أسماء الحناني : المغرب يولي اهتماما متزايدا بالذكاء الاصطناعي (2/2)
أجرى الحوار: هشام كَنيش
أمام قفزاته وتطوراته السريعة والمتسارعة، يمكن “للذكاء الاصطناعي” أن يحدث ثورة عميقة في كل جوانب حياتنا اليومية مثل: العمل، والتنقل، والطب، والاقتصاد، والاتصالات… وبذلك نكون إزاء سياق جديد يحفز على التفكير والتأمل، وكذا التساؤل عن المقصود بالذكاء الاصطناعي، وما هي أهم تطوراته والمستجدات المتصلة به، وما هي أهم الفرص المتاحة التي قد يمنحها للإنسانية عموماً في مقابل التحديات التي يطرحها في ظل الإقبال المتزايد عليه، فضلاً عن التساؤل حول تأثير المحددات الثقافية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية على استعماله في سياقات معينة كما هو الحال في سياق المجتمع المغربي… أسئلة ضمن أخرى تجيب عنها أسماء الحناني الأستاذة والباحثة بالمدرسة الوطنية للعلوم التطبيقية، جامعة شعيب الدكالي في الجزء الثاني من الحوار ..
هل يمكن تقديم إضاءات مقتضبة حول التحديات الأخلاقية تجاه الإنسان والكوكب أمام الاكتساح التدريجي للذكاء الاصطناعي؟
في ظل عدم وجود معايير دولية لتحديد حدود الذكاء الاصطناعي، تظل العديد من التحديات الأخلاقية دون حل مما يزيد من مخاطر اعتماد الذكاء الاصطناعي. أولها المساءلة : مثلا إذا كان نظام الذكاء الاصطناعي ينتهك القيم الأخلاقية، فمن المسؤول عن نتيجة قرار ما؟ الآلات ليست وكيلا أخلاقيا! ثانيا تفاقم أشكال التمييز والتحيز والأحكام المسبقة الموجودة بالفعل في مجتمعنا. فبما أن الذكاء الاصطناعي يتعلم من البيانات المقدمة من البشر، نحتاج إلى آلية مناسبة لضمان عدم انعكاس التحيزات والأحكام المسبقة البشرية في قرار نظام الذكاء الاصطناعي. ثالثا الدقة والنزاهة: نحتاج إلى التأكد من أن أنظمة الذكاء الاصطناعي تعطي نتائج دقيقة وموثوقة وصحيحة ويتم استخدامها فقط للغرض المقصود منها. رابعا: يجب احترام الحق في الخصوصية وحماية البيانات الشخصية طوال دورة حياة أنظمة الذكاء الاصطناعي. وعلى المدى الطويل، يمكن لأنظمة الذكاء الاصطناعي أن تثير مخاوف إضافية حول فهم الإنسان لذاته، والتفاعل الاجتماعي والثقافي والبيئي، والاستقلالية، والفاعلية، والقيمة والكرامة.
لا شك أن اختراق “الذكاء الاصطناعي” لمجمل مناحي الحياة يفرض إعادة النظر في عدة مستويات وأصعدة (مثال: إعادة النظر في أساليب العيش وتمثل العالم، إعادة النظر في أدوار بعض المؤسسات الاجتماعية مثل المدرسة التي ستجد نفسها وجها لوجه أمام واقع جديد يفرضه هذا السياق الجديد، إعادة النظر في عالم وعلاقات الشغل على مستوى بعض المهن مثل الطب…). ما رأيك؟
بالتأكيد، طريقة الحياة قبل الذكاء الاصطناعي تختلف تمامًا عن ما سيكون عليه الحال في السنوات المقبلة. لهذا يجب محاربة أمية الذكاء الاصطناعي و تسليح جميع أفراد المجتمع بالمهارات الأساسية اللازمة لفهم الذكاء الاصطناعي والجوانب التكنولوجية والاجتماعية المحيطة به والقضاء على المفاهيم الخاطئة حوله، حتى يتمكنوا من التكيف بشكل أفضل مع عالم متغير حيث ينتشر الذكاء الاصطناعي ويكونوا قادرين على تقييم تقنياته بشكل نقدي واستخدامه على النحو الأمثل.
كيف تؤثر المحددات السياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية والبيئية على استعمال “الذكاء الاصطناعي” واللجوء إليه؟
بشكل عام، أجد أن الذكاء الاصطناعي يحظى بقبول جيد على مستوى المواطن. ونظراً لفرصه، هناك منافسة شرسة على الذكاء الاصطناعي بين حكومات العالم، مدفوعة بالعوامل الجيوسياسية والاقتصادية والتكنولوجية. لكن لسوء الحظ، هناك تصدعات وتفاوتات من حيث معدل اختراق أنظمة الذكاء الاصطناعي بين البلدان. ويرجع ذلك أساسًا إلى نقص البنية التحتية (بما في ذلك البيانات) والقدرات البشرية والقوانين، من بين عوامل أخرى.
ارتباطاً بالسؤال أعلاه وإذا ما انتقلنا إلى المغرب، ما هو وضع استعمال “الذكاء الاصطناعي“، وما هي مجالات تطبيقه وباقي المجالات التي لم يشملها بعد؟
على ضوء العديد من البلدان، أصبح الذكاء الاصطناعي من أولويات المغرب. يتضح ذلك من خلال تمويل مئات المشاريع البحثية التي طورتها الجامعات ومعاهد البحوث التطبيقية في المملكة على مدى السنوات الثلاث الماضية. كما تم انشاء مركز البيانات بجامعة محمد السادس “بوليتكنيك” في بن جرير بداية 2021 والذي يضم أقوى “حاسوب فائق” في إفريقيا. وهناك أيضًا عدد متزايد من المسالك التي تم اعتمادها في السنوات القليلة الماضية في الجامعات المغربية في مجال علوم البيانات والتعلم الآلي، بما في ذلك مسلك بالمدرسة الوطنية للعلوم التطبيقية بالجديدة. وفي هذا تحفيز للفاعلين في مجال الذكاء الاصطناعي لتعزيز البحث العلمي في هذا المجال
فيما يتعلق باستخدام الذكاء الاصطناعي في المغرب، للأسف ليس هناك معطيات رسمية، ولكن وفقًا لمشاريع نهاية الدراسة للطلبة المهندسين الذين أشرفت عليهم، لاحظت أن اهتمام الشركات المغربية بالذكاء الاصطناعي في تزايد وهذا في مختلف المجالات مثل: السيارات ذاتية القيادة، والصحة، والأمن السيبراني، والطاقة، والاتصالات على سبيل المثال لا الحصر. كل هاته المؤشرات تدفع للتفاؤل.
قبل الختم، يمكن أن نطرح سؤالاً يهم مستقبل الذكاء البشري وتراجع الوظائف المعرفية لدى الإنسان (الذاكرة، الإدراك، الخيال…) أمام انتصار “الذكاء الاصطناعي“؟
نعم للأسف الوظائف المعرفية لدى الإنسان في خطر ليس فقط بسبب الذكاء الاصطناعي، ولكن بسبب سوء استعمال التكنولوجيا بشكل عام. وقد أكدت العديد من الدراسات ذلك بالفعل. فمثلا التقاط الصور بطريقة مفرطة سوف يصرف انتباهنا ويمنعنا من التركيز على تجاربنا وبالتالي عدم تذكرها. هذه الوظائف المعرفية مثل العضلات يجب تدريبها لتقويتها وهذا ممكن ببساطة عن طريق استعمالها بشكل يومي وعدم الاعتماد على الأدوات الرقمية إلا للضرورة. لكن لا أظن ان هذا سيطبق على أرض الواقع لأن الإنسان يميل إلى الأشياء المريحة أكثر. لهذا يجب علينا تعزيز البحث العلمي حول تأثيرات التفاعل طويل الأمد للأشخاص مع أنظمة الذكاء الاصطناعي، مع إيلاء اهتمام خاص للتأثير النفسي والمعرفي الذي يمكن أن تحدثه هذه الأنظمة على الأطفال والشباب.
كلمة أخيرة..
لقد قطع الذكاء الاصطناعي شوطًا طويلاً من كونه مكونًا من مكونات الخيال العلمي إلى الواقع، ولا شك في أنه ينقل العالم إلى مستوى مختلف. ويجب أن نسلم أن التكنولوجيا الجديدة دائمًا ما يكون لها آثار تخريبية في وقت مبكر من مراحل التنفيذ والتطوير وعادة ما تكشف عن قيمتها الحقيقية فقط بعد مرور بعض الوقت، وهذا ليس سوى جزءا من التطور. خلال فترة عمل الآلة الهيدروليكية الأولى، أعرب الناس عن نفس القلق. وبعد ذلك ظهرت فرص جديدة. والأمر نفسه ينطبق على ظهور الذكاء الاصطناعي. ولكن في نفس الوقت، المخاوف المتزايدة في مجتمعنا بشأن الأضرار والتجاوزات المحتملة للذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي صحية، وتستدعي، بشكل عاجل، تعزيز القوانين والأنظمة المتعلقة بهذه التكنولوجيا.
وفي الأخير أشكركم على اهتمامكم بهذا الموضوع وعلى الاستضافة.
أسماء الحناني، من مواليد مدينة أزمور، أستاذة باحثة بالمدرسة الوطنية للعلوم التطبيقية، جامعة شعيب الدكالي، الجديدة. حاصلة على دكتوراه مشتركة في المعلوميات من جامعة فريبورغ (سويسرا) والمعهد الوطني للاتصالات إيفري (فرنسا) سنة 2007. عضو في شبكة “CNRST” للخبراء في تعزيز البحث العلمي ونقل التكنولوجيا والابتكار (Tech-Tamkeen) وعضو اللجنة الخاصة لمشروع توصية بشأن أخلاقيات الذكاء الاصطناعي في اليونسكو. تشمل اهتماماتي البحثية الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي و تحليل البيانات الضخمة. ساهمت وشاركت في العديد من المشاريع البحثية ونشرت اكثر من ثلاثين مقال و دراسة بحثية في كتب، مجلات ومؤتمرات وطنية ودولية. والى جانب التدريس والتأطير والبحث العلمي توليت عدة مهام على مستوى مجالس المؤسسة والجامعة.