أرقام نهاية العام 2021 : هل الديمقراطية حقا في أزمة؟
وليد الرايس
بعيدا عن هيمنة دول الشمال (النرويج وفنلندا والسويد وأيسلندا والدنمارك)، لا يزال مخاض الديمقراطية يعتصر الأنظمة السياسية في بلدان المعمور. وأمام عسر الولادة تشرئب الرؤوس مطلع كل سنة نحو تلك التقارير التي تنشر الحالة ” الصحية ” للجنين الديمقراطي في الدول، ضاربة للمتفائلين منهم موعدا عن دنوِّ يوم الطَّلْقِ واستعدادهم لاحتضان المولود الذي قد يأخذ اسم “ديمقراطية كاملة” أو“ديمقراطية معيبة/ فاسدة“، بينما تنذر عسيري الحظ عن انتكاسة إجهاض مبكر.
فإلى جانب انتشار المدّ الديمقراطي، لا تزال ممارسة الديمقراطية تتعامل مع العديد من المشكلات ، خاصة فيما يتعلق بجودة هذه العملية واستدامتها في بيئة عالمية يغلّفها التعقيد. وهو ما أفصحت عنه ” إيكونوميست إنتليجنس” في إصدارها عن مؤشر الديمقراطية ومدى تقدمها في عام 2021، والذي يرتكز على خمس فئات: العملية الانتخابية والتعددية ، وعمل الحكومة ، والمشاركة السياسية ، والثقافة السياسية ، والحريات المدنية. وبناءً على مجموعة من المؤشرات ضمن هذه الفئات ، يتم تصنيف كل دولة كواحد من أربعة أنواع من الأنظمة: “ديمقراطية كاملة” ، “ديمقراطية معيبة/فاسدة” ، “نظام هجين” أو “نظام استبدادي“.
ففي ظل مجتمع عالمي نصف مكشوف بفعل “الكمامات“، كان للوباء كوفيد-19 وأخواته –المتحورات– تأثيرا سلبيا حسب التقرير على جودة الديمقراطية في كل بقعة من الخريطة العالمية، لكن وقع هذا الطرح على بعض المناطق كان أسوأ حالا من غيرها، حيث عانت أمريكا اللاتينية بشدة وذلك بتسجيل عدد كبير من البلدان في المنطقة انخفاضًا في درجاتها الإجمالية، ويرجع ذلك إلى أزمة الفيروس –كوفيد19- التي عمقت بفعل إجراءاتها الاحترازية القائمة على قاعدة ”التباعد” من شيخوخة و هشاشة الديمقراطية فيها. كما سجلت 47 دولة فقط تحسنًا في مؤشر الديمقراطية، وعرفت حوالي 74 من إجمالي 167 دولة أي بنسبة (44.3٪) انتكاسة في درجاتها الإجمالية، أما الـ 46 دولة الأخرى فلم تراوح مكانها مقارنة بمؤشر الديمقراطية لعام 2020.
لكن إذا كان تقرير “إيكونوميست إنتليجنس” قد رسم لوحة سوريالية غير متوقعة لا تختلف عن متاهات سالفادور دالي، عبر التدبدبات التي عرفتها بعض الأنظمة السياسية كتراجع بريطانيا في التصنيف، وانتقال التشيلي وإسبانيا من “الديمقراطيات الكاملة” إلى“الديمقراطيات الفاسدة/المعيبة“، فضلا عن إقصاء كل من الإكوادور والمكسيك وباراغواي وتونس من مربّع “الديمقراطيات المعيبة” إلى“الأنظمة المختلطة“. فإن هناك بقع ضوء سجلتها كل من “إندونيسيا ” عبر تحسن مؤشر الديمقراطية فيها، مقاسة بالتغير في درجاتهما الإجمالية، كما عرفت ثلاث دول تحسنا في بالانتقال من “الأنظمة الهجينة” إلى “الديمقراطيات المعيبة” وجميعها تقع في أوروبا الشرقية:مولدوفا والجبل الأسود ومقدونيا الشمالية. كما ارتقت موريتانيا من التصنيف “الاستبدادي” إلى مصاف “الأنظمة الهجينة“. وفي غضون ذلك ، تراجعت جمهورية قيرغيزستان ” Kirghizistan ” ثماني مراتب وانتقلت من فئة “النظام الهجين” إلى التصنيف “الاستبدادي“، نفس المسار اتبعته هايتي فيما تدحرج لبنان إلى سفح “الاستبداد“، وتجدر الإشارة أنه من بين نحو 20 دولة عربية هناك دولتان فقط صنفت ضمن الأنظمة الهجينة ويتعلق الأمر بتونس والمغرب باحتلاله الرتبة الثانية عربيا ، بينما ترتع 17 دولة ضمن تصنيف الدول الاستبدادية تتذيلها سوريا.
معطيات وأرقام تثير قلقا استفهاميا حول النتائج السيئة التي عرفتها الدول منذ بدأت “وحدة الإيكونوميست للاستقصاء” إصدارها عام 2006: فهل تعتبر أزمة–كوفيد 19- المصفاة الأخيرة لعبور المجتمعات إلى ما بعد الديمقراطية ؟ وهل يشيع نظام ” كوروناكراسي1–Coronacracy- جثمان الديمقراطية لمثواه الأخير معلنا ” النهاية” ؟ ثم هل يدعم هذا الطرح ” قراءة الطالع” حول بزوغ بدر التكنوشعبوية” Technopopulism ” كمنطق جديد للسياسة الديمقراطية حسب طرح كريستوفر باكرتون ” Christopher J. Bickerton” وكارلو إنفرنيزي أسيتي Carlo Invernizzi Accetti ؟ وهل الديمقراطية حقا في أزمة؟
1 Coronacracy : النظام السياسي الذي يستخدم الإجراءات الاحترازية و التباعد و كل التدابير ذات الصلة بالفيروس التاجي من أجل خنق المعارضة و المجتمع المدني .