة، وتستمر هذه الأعراض لفترات متفاوتة، قد تطول أحيانا لتصل إلى عدة شهور وأحيانا تصل إلى سنة أو أكثر إذا تركت المرأة دون علاج.
أسباب اكتئاب ما بعد الولادة
لا يوجد سبب وحيد لاكتئاب بعد الولادة، لكن يمكن أن تلعب عوامل بيولوجية ونفسية اجتماعية دورا كبيرا.
العوامل البيولوجية : تتمثل في تسمم الحمل أو تعاطي بعض الأدوية، يسبق حدوث الاكتئاب هنا بأعراض أولية مثل الأرق وعدم الاستقرار، سيولة المزاج، وعدم القدرة على التركيز ثم يبدأ بعد ذلك ظهور الأعراض الاكتئابية.
ضغط عملية الولادة : لا شك أن عملية الولادة ضغط نفسي ليس فقط نتيجة لآلامها وصعوبتها، بل تقضي الأم شهور الحمل في معاناة، تصل إلى لحظة الولادة حيث تعاني بشدة حتى وقت الولادة، تقضي عدة ليالي بلا نوم أو راحة ثم تفاجئ أن هناك طفلا بجانبها يحتاج للرعاية والسهر، تزيد هذه الضغوط عندما تكون الولادة قيصرية أو متعسرة.
التغيرات الهرمونية السريعة : حيث يحدث انخفاض سريع في مستوى الهرمونات الجنسية (الأستروجين والبروجستيرون) بعد الولادة مما يخل بالتوازن البيولوجي لبعض الوقت مسببا حالة من الاكتئاب لدى المرأة.
عوامل نفسية اجتماعية : تتمثل في اضطراب العلاقة مع الزوج، أو معاناة المرأة من اضطرابات نفسية سابقة لم يتم علاجها، أو رفض الأم للحمل وبالتالي رفضها للطفل حيث لا ترغب أن تكون أما بسبب مشاكل نفسية، أو بسبب قلقها من مسؤولية الحمل، وضغوط العمل ومسؤولياته، حيث تعتقد المرأة أن انجابها للطفل قد يعرقل مسيرتها العملية أو قد يحد من طموحاتها المستقبلية، إضافة إلى قلة الدعم الأسري أو الاجتماعي، إذا كانت الأم مراهقة، أو إنجاب طفل يعاني من مشاكل صحية.
أعراض اكتئاب ما بعد الولادة
تختلف أعراض الاكتئاب بعد الولادة، فهي تتراوح بين الطفيف إلى الشديد، وقد يصعب التفرقة في البداية بين اكتئاب ما بعد الولادة والشعور بالكآبة، لكن علامات وأعراض اكتئاب ما بعد الولادة تكون أكثر كثافة وتدوم لفترة أطول.
تشمل عموما الأرق وعدم القدرة على النوم أو النوم الكثير، التوتر الشديد أو نوبات من الذعر والقلق، صعوبة التركيز أو التذكر، فقدان الرغبة في أمور الحياة الاعتيادية والإحساس المستمر بالإرهاق والتعب، تغير في الشهية ونقص في الوزن أو زيادته، بالإضافة إلى الإحساس بعدم القدرة على إعطاء الطفل والآخرين ما ينبغي من حب وعطف.
زيادة على ذلك يؤدي اكتئاب ما بعد الولادة الى انعدام الرغبة في الحياة وتمني الموت أو حتى الإقدام على الانتحار، كذلك الانعزال وتجنب الاختلاط مع الناس والإحساس بالذنب والشك أو العجز واليأس والقلق بالإضافة إلى أعراض الوسواس القهري.
تحكي إيمان.ع (29 سنة ) تجربتها مع اكتئاب ما بعد الولادة، تقول ل”مغربيات” أنجبت طفلتي الأولى منذ أربع سنوات، وقد عانيت عقب ولادتها من أعراض مزاجية حادة ومضطربة، كنت أعجز عن فهم تفسير أو سبب هذه الاضطرابات لأسابيع طويلة، كانت شهيتي منفتحة بشكل كبير على الطعام وكنت أنام لفترات طويلة، لم أكن أستطيع حمل طفلتي و إرضاعها او حتى سماع صوت بكائها، كانت أمي تهتم بحاجياتها وكنت طوال اليوم أقفل على نفسي الغرفة و أظل غارفة بالتفكير في مصيري بعد الإنجاب والمسؤولية التي أصبحت على عاتقي، فقد جاء حملي بشكل غير مخطط له، وكان زوجي سعيدا بحملي وكنت أشعر أن حياتي المهنية وطموحاتي ستنتهي هنا، إلى أن لاحظت الأمر صديقتي وأخبرتني أنه قد يكون السبب في اكتئاب ما بعد الولادة، و أسرعت بي بالتوجه لاستشاري نفسي لمراجعة الأمر، تابعت عدة برامج علاجية منها ما هو دوائي، وآخر توجيهي إلى جانب مجموعات الدعم النفسي، حتى تخطيت المعضلة.
علاج اكتئاب ما بعد الولادة
تتم علاج حالة الاكتئاب ما بعد الولادة بواسطة أدوية الطب النفسي المختلفة، حيث يتم اختيار الدواء وفقًا للأعراض الجانبية، وما إذا كانت الأم مرضع أم لا.
من المهم معرفة أن جميع الأدوية المضادة للاكتئاب تنتقل إلى حليب الأم، لذلك يجب أخذ هذه النقطة بعين الاعتبار، لدى يجب استشارة طبيب مختص لتحديد العلاج المناسب لحالة المريضة.
هل يمكن علاج اكتئاب ما بعد الولادة دون أدوية؟
من الممكن علاج الاكتئاب دون طبيب ولكن ذلك في الحالات البسيطة، أما المتوسطة والحادة تستدعي إشراف طبي، فقد خلصت دراسة حديثة إلى أن محاربة الاكتئاب أو التخفيف منه، بات ممكنا بطرق سهلة، ومن دون الحاجة للجوء إلى الأدوية أو تكاليف العلاج الباهظة، أهمها:
تحديد الأسباب والعوامل التي أدت للاكتئاب وتلقي العلاج السلوكي المعرفي فهو يساعد على تغيير طريقة تفكيرك ونظرتك لنفسك والأشياء من حولك، والإيمان بأن “لدك أكثر من طريقة للنجاح”، العلاج السلوكي المعرفي يساعد في التركيز على نقاط قوتك وتجنب التفكير في نقاط ضعفك ونظرتك لنفسي بإيجابية.
زيادة النشاط البدني وممارسة تمارين الكارديو لزيادة هرمون الدوبامين في الجسم والذي يقلل الشعور بالاكتئاب، بالإضافة الى ممارسة تمارين اليوغا والاسترخاء.
تحديد أهداف صغيرة لتحقيقها دون مساعدة من أحد للاندماج في دائرة الحياة مرة أخرى، تغيير النظام الغذائي وإدراج فيتامين د في روتين غدائك واهتمام بتناول الخضروات والفاكهة إلى جانب المأكولات البحرية، والمكسرات الغنية بالأوميجا 3 والتي تساعد بقوة على زيادة إطلاق النواقل العصبية المسؤولة عن السعادة وبالتالي التخفيف من آثار الاكتئاب، بالإضافة الى التخلص من العزلة ومحاولة إعادة العلاقة تدريجيا مع العائلة والأصدقاء، والمشاركة في نشاطات عائلية صغيرة.
الوقاية من اكتئاب ما بعد الولادة
إذا كان لديكِ تاريخ سابق للإصابة بالاكتئاب لا سيما اكتئاب ما بعد الولادة فأخبري طبيبك إذا ما كنتِ تخططين للحمل أو في أقرب وقت تعرفين فيه أنكِ حامل.
وخلال فترة الحمل، يمكن لطبيبك مراقبتكِ عن كثب لملاحظة ظهور أي علامات أو أعراض للاكتئاب، يمكن السيطرة في بعض الأحيان على الاكتئاب الخفيف من خلال مجموعات الدعم والاستشارة والعلاجات الأخرى، وفي الحالات الأخرى، قد يُوصى بتناول الأدوية المضادة للاكتئاب.
بعد ولادة طفلك، قد يُوصي طبيبك بالخضوع لفحص الحالة الطبية ما بعد الولادة بحثًا عن علامات أو أعراض الإصابة باكتئاب ما بعد الولادة، فكلما تم الاكتشاف مبكرًا، أمكن بدء العلاج مبكرًا، إذا كان لديكِ تاريخ للإصابة باكتئاب ما بعد الولادة، فقد يوصي طبيبكِ بتناول أدوية مضادة للاكتئاب أو الخضوع للعلاج النفسي فورًا بعد الولادة.
ما هو دور الزوج في مرحلة اكتئاب ما بعد الولادة؟
إنّ ما تعاني به المرأة لا يتعلق بها وحدها فقط، إذ يتطلب الأمر وقوف الزوج إلى جانبها لأنّه يلعب دوراً أساسياً في التخفيف من مخاوفها ومشاعرها.ويتمثل دوره بالدعم العاطفي لها ومناقشة الأمور معها وتفهم مشاعرها.
بالإضافة إلى ذلك، يمكنه المشاركة معها في تقسيم المهام المنزلية أو العناية بالطفل بينهما، والتأكيد أنّها مرحلة طبيعية سوف تتغلب عليها. ومن الجدير ذكره أهمية ابتعاد الزوج عن توجيه اللوم والاتهام لها بالتقصير تجاه الطفل.