أسماء الحناني : الذكاء الاصطناعي يساهم في مواجهة كورونا (1/2)

 

حوار : هشام كَنيش

أمام قفزاته وتطوراته السريعة والمتسارعة، يمكن “للذكاء الاصطناعي” أن يحدث ثورة عميقة في كل جوانب حياتنا اليومية مثل: العمل، والتنقل، والطب، والاقتصاد، والاتصالات…  وبذلك نكون إزاء سياق جديد يحفز على التفكير والتأمل، وكذا التساؤل عن المقصود بالذكاء الاصطناعي، وما هي أهم تطوراته والمستجدات المتصلة به، وما هي أهم الفرص المتاحة التي قد يمنحها للإنسانية عموماً في مقابل التحديات التي يطرحها في ظل الإقبال المتزايد عليه، فضلاً عن التساؤل حول تأثير المحددات الثقافية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية على استعماله في سياقات معينة كما هو الحال في سياق المجتمع المغربي… أسئلة ضمن أخرى تجيب عنها أسماء الحناني الأستاذة والباحثة بالمدرسة الوطنية للعلوم التطبيقية، جامعة شعيب الدكالي ..

يحظى موضوع “الذكاء الاصطناعي” بمكانة بارزة في كتاباتك، السؤال الذي يتبادر، هنا، هو كيف جاء هذا الاهتمام بهذا الموضوع من طرفك، وما الذي يعنيه لك ذلك كامرأة صارت خبيرة في المجال؟

بدأت خطواتي الأولى في البحث في هذا المجال في جامعة فريبورغ بسويسرا، من خلال أطروحة الماجستير. أهمية الموضوع و جوانبه الغامضة استهواني إلى التعمق فيه اكثر ضمن رسالة الدكتوراه، والتي كانت في مجال علم المقاييس الحيوية (Biometrics) وبالتحديد التحقق الآلي من هوية المتحدث من خلال بصمة صوته (Automatic Speaker Recognition). بمجرد أن أنهيت رسالتي، تم تعييني كباحثة لمدة سنتين ونصف بجامعة شيفيلد (إنجلترا) في اطار مشروع بحث أوروبي. ركزت مساهمتي في هذا المشروع على تطوير أول نظام للتعرف الألي على الكلام ( (Automatic speech recognition عبر الإنترنت في الوقت الفعلي. ومنذ التحاقي بالمدرسة الوطنية للعلوم التطبيقية بالجديدة سنة 2010، قمت باستكشاف وتطوير موضوعات بحثية جديدة تهم تطبيقات الذكاء الاصطناعي في مجالات ذات أولوية في السياق المغربي كالصحة والتعليم والطاقات المتجددة.

قبل الانتقال إلى مناقشة التفاصيل، هل يمكنك تقديم تعريف موجز ومختصر عن المقصود ب”الذكاء الاصطناعي”، وهل يمكن تمييزه عن بعض المصطلحات المشابهة والقريبة منه؟

بينما ظهرت عدد من تعريفات الذكاء الاصطناعي على مدار العقود القليلة الماضية، فإن التعريف الأكثر شيوعًا في نظري هو قدرة الآلة على محاكاة الوظائف المعرفية البشرية، مثل حل المشكلات والتعلم والتعرف على الأنماط.. هناك مصطلحات غالبًا ما يتم ذكرها بشكل متكرر بالاقتران أو خلطها مع الذكاء الاصطناعي.
التعلم الآلي (َMachine Learning) والتعلم العميق (Deep Learning). وهي مجالات فرعية للذكاء الاصطناعي تتكون من خوارزميات قادرة على التنبؤات أو التصنيفات والتي يتم تعلمها من كميات ضخمة من البيانات (Big Data) باستخدام آلات الحوسبة عالية الأداء. لهذا يمكن ان نقول أن الجيل الجديد من تطبيقات الذكاء الاصطناعي يرتكز على ثلاثة أعمدة: أولا الخوارزمية نفسها، ثانيا القدرة الحصانية الحاسوبية و أخيرا البيانات.

ارتباطاً بالسؤال السابق، ما هو وضع الاهتمام بموضوع “الذكاء الاصطناعي” في المرحلة الراهنة عالميا ومحليا؟

تستمر كمية البيانات الرقمية الناتجة عن مصادر مختلفة مثل الأجهزة الذكية والشبكات الاجتماعية وأجهزة الاستشعار وما إلى ذلك في الانفجار. ولهذا نجد أن الدول المتقدمة تتسارع وتتنافس في استغلال هذه البيانات من خلال تطوير أنظمة الذكاء الاصطناعي التي تقدم قيمة مضافة كبيرة لاقتصاداتها ومجتمعاتها. لكن للأسف محليًا ورغم الاهتمام الملحوظ مؤخرا من طرف الساسة والشركات بموضوع الذكاء الاصطناعي، إلا أنه للأسف ما زلنا في مرحلة الاكتشاف. ويرجع هذا إلى نقص البنية التحتية، وقلة المبادرة، والاستثمار غير الكافي في هذا المجال.

دائما في نفس المنحى، هل يمكنك التفضل بتقديم لمحة عن المستجدات المتصلة بتطور “الذكاء الاصطناعي” في عالمنا المعاصر؟

أتاح الذكاء الاصطناعي تحقيق تقدم كبير في العقد الأخير في مجموعة متنوعة من القطاعات التي تتراوح بين الصحة والصناعة والنقل والخدمات المالية والروبوتات والتواصل على سبيل المثال لا الحصر. وتعمل هذه التقنية القوية على تشغيل المزيد من التطبيقات التي نستخدمها بشكل متزايد تؤثر على حياتنا اليومية دون أن ندرك ذلك مثل صور Google والمساعدات الصوتية مثل Siri و Alexa والترجمة التلقائية على YouTubeوأنظمة التوصية من Amazon و Netflix ونظام التعرف على الوجه الخاص ب iPhone . هذه الإنجازات، كما قلت سابقا، هي بشكل أساسي نتيجة التقدم المحرز في مجال التعلم الآلي، ويرجع الفضل في ذلك على وجه الخصوص إلى تطوير بنيات التعلم العميق التي يتم تعلمها من كميات ضخمة من البيانات. لكن على الرغم من هذا التقدم، لا تزال هناك العديد من المحاور التي تتطلب المزيد من الأبحاث العلمية كتطوير ما يسمى “الذكاء الاصطناعي الواسع” الذي سيتميز بأنظمة تستخدم تدفقات البيانات متعددة الوسائط وتدمجها، وتتعلم بشكل أكثر كفاءة ومرونة وعلى الخصوص قابلة للتفسير. وهناك أيضا ما يسمى “الذكاء الاصطناعي العام” القادر على التفكير المعقد والاستقلالية الكاملة ويمكن تطبيقه في مجالات مختلفة في آن واحد. لكن بعض العلماء يقدر أن هذا الاخير لن يتحقق أبدا وسيبقى مجرد خيال علمي. لهذا تركز أغلبية الأبحاث في الوقت الحالي على تطوير الجيل الجديد من تقنيات الذكاء الاصطناعي الواسع.

ماذا عن تطور النقاش حول “الذكاء الاصطناعي” في مقابل “الذكاء البشري” مثال: النقاش المتعلق بتجاوز الذكاء البشري والعلاقة مع الآلة وهل يمكن أن تحل هذه الأخيرة محل الإنسان…؟

السؤال حول ما إذا كان “الذكاء الاصطناعي” سيحل محل الإنسان يفترض أن الذكاء الاصطناعي والبشر لديهم نفس الصفات والقدرات – لكنهم في الواقع ليسوا كذلك. التجارب كشفت أن الآلات التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي تتميز بأنها سريعة، دقيقة، عقلانية، لا تتعب أبدًا، وطالما أنها تحصل على الكم الكافي من البيانات، فإنها ستستمر في التعلم. ولكنها ليست بديهية أو عاطفية ولا تستطيع التعامل مع المواقف الجديدة أو الاستثنائية. في المقابل يتمتع البشر بالقدرة على تخيل المواقف المتغيرة وتوقعها والشعور بها والحكم عليها، وهذه القدرات هي التي تجعل “الذكاء البشري” يمثل ما نسميه “الذكاء الحقيقي”. لذلك، في سياق فرص الشغل، الذكاء الاصطناعي مناسب فقط للعمل في المهام الروتينية والمتكررة ذات المستوى الأدنى والتي تخضع لقواعد صارمة وتجري في بيئة مغلقة مما سيسمح للبشر بالتركيز على الأدوار التي تتطلب مهارات أعلى.
لهذا السبب، أعتقد أن المستقبل للعمل الذكي الذي سيكون مزيجًا من الذكاء الاصطناعي والذكاء البشري، والعمل جنبًا إلى جنب. وهذا سيخلق ما يسمى “الذكاء المعزز” الذي سيسمح للإنسان بأن يكون أكثر كفاءة ودقة، وفي نفس الوقت أيضًا إبداعي واستباقي. وإذا تم تبني الذكاء الاصطناعي بشكل صحيح، فهو لن يقضي على الوظائف كما يظن البعض، بل سيقوم بترقيتها وحتى خلق وظائف من نوع آخر.

باعتبار أن “الذكاء الاصطناعي” يسير نحو اختراق كل مجالات الحياة بالشكل الذي قد يجعل منه المستقبل المحتوم الذي لا مفر منه ولا يمكن أن نتصور العالم بدونه، يطرح السؤال في محورين رئيسيين هما: محور الفرص الممكنة، ومحور التحديات المطروحة. ما رأيك في ذلك؟

بالنسبة للشق الأول من السؤال بالفعل من المتوقع أن تحقق تطبيقات الذكاء الاصطناعي مجموعة واسعة من التأثيرات الإيجابية على الأفراد والشركات وكذلك على المستويين المجتمعي والاقتصادي بشكل عام. مثلا فوائد اقتصادية كزيادة الإنتاج وجودته، وتقليل تكاليف الصيانة وفوائد بيئية كترشيد استعمال الطاقة، واستخدام أفضل للمواد الخام وتقليل النفايات. بالإضافة إلى ذلك، يمكن لتطبيقات الذكاء الاصطناعي أن تضيف قيمة من خلال تعزيز كفاءة العمال، و تحسين السلامة في مكان العمل وتحسين خدمة العمال، والمساهمة في تطوير منتجات جديدة وتخصيصها. كما سيساهم الذكاء الاصطناعي بشكل إيجابي في مواجهة التحديات الصحية الرئيسية، مثل جائحة COVID-19. فعلى سبيل المثال، تمتلك أنظمة الذكاء الاصطناعي القدرة على التنبؤ بتفشي الأوبئة بناء على المعطيات الميدانية، وكذلك تسريع تطوير اللقاحات والأدوية.
ولكن كما هو الحال مع التقنيات الناشئة الأخرى، هناك تحديات مطروحة امام الذكاء الاصطناعي الذي لا زال اعتماده منخفضًا جدًا او حتى منعدم في بعض الدول بسبب بعض العقبات وعلى رأسها: التوفر على مجموعات بيانات كبيرة وشاملة بدرجة كافية لاستخدامها في تدريب خوارزميات الذكاء الاصطناعي. التحدي الثاني هو نقص الثقة: لأن تعقيد تقنيات التعلم العميق لدرجة وصفها ب”الصندوق الأسود” يخلق تحدي “قابلية التفسير”، أو إظهار وتفسير العوامل التي أدت إلى اتخاذ قرار أو تنبؤ ما. مما لا يشجع على استعمالها وخاصة في التطبيقات ذات الآثار المجتمعية، كما هو الحال في الرعاية الصحية أو تطبيقات العدالة الجنائية أو الإقراض المالي. التحدي الآخر هو الافتقار إلى رأس المال البشري والبنية التحتية القادرة على تطوير وتنفيذ حلول الذكاء الاصطناعي لمواكبة قادة الذكاء الاصطناعي العالميين (مثل الولايات المتحدة والصين).

أسماء الحناني، من مواليد مدينة ازمور، أستاذة باحثة بالمدرسة الوطنية للعلوم التطبيقية، جامعة شعيب الدكالي، الجديدة. حاصلة على دكتوراه مشتركة في المعلوميات من جامعة فريبورغ (سويسرا) والمعهد الوطني للاتصالات إيفري (فرنسا) سنة 2007. عضو في شبكة CNRST للخبراء في تعزيز البحث العلمي ونقل التكنولوجيا والابتكار (Tech-Tamkeen) وعضو اللجنة الخاصة لمشروع توصية بشأن أخلاقيات الذكاء الاصطناعي في اليونسكو. تشمل اهتماماتih البحثية الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي و تحليل البيانات الضخمة. ساهمت وشاركت في العديد من المشاريع البحثية ونشرت اكثر من ثلاثين مقالا و دراسة بحثية في كتب، مجلات ومؤتمرات وطنية ودولية. وإلى جانب التدريس والتأطير والبحث العلمي تولت عدة مهام على مستوى مجالس المؤسسة والجامعة.

About Post Author